خمس دقائق تسيرها فى أحد شوارع مصر كفيلة بمنحك الاندهاش، بل الانبهار! فى نفس الشارع تجد فتاة تسير بالنقاب الوهابى الجرجار، بجوارها فتاة ترتدى ملابس تشبه ملابس لاعبة التنس تتراشق خطواتها فى خيلاء فتنتفض أعضاؤها بإغراء!
بعدها بخطوات فتاة محجبة بما يطلق عليه «زى الإخوان المسلمين» حيث الجلباب الواسع والطرحة الواسعة التى تحيط بالوجه، وغالبا ما تكون باللون الأبيض وعدم وجود أى لمحة من لمحات الماكياج، بجوارها فتاة ترتدى تايير شيك وبوت بكعب عال وإيشارب على رأسها مربوط للخلف فى أناقة، حتى لو ظهر معه جزء من الرقبة وماكياج خفيف يعطى مسحة نضارة غير مبالغ فيها.. وتمر بسرعة فتاة تضع على رأسها طرحة وترتدى بنطلون «سكينى» وبلوزة قصيرة، وتبدو وهى تسير أنها رسمت ملامح جسدها بفن السلويت، فاتضحت تفاصيله بالملابس أكثر مما أخفته! منذ فترة ظهر فى الشارع المصرى النقاب الأسود الفضفاض الجرجار الذى ترتدى صاحبته قفازا أسود ولا ترى منها شيئا من عباءتها حتى حذائها.. لكن ظهر أيضا فى الشارع المصرى من ترتدى النقاب وعيناها تطلان من خلفه بماكياج واضح وأظافر مطلية بألوان المانيكير الداكنة، وقدماها تظهران بالمانيكير والحناء والصندل المفتوح، الذى يضيف فتنة وجاذبية أكثر ما يضيف حشمة ووقارا! شق آخر نجده يرتدى العباية السوداء أو ما يطلق عليها فى السوق الشعبية «العباية الخليجية» وهى تعتمد على الدندشة والإبهار ما يشابه ملابس السهرة فى المناسبات الخاصة، فالعباية السوداء هذه تجدها مزركشة بقطع من القماش الملون بألوان فاقعة أو تتناثر عليها حبات اللولى والاستراس، والشرط أن تكون الطرحة من نفس القماش وتحمل نفس وحدات التطريز الموجودة على العباية.. لزوم الشياكة! أكثر ما يدهشنى هو حجاب البنات فى الأحياء الشعبية فهو حجاب يفتقد المعنى الحقيقى والمستتر للحجاب، فهو حجاب يقوم على تغطية الشعر الذى ليس لديها الكثير من الأموال لتهتم به وتعتمد على الدندشة والألوان الزاهية والمبالغات فى ربطات الطرحة، وفى الوقت نفسه اعتماد الملابس الضيقة جدا مادامت طويلة واعتماد ماكياج لافت فى الألوان والرسومات، والفتاة هنا تذهب إلى محلات الملابس لغير المحجبات وترتدى البنطلون «السكينى» والبادى طويلا كان أو قصيرا لا يهم بالنسبة لها، وتبدع وتتفنن الفتاة فى ربطات الطرحة التى تعتمد فيها على أكثر من طرحة وأكثر من لون لدرجة أنها يمكن أن تستخدم فى اللفة الواحدة خمس أو ست طرحات معا لتخرج بشكل مختلف ومميز من وجهة نظرها طبعا! • بيزنس ملابس المحجبات ظهرت مصانع خاصة للعبايات تقدم للسوق المصرية الكثير من الموديلات والتصميمات التى هى فى أغلبها شعبية الذوق وشعبية الجودة أكثرها يعتمد على موديلات من السوق الخليجية يتم «ضربها» أى تقليدها وبيعها فى السوق المصرية بأسعار تنافسية ومن يريد أن يميز نفسه بعض الشىء وسط هذه المصانع يشترك فى ديفيليه لمجلة خاصة بأزياء المحجبات أو يطبع «كتالوج» يضع فيه صورا لتصميماته بعد أن يكون صور العبايات وترتديها موديلز روسيات لتبدو العباية أكثر شياكة! أمام ساحة الجوامع الكبرى كجامع الاستقامة بميدان الجيزة، تجد سوقاً كبيرة للخمار والنقاب وللجوارب السوداء الخاصة بالنقاب، إضافة إلى إسدال الصلاة الذى تندهش حينما تجده صناعة صينى ويباع بسعر «45 جنيها». • شورت سارة سلامة فى رمضان الماضى شهر الصوم والعبادة، أصبح حديث جمهور الفيس بوك والشباب عن الهوت شورت الذى ارتدته الفنانة