لطالما رأيت الجامعة حلماً بعيدا جداً، فالجامعة بالنسبة لى مكان خاص «بالكبار» فقط. الذى لم أتخيله أن أكون من ضمن هؤلاء «الكبار» يوماً ما، انبهرت بالمشاهد فى المسلسلات والأفلام التى تعطى صورة عن الجامعة بأنها مكان واسع ملىء بالحدائق والزرع، يعزف الطلاب فيه الجيتار مثلما صور لنا تامر حسنى فى أفلامه، يستمتع الطلاب بحياتهم بدون كل ذلك التوتر والإرهاق النفسى والجسدى بالمذاكرة والامتحانات. فرسمت فى خيالى توقعات حالمة عن «أجمل أيام حياتنا».. ومن حسن حظى، كنت من الدفعة التى دخلت الجامعة بعد الثورة، لأكتشف أن أجمل أيام حياتى أقضيها فى حياة مليئة بالأكشن، وأن «هنموت منفجرين» أصبح شعارى المفضل أنا وأصدقائى! حتى توقعاتى عن الطلبة الذين ظللت أبحث فيهم عن «زوزو» سعاد حسنى، وفى النهاية لم أجد غير النماذج التى قدمتها ياسمين عبدالعزيز أو «نجيبة متولى الخولى» وهم محبو الدرجات «القُبة يا نجيبة»، أو الباحثات عن الزواج «العريس يا نجيبة». اكتشفت فى النهاية أن سقف التوقعات العالية التى وضعتها عن الجامعة لم يقتصر عليّ فقط، ولكنها شملت طلاب الجامعات الحكومية والجامعات الخاصة أيضاً. لذلك- ومن باب الفضفضة- سنحكى كطلبة عن توقعاتنا عن الجامعة التى رسمناها فى خيالنا، والحقيقة التى وجدناها. • التوقعات • الجامعة الألمانية فى البداية يقول عبد الرحمن حسن جاد، طالب الهندسة فى الجامعة الألمانية: «وأنا صغير، طول عمرى كنت عايز أبقى جراح قلب، عارف اتجاهى، بس بعد كده لما ابتديت أفهم إن طب ده 7 سنين وعُمر بحاله، ساعتها كنت بفكر زى كل الناس فقررت أدخل هندسة لإن الناس كلها بتدخل هندسة. كنت عايز أدخل هندسة عين شمس لإنها أحسن هندسة فى مصر- زى ما بنقول إن مصر حضارة 7000 سنة بغض النظر عن اللى جواها - وعلشان مش هدفع فلوس زى ما هدفع فى جامعة خاصة، بس مجموعى مجابهاش، فقدمت فى الجامعة الألمانية، وكنت شايفها حاجة جميلة ومُبهرة. كنت متوقع إنها طالما جامعة خاصة، فالناس هتبقى بتتكلم إنجليزى بس، وكنت متوقع ناس تنكة وأنا مبحبش الجو ده خالص. عندنا فى الجامعة بيعملوا يوم ترحيب بالطلبة، رئيس الجامعة يتكلم عن الجامعة وعن أساتذة ألمانيا وإننا بنخلص الدراسة ونسافر نشتغل فى ألمانيا وبيعلى لنا سقف توقعاتنا جداً. وإحنا عندنا عادة كمصريين، إن أى أستاذ ألمانى أو خواجة فأكيد أحسن من أى أستاذ مصرى. وأى جامعة جنبها اسم أجنبى فهى جامعة محصلتش، الناس اللى فيها أغنياء جداً وبيركبوا أغلى عربيات، وناس كتير منهم مغرورة». • جامعة حلوان وفى سياق متصل، قال أحمد جلال، طالب كلية الحاسبات والمعلومات بجامعة حلوان، عن توقعاته: «والدى كان عايزنى أدرس هندسة فى الجامعة الألمانية، بس أنا كان نفسى أدرس علوم حاسب آلى فجاء التنسيق جامعة حلوان، فى البداية والدى رفض عشان كان شايف إن هندسة مضمونة بس فى النهاية قالى ده قرارك أنت، فقرأت أكتر عن مجال الدراسة، وكان عاجبنى المحتوى العلمى جداً فقررت أدخلها. كنت متوقع إنى هروح ألاقى انضباط، على الأقل فى نفس مستوى المدرسة، بمعنى المحاضرات بتبدأ فى مواعيدها، فى تفاعل بين الطلبة والأساتذة، وكنت متخيل إن هيبقى عندنا معامل متخصصة فى كل مجال فى العلوم اللى بندرسها لإنها متشعبة جداً». • الجامعة الأمريكية أما بالنسبة لطالبة الجامعة الأمريكية، سارة قدرى، فقالت عن توقعاتها: «كنت متوقعة الجامعة الأمريكية أن تكون بنفس الشكل النمطى الذى يتم تصديره، على أنها جامعة