الست المصرية دائماً بمائة رجل ومهما تمتعت بأنوثة ورقة إلا أنها على مر العصور كانت لها مواقفها التى تتسم بالصلابة والجَلد، وفى الحياة اليومية تفاجئك المرأة برد فعل يشعرك بأن داخلها «ضابطاً» حازماً، وجادا، يخرج فقط وقت اللزوم، قد يكون لمواجهة موقف صعب فى الشارع، أو العمل، أو حتى فى البيت، ولكن أن تكون معظم الوقت «ضابطاً» فكيف هو شكل حياتها هل هى أم وزوجة أكثر حزماً والتزاماً؟! ولا مجال إلا للجد والحزم ؟! كما يظهر فى العديد من المسلسلات التى شاهدناها مؤخراً عن شخصية الضابط الأم التى تقيم سجناً فى البيت أو تقول لزوجها «يا فندم»!!!!! أم أنها امرأة عادية تخلع شخصية الضابط مع خلعها للزى الرسمى وتعيش حياة طبيعية كزوجة وأم؟! أسئلة ظلت تراودنى فى طريقى للقاء العقيد هالة أحمد رئيس العلاقات العامة والإنسانية ورئيس قسم أسر المسجونين بإدارة شرطة الرعاية اللاحقة والتى حاولت أن أقترب من بعض ملامح حياتها الشخصية.. استقبلتنى فى مكتبها بابتسامة واسعة وملامحها المصرية المألوفة، فاستطاعت من أول وهلة أن ترفع ما بيننا من حواجز، أو تحفظات فى التعامل، وتبدد أى اعتقادات لدى بالجمود. لماذا «ضابطة» • كان أول ما بدر لذهنى سؤالها عن سبب اختيارها لهذه المهنة، وإن كانت نشأتها، أو عمل والدها مثلاً له تأثير على اختيارها؟؟ فأجابت: «نشأت فى جو عادى جداً.. أبى مهندس معمارى، ونحن 4 بنات كان ترتيبى الثالثة بينهن، كانت أمنيتى أن أصبح ضابطاً من صغري، وكنت أعشق لعب الصبيان كالعجلة، والكورة، وكنت أحلم أن أجرى وراء الحرامية، وأمسك بالمسدس أو البندقية، وعندما حصلت على الإعدادية سألنى والدى عما أريد أن أكون فى المستقبل فأخبرته «عاوزة أكون ضابطة» فصدمنى وأخبرنى أن هذه المهنة «للرجال فقط» فلم يكن هناك وقتها وجود لضباط من النساء ظللت فترة مكتئبة لأن حلمى حكم عليه بالإعدام، إلى أن قُبلت دعواتي، وتحقق أملى عندما فتح الباب للشرطة النسائية. وقت تخرج أختى الكبرى، فعندما انتهت من كلية تربية رياضية دخلت شرطة نسائية، تجدد الأمل، وأنا كنت فى كلية الآداب قسم اجتماع دفعة 87، و بمجرد تخرجى دخلت الشرطة «سنة تدريب» كالرجال تماماً الفارق الوحيد فى «البيات» فنقوم بتمارين لياقة مثلهم، وضرب النار، وركوب الخيل كل شيء ولكن ننام فى بيتنا وسنة وأختى بعدى تخرجت فى تربية رياضية ودخلت أيضا الشرطة فأصبحنا نحن الأربعة ثلاثة منا ضباطًا.. وجاء تكليفى فى الرعاية اللاحقة وبعد ذلك عندما كان أمامى فرصة لأعمل فى الأحوال المدنية تمسكت بالإدارة لأنى أحببت العمل بها جداً و كنت خائفة أن أعين فى السجن لأنى فى بداية عملى كنت أتفاعل عاطفيًا مع كل الحالات الإنسانية ولا أستطيع الفصل! زوجة وأم • وماذا عن حياتك العائلية؟ كيف تتصرفين مع بناتك؟ وهل تفصلين بين عملك وبيتك؟ - زوجى مهندس كمبيوتر وعندى بنتان الكبرى فى كلية التجارة والصغرى فى الصف الثالث الإعدادي. وأكيد أنا فى البيت «حاجة والشغل حاجة تانية خالص»، فأنا بمجرد دخولى البيت أصبح أما وزوجة فقط ولست سيادة العقيد. ومن المؤكد أن طبيعة شغلى جعلتنى أخاف على بناتى مما يحدث فى الشارع، ولا أستهون بشيء، مما يجعلهما يشعران بأنى «أوڤر» وانعكست ظروف عملى على تعاملى مع أولادي، ودائماً ما أنصحهما بالوعي، لو تعرضتما لذلك يجب فعل كذا وكذا. • هل تريد إحدى ابنتيك أن تصبح ضابطاً مثلك؟ -ابنتى الصغرى هى التى تريد ذلك، وتحب هذه المهنة مثلى تماماً، أما الكبرى فهى غير ميالة لذلك وترى أنها وظيفة متعبة مع نوباتجيات العمل، والطوارئ، وظروفه. • هل تضايقك صورة الضابط المرأة فى المسلسلات المصرية؟ - أبدا لا تضايقنى فهى كوميديا الغرض منها الإضحاك، ولا صحة لصورة ماجدة زكى فى الواقع أبداً فالأم أم ولو كانت وزيرة.. أما ماظهرت به فى المسلسل الأخير، من سجن لبناتها فى البيت وأمور مضحكة أخرى فهى لخدمة العمل فقط. مواقف صعبة • ما أصعب المواقف التى مرت عليكى خلال سنوات عملك؟ وما أكثر الحالات التى تركت فيكى أثراً نفسياً؟ -عندما جاء تكليفى فى الرعاية اللاحقة وكنت مسئولة عن التعامل مع المساجين المفرج عنهم، وكنت الضابطة الوحيدة بين زملائى الرجال، كنت أخاف عندما يأتى رجل عينه «متخيطة» لإصابة أو فمه «مخيط» فيكلمنى زملائى هذا شيء طبيعى و«ما تخافيش وياما هتشوفي»، كذلك كنت أتعاطف بشدة وأبكى مع أسر المساجين مع أن المفترض التحكم فى مشاعري.. وأكثر الحالات التى مرت على غرابة ولا أنساها منذ فترة طويلة جدا.. سجين كانت تأتى أسرته لنساعدها فى الرعاية اللاحقة وحكت لى زوجته أنه تحت تأثير إدمانه للمخدرات اغتصب ابنته عدة مرات عندما كانت تخرج للبحث عن لقمة العيش وهو عاطل فى البيت وحملت البنت وولدت طفلاً ثم سجن زوجها بسبب المخدرات وكانت الأم تعانى الأمرين وتشكى حالها وفضيحتها وعجزها عن سد حاجة البيت وكانت امرأة طيبة جداً أثرت فى على المستوى الشخصى ولم أنسها للآن». • هل تشعرين بنظرة مختلفة لك كامرأة تشغلين هذا المنصب، وعنصرية من البعض تجاهك؟ - فى الوزارة مثلنا مثل الرجال: العدل فى الترقيات، والطوارئ، لكن الشارع يظلمنا وهناك نظرة دونية للستات.. ونحن فى سيارتنا بلبسنا الميرى نسمع تعليقات مثل «الرجالة خلصت» «جايبينكم من قلة الرجالة»، غير أن التعامل عامةً الآن فى السنوات الأخيرة مختلف. «والعملية ملطشة فى التليفزيون وحقوق الإنسان»، وهو ما جعلنا لا نرتدى الزى الرسمى الآن إلا فى الطوارئ .. فقد كان أهالى المساجين يأتون طيبين ومنكسرين أما الآن فأصبح حقا مكتسبا مع أن المساعدات التى نقدمها كلها بروتوكولات، وتعاملات مع بنك الطعام، أو جمعية الأورمان، أو بنك الشفا أوالجمعيات الأهلية ويتكلمون معنا بأسلوب فج. • وهل يشعر زوجك بأى إحراج بسبب عملك كعقيد شرطة؟ -على العكس تماماً بل يشعر بالفخر عند تقديمى لأصدقائه «المدام عقيد شرطة»، وفى أى موقف إذا قال أحد وأنا مع أسرتي: «أهلا يا باشا» لا يتضايق.. فهو متفهم ومعجب بعملى ويشجعنى.•