الصاعدة سارة سلامة، فما أن انتهى الشهر الكريم حتى انفجرت ماسورة من الهوت شورت فى مجتمع الساحل الشمالى مع بلوزات أو توبات غاية فى السخونة ترتديها فتيات فى العشرينيات ويدرسن بأرقى الجامعات وكثيرات منهن أمهاتهن محجبات! وتسير ابنتها بجوارها فى ملابس تشبه فتيات «الريكلام»! المدهش والعجيب أن ثقافة الاعتدال فى الملابس تكاد تكون منعدمة سواء فى المحجبات أو غير المحجبات، فالنادر أن تجد من ترتدى أزياء معتدلة ما بين الأناقة والمحافظة، وما بين الشياكة والاحتشام، هذه هى العملة النادرة فى الشارع المصرى، فنحن أمام قمتين من التطرف والمغالاة سواء فى التكلف فى الحجاب والتشدد أو فى العرى والابتذال والملابس التى لا تناسب إلا فتيات الليل! • خلل فى المجتمع هل لما نراه فى الشارع المصرى قراءة ومدلول نفسى؟ ذهبت فى نقاش مع دكتورة ندا أبوالمجد استشارى الطب النفسى بالأمانة العامة للصحة النفسية فقالت: إذا تأملنا الفتاة التى تضع ماكياجا ثقيلا خلف النقاب سنجد أن لديها صراعات وازدواجية فى الهوية الخاصة بها، وهذا يجعلها غير قادرة على تحديد توجهها فهى تضع المانيكير وتظهر قدميها فى شكل لافت وتضع فوق كل مظاهر الإغراء هذه النقاب فهى ما بين صراعاتها الداخلية فقدت هويتها. والنوع الآخر الذى نراه هو ارتداء الحجاب مع ملابس ضيقة جدا وشفافة أحيانا وتحدد جسدها فهى عندها صراع ما بين أن تجارى المجتمع لكى ترضى الآخرين وتجارى المنظر العام، وما بين رغبتها فى أن تبدو جذابة أو لافتة، فترضى المجتمع بتغطية شعرها دون الالتفات إلى ما ترتديه وما به من منظر لافت ومستفز ومنتقد لأنه يفقد الحجاب معناه وقيمته. وتضيف د. ندا: أما المتصالحة مع نفسها فهى فى المنتصف ترتدى الملابس المحتشمة أو الحجاب العادى دون ابتذال ودون مغالاة وهى شخصية معتدلة تكونت ووضعت الخطوط والقناعات الخاصة بها وهى أكثر واحدة متزنة. ترجع بنا دكتورة ندا أبوالمجد إلى الوراء قليلا وتقول: كان زمان كل المجتمع يرتدى نفس «روح» الملابس تقريبا، فترة اليشمك وفترة حفلات أم كلثوم كانت السيدات والبنات يرتدين الفساتين والجيب بوسط ضيق وهى منقوشة كلها بأطوال متقاربة، الآن الوضع اختلف، فقد انفتح المجتمع على مجتمعات أخرى، لكنه للأسف انفتح دون وعى ففقد هويته وارتبك وأصبح يجمع كل المتناقضات فمثلما انتشر الحجاب، انتشرت الملابس الخليجية، فالهوت شورت والاستومك لها مبرر واحد الانفتاح، وأولادنا أخذوا من اليوتيوب والأفلام ملابس النجوم وهى ليست ملابس الناس العاديين فى الغرب، والمتأمل للشارع المصرى يجد كل ما هو غريب فكما نجد الهوت شورت نجد فتاة ترتدى الحجاب وعمرها سبع سنوات، فهناك لخبطة وربكة فى حياتنا، وهذا متسق مع الحياة السياسية التى نعيشها، فالهوية للمجتمع أصبح فيها خلل، هويتنا المصرية تشتتت بسبب كل العوامل التى تحيط بنا فلا يوجد توافق أو انسجام فى حياتنا. • هل هذا ما يفسر كثرة من خلعن الحجاب فى الفترة الأخيرة؟ - من خلال شغلى لاحظت أن من تتخذ هذا القرار تكون معرضة لإحباط أو اكتئاب، ولن أقول ضعف إيمان أو نقصه، لكنهن يفترضن أن حياتهن تنضبط مادمن محجبات. للأسف النفس البشرية عميقة وكل الأحداث العقل يسجلها ويحللها وستجدين أنه يتأثر سواء من بعيد أو قريب. • وأخيرا يبدو أن العقل وحده ليس هو من يسجل الأحداث ويتأثر بها، لكن أيضا ملابسنا التى تشهد بمغالاتها أننا نعيش أياما قمة فى التناقض والمغالاة وافتقاد كل ما هو سوىّ!•