لصفوة المجتمع، وأن دراستها سهلة والطلبة مغرورين ومنعزلين فى عالم لوحدهم ونُسخ مكررة من بعض». • جامعة القاهرة وبالنسبة لغيداء قطب، طالبة الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، فحكت عن توقعاتها: «أنا كنت متخيلة الجامعة واسعة وفيها براح والناس بتجرى فيها، ومصدر التوقعات دى كان إنى بزور جامعة عين شمس لما كنت فى المدرسة، وكنت بشوف ملعب كبير وناس بتركب عجل، فكنت متخيلة إن جامعتى كمان هتكون كده. كنت متصورة إنى هاخد محاضراتى وهمشى وخلاص، وعلشان أنا شعبة لغة فرنسية فكنت متوقعة إن الناس هتبقى عايشة فى عالم أرستقراطى شوية، مش شبهى». • الحقيقة • الجامعة الألمانية يحكى عبد الرحمن عن الحقيقة التى وجدها فى جامعته: «لما دخلت الجامعة اكتشفت إن مش كل الناس مغرورة، فى حاجات إحنا بنخلقها أو بنفترضها معرفش على أى أساس. أول يوم جامعة كان عندى سكشن ألمانى، لقيت معيدة بتكلمنى ألمانى وهى مصرية، مفهمتش حاجة فقولتلها صباح الخير! قالت لى حاجة برضه مفهمتهاش، ومش صباح الخير بالألمانى، لأ دى بتشتمنى تقريباً. مكنتش فاهم حاجة فدخلت قعدت، باقى اليوم توهت شوية فى الحرم لإنى لا أعرفه. الجامعة زوّدت فى شخصيتى أكتر عشان عامل النُضج. المدرسة كان فيها قيود أكتر، بصحى أفطر واستحمى وأروح المدرسة أسمع الكام كلمة اللى مبفهمش منهم حاجة دول وأروح أنساهم وأنام. لكن الجامعة مختلفة، فيها تعليم بجد ومشاريع بنعملها وصحاب بنقابلهم. وبالرغم من قيود المدرسة، بس أنا مدين ليها لأنى لما خرجت لعالم الجامعة وانفتحت على ناس كتير اكتشفت إن مش كل الناس عندها نفس المبادئ والأخلاقيات اللى اتربيت عليها واللى مبتتغيرش. فى المُجمل فترة الجامعة فيها تحدٍ وإرهاق لكنها ثرية». • جامعة حلوان ويُكمل أحمد جلال عن المواقف التى شكلت تصوره الواقعى عن كليته: «أول يوم جامعة اتصدمت إن الكلية بعيدة عن باب الجامعة، وإن مفيش أى نظام. محاضراتنا الساعة 9، بيدخل الدكتور الساعة 11.30 ويقعد عشر دقائق ويمشى. واتصدمت بكم الانحدار الأكاديمى وغياب الإدراك عن الزمن اللى احنا عايشين فيه، أو حتى تقدير لقيمتنا كطلبة نفسها تتعلم عشان تضيف للبشرية. بعد صدمة الأسبوع الأول، بطلت أروح الجامعة. بقيت بحضر مظاهرات أو ندوات أو بخرج مع صحابى. • الجامعة الأمريكية الحقيقة التى وجدتها سارة فى جامعتها كانت أفضل كثيراً من تخيلاتها، فقالت: «اكتشفت كم كيانات متنوعة داخل الجامعة، وإن الدراسة مش سهلة وضاغطة جداً. وتعلمت إن كل شخص ليه شخصيته وأيديولوجيته والجامعة ساعدتنى إنى أتقبل كل الشخصيات المختلفة عنى واحترمها، وإنى لا أقلل من قدر شخص عشان بيفكر بشكل مختلف عنى. أول صدمة فى الجامعة كانت إن الطلبة بتتكلم إنجليزى طول الوقت حتى لو مش فى وقت المحاضرات، والمبالغة فى الأسعار فى الجامعة. لكن أنا مبسوطة باختلاف وتنوع الثقافات اللى بقابله، بتعامل مع ناس من كل البيئات المختلفة. • جامعة القاهرة انتصرت غيداء على خوفها من العالم الأرستقراطى الذى ستقابله فى الجامعة فقالت: «كنت متخيلة إن الجامعة واسعة بس لقيتها مكان ضيق، وعانيت كتير فى الدراسة لإن عندنا مشاكل مع الأساتذة. وبرغم إنى كنت خايفة من الجامعة عشان مش هلاقى ناس شبهى، بنات شعبة فرنساوى كانوا بيخلصوا المحاضرات ويقولوا نروح للكوافير، ودى مش شخصيتى خالص. بس الحقيقة إنى لقيت صحاب شبهى، اتعرفت على صديقتى المُقربة فى الجامعة، بسنت، وسافرنا مع بعض الهند».•