جولة واحدة فى شوارع القاهرة التى يقطنها أكثر من 20 مليون نسمة، كفيلة بإدراك حجم الخطر الذى يحيط بالمشروع الإسلامى، ومدى التراجع القائم أخلاقيًا بين المصريين، والماثل على ألسنتهم وأزياء بناتهم، بشكل يؤكد لك أن ما يتردد عن وجود "صحوة إسلامية" فى الشارع المصرى نوع من الطنطنة والشعارات الجوفاء، ودغدغة المشاعر. جولة واحدة - دون نظارات من أى نوع - تلمس من خلالها تدهوراً حاداً فى أخلاقيات ومروءة المصريين، فضلاً عن تراجع حاد فى قيم الحياء، وصل إلى توالى وقائع معاكسات الفتيات للشباب!، وليس العكس، وهو أمر بديهى وأصبح سمة أساسية للمجتمع، هذا بالإضافة إلى حجم الانحلال فى ملابس الفتيات من مختلف الأعمار والذى بلغ تجاوزًا كبيرًا حتى أصبح المعتاد فى - قاهرة الأزهر - ارتداء الفتيات للبنطلون "المجسم"، والملابس الضيقة جدًا، والماكياج الصارخ، وبتنا نرى المحجبات والمنتقبات ينافسن أقرانهن فى الموضة. الحجاب بقى "تايلاندى وماليزى "، ولفة الطرحة صارت "تركى وخليجى"، وأصبح هناك ربطة الكعكة، والفراشة، وذيل الحصان، والإسبانيش، وغيرها والتى تعتمد على الروشنة والبهرجة والألوان المتداخلة، ولم يسلم النقاب هو الآخر، وطالته فنون الموضة، حتى بتنا نرى منتقبات آخر موديل، وعلى الطراز العصرى، بالماكياج وتضييق حيز الملابس، وأحيانًا تشاهد "منتقبة ترتدى البنطلون"!!. محجبات يغطين رؤوسهن ويكشفن أجسادهن، ومنتقبات "نص كم"، وفتيات فى عمر الأزهار يرتدين البنطلون الساقط، وسيدات فى عمر الأمهات يرتدين عباءات سوداء تكشف أكثر مما تستر!، ناهيك عن أزياء غرف النوم التى سيطرت على خطوط الموضة والملابس الخارجية، الأمر الذى يصعب معه التفريق بين كوْنها قطعة ملابس داخلية أم خارجية؟!!! بواقعية شديدة يحاول البعض التهرب منها، ومعها تعمى بصائر مَن يبغضون النقد ولو كان حقًا، وصل الداء إلى بيوت الإسلاميين، وأصابت "الروشنة" "الأخوات"، وبات الأمر لا يخلو من مسحة "روج"، أو"بارفان"، أو "تجسيم"، وهو ما عبرت عنه صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، حينما وصفت هذا التحول بالقول فى تقرير لها إن شكل الحجاب فى مصر تحوَّل من الحجاب التقليدى الرصين إلى الحجاب الملون المربوط على الرأس بطرق حديثة والمزين. جولة فى أفراح الشارع المصرى، كفيلة هى الأخرى بكشف مدى التغيُّر الذى طرأ على أخلاقيات وتقاليد الأسرة المصرية، والتى تقدم "البانجو" لضيوفها فى الأفراح، وتستقدم زجاجات الخمر وراقصات العرى، فضلاً عن غزو قنوات الرقص وأفلام الجنس للبيت المصرى ب"الريموت كنترول". أعلم أن الكثيرين من أبناء الحركة الإسلامية يطنطنون بحديث "الصحوة الإسلامية"، دون إدراك للمتغيرات على أرض الواقع، أو ربما تجاهلاً، أو تقليلاً من الأمر، فى وقت تراجع فيه دور الأزهر وإمام المسجد، والمربى والداعية، وانشغل الجميع ب"السياسة" على مدار عام ونصف بعد الثورة، وفرضت لغة الخصومة والصراعات الحزبية والدينية نفسها على مائدة الأسرة المصرية. المشروع الإسلامى فى خطر حقيقى، وسيتفاقم إذا ضاعت البوصلة الرئيسة للإسلاميين، وتاهوا فى صحراء الساسة، ونسوا مشروعهم المنشود والذى يُعرف فى أدبياتهم ب"أسلمة المجتمع"، والذى بات يشكو ما آل إليه الواقع الأليم. وللحديث بقية.