منذ أن انطلقت ثورة 25 يناير 2011 ومن بعدها ثورة 30 يونيو 2013، لم يعد هناك كلام أو ذكر لمصطلح كان يتكرر كثيرا قبل ذلك، سواء فى زمن السادات أو فى زمن مبارك.. وهو مصطلح أقباط المهجر.. طوال 40 عاما انشغلت الصحف ووسائل الإعلام بالكلام عن مجالات الحياة، وفى أحيان كثيرة تم الزج بهم فى أمور سياسية للمزايدة على مصر ونظامها. فما الذى جعل هذا المصطلح موجوداً بكثرة ثم فجأة اختفى وتوارى؟! هذا المصطلح كان الهدف منه سياسياً بالدرجة الأولي، فإذا كان البعض يقول أقباط المهجر فلماذا لا يقولون أيضا مسلمو المهجر.. فأبناء المهجر مصريين من أتباع الديانتين الإسلام والمسيحية، ولقد بدأت هجرة عدد من المصريون سواء إن كانوا مسيحيين أو مسلمين إلى خارج مصر منذ الستينيات وما بعدها بحثا عن فرصة عمل أو مجال جديد للرزق أو استكمالاً للتعليم.. وشهد العالم كله سفر آلاف المصريين من ذلك التاريخ.. فهناك مسلمون ومسيحيون فى البلاد الكاريبية وأوروبا وأمريكا.. ولكن التركيز الإعلامى كله ينصب على عبارة «أقباط المهجر» من أجل الاستخدام السياسى ومع بداية حكم السادات وتشجيعه للجماعات الإسلامية بدأ العديد من الأقباط يحسون بالتمييز فى تلك الفترة وتعددت الحوادث الطائفية مما دعاهم إلى الهجرة.. لكن وسائل الإعلام العربية ضخمت من هذه الأمور وراحت تبالغ فيها، وللأسف الشديد فقد ابتلع هذ الطعم عدد محدود من الأقباط وبتشجيع من جماعات الضغط اليهودية كونوا جمعيات تنطق باسم أقباط المهجر تعقد المؤتمرات وتنشر الصفحات الإعلانية فى كبرى الجرائد الأمريكية تهاجم النظام فى مصر بحجة اضطهاد أقباط مصر وتحويل حالات فردية إلى ظاهرة عامة وبلغ من جرأة أحد هؤلاء النشطاء أن طالب صراحة بتدخل رئيس الوزراء الإسرائيلى شارون لحماية أقباط مصر من الاضطهاد والمذابح التى يتعرضون لها، وكان ذلك فى عهد مبارك، وحينها أصدرت الكنيسة القبطية بيانا شديد اللهجة يستنكر هذا التصريح ويعلن تبرئة الكنيسة القبطية من أى قبطى يستدعى الأنظمة الخارجية للتدخل فى شئون مصر.. لقد قرأت كثيرا عن أقباط المهجر وما أكثر الآراء المنحازة التى استخدمت هذا المصطلح للهجوم على مصر والتضخيم والتهويل فى هذه الظاهرة. وفى زيارتى الأخيرة للولايات المتحدةالأمريكية منذ عدة أشهر التقيت فيها عشرات الأسر القبطية فى مناسبات اجتماعية وعائلية مختلفة، وكان الحديث يتطرق أحيانا كثيرة إلى السياسة وأحوال مصر بصفة عامة وفى إحدى المرات سألتهم ببساطة وعفوية عن رأيهم كأقباط مهجر فيما يحدث فى مصر، وكانت المفاجأة الكبيرة لى أنهم رفضوا تماما هذه العبارة ومصطلح أقباط مهجر، وقالوا إنهم يكرهونها ولا يحبون سماعها لأن هذه الكلمة اخترعتها وروجت لها أجهزة الإعلام الغربية للهجوم على مصر، وللأسف تبنى هذه العبارة بعض أجهزة الإعلام فى مصر أيضا.. وقالوا لى مفيش حاجة اسمها أقباط مهجر وإنها كلمة قديمة قوى وراحت عليها وهم يكرهونها وقالوا نحن جميعا مواطنون مصريون ومهما كانت الأسباب التى دفعتنا للهجرة سواء للبحث عن الرزق أو إيجاد فرصة عمل أو تعليم فإن مصر لن تغادرنا بل هى تعيش فى قلوبنا ودمائنا ونحبها ونخاف عليها أكثر من أى شىء وكما قال قداسة البابا شنودة الثالث فى عبارته الشهيرة، إن مصر ليست وطنا نعيش فيه بل هى وطن يعيش فينا.. ومعنى هذا أن القبطى سواء إن كان فى أمريكا أو استراليا أو أوروبا أو أى مكان فإن مصر تعيش بداخله.. وعندما سألت عن هذه الحركات والمنظمات الكثيرة التى كانت تتحدث فى الماضى باسم أقباط المهجر وتملأ الدنيا ضجيجا وتملأ أخبارها وسائل الإعلام، سمعت إجابة مهمة لم أكن أتوقعها، فقد قالوا لى إن معظم هذه المنظمات ما هى إلا دكاكين تتكسب من ورائنا وتتحدث بأسمائنا وتتلقى تمويلا من جهات مشبوهة لا تريد الخير لمصر، وكانت هذه الحركات تنشط جدا فى زيارات كبار المسئولين المصريين لأمريكا. قال لى رجل يقترب من السبعين من عمره: أنا هنا منذ 40 عاما وأعرف مئات الأسر القبطية ولا يوجد بيننا من يحترف السياسة.. لكننا نهتم بكل ما يحدث فى مصر من أمور على كل المستويات ونتابع يوما بيوم من خلال القنوات الفضائية والصحف المصرية كل شيء.. ثم لماذا لا تطلقون علينا هذا المصطلح الكريه أقباط المهجر ولا تطلقونه على ملايين المسلمين المهاجرين. وقالت لى سيدة أخرى: أنا أعيش هنا منذ أكثر من 30 عاما مع زوجى وأبنائى وأحفادي، ولكنى أوصيتهم بأن أدفن فى مقابر الأسرة فى بلدتنا فى صعيد مصر لما أموت.. فمصر هى وطنى وأنا هنا غريبة فى بلاد غريبة مهما طالت بنا السنين. قال مثقف قبطى- فى زيارته مؤخرا لمصر: لاحظت شيئاً غريباً، فمنذ نجاح ثورة 30 يونيو وأعضاء من الإخوان المسلمين هنا وهم بالمناسبة منظمون بشدة بدأوا يهاجمون ثورة 30 يونيو ويطلقون علهيا انقلاباً واختلفوا معنا فى هذا الصدد، وحاولوا استمالتنا إليهم بشتى الطرق، ولكننا رفضنا ذلك وفشلوا فى محاولة إقناعنا بمشاركتهم فى المسيرات والمظاهرات التى دعوا إليها أثناء زيارة الرئيس السيسى لأمريكا والهجوم على هذه الزيارة، فقمنا نحن ومعنا الآلاف بمسيرات مضادة لهم وكانت تأييداً للرئيس والترحيب به.. والغريب فى الأمر أيضا أن هناك نوعاً من التعاون بين هذه الجماعات وعدد من جماعات الضغط الصهيونية للهجوم على مصر وهذا كله يؤكد خصومتهم الشديدة لمصر.. بل إن أحدهم كان يقول صراحة لنا إن النظام الجديد سيكون أكثر قسوة وشراسة مع أقباط المهجر عما قبله، وطبعا كل ده كان كلامًا فارغًا ولم يحدث!!.. والآن بعد مرور 4 سنوات من قيام ثورة يناير 2011 اتضح لنا أن مصطلح أقباط المهجر قد اختفى تماما، لأنه مصطلح كاذب ومزيف وغير موجود، لكن البعض استفاد منه ماليا ودعائيا وما أكثر الكتب التى قام البعض بتأليفها حول هذا الموضوع.. وكان معظمها هدفه بث الكراهية والفرقة بين الأقباط فى الخارج وبين الوطن الأم!.. وما أكثر المرات التى كان البابا شنودة يرسل فيها رسائل للأقباط فى الخارج يناشدهم من خلالها بعدم الهجوم على مصر أو تصديق كل ما يشاع، وليس سرا أن بعض الأصوات القبطية فى المهجر اخترع حكايات لا أساس لها من الصحة حتى يثيروا غضب العالم على مصر، سواء فى عصر السادات أو مبارك لدرجة أن أحد هؤلاء قد نشر مرة فى التسعينيات بأن الأقباط فى مصر سيتحولون إلى فقراء وماسحى أحذية، وهذا ما يؤكد الدور المشبوه لهذه الجمعيات التى كانت تلعب مع اللوبى الصهيوني، بل إن بعضهم قد التقى ببنيامين نتنياهو فى زمن مبارك من أجل الضغط على مصر!!.. وما يؤكد أيضا الدور المشبوه لتلك الجمعيات هو صراخها المستمر طوال السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات ضد أحداث صغيرة وقعت بين أقباط ومسلمين، ثم صمتهم التام المريب عندما قامت الجماعات الإرهابية بحرق وتدمير أكثر من 60 كنيسة فى مصر. وهو ما يعنى التقاء مشروعهم مع نفس المشروع الإخوانى. •