ليس فى كل وقت يصبح «السكوت من ذهب» لأنه من الصعب أن يعيش الإنسان إحساس الانفصال والوحدة رغم وجود البيت والأسرة لأنه وببساطة قد ضاعت الكلمات وجفت المشاعر وأصبح الصمت الرهيب يخيم على البيت، وهو ما يعرف «بالخرس الزوجى» الذى يجعل كل شريك فى وادٍ آخر ويصبح التواصل بينهما أمرا نادراً فيصبح درباً من الخيال اليوم أن نرى «قعدة العصارى» مع كوبى الشاى وحوار ودى بين الزوجين أو حتى مع أولادهما وحل محله السكون والصمت الذى غالباً ما تشتكى منه الزوجة وتكرهه فى زوجها فيقال إن عقل المراة وقلبها فى أذنها، وفى دراسة فرنسية حديثة صادرة عن مركز «ليل القومى للأبحاث الأسرية» أكدت أن الرجل يكره ثرثرة المرأة بينما تكره المرأة صمته. وقد ذكر القائمون على الدراسة أن صمت الرجال احتل المركز الأول فى قائمة الصفات التى تكرهها النساء فى الرجل حتى إنها تسبق الخيانة والبخل.
كذلك العديد من الدراسات أثبتت قدرة المرأة على إتقان اللغات وحفظ أكبر قدر من المفردات والمرادفات منه، ليس بحكم أنها تحب الكلام أو الثرثرة، كما يدعى البعض، ولكن نتيجة لتكوين عقلها الذى يستوعب الأحاديث ومفردات الكلام بصورة أسرع. ولهذا دائما ما يلقى عليها عبء تجنب الخرس الزوجى من الخبراء والمتخصصين.. ولكن أن يصل الحال بالمرأة أن تندم على محاولة التغلب على الخرس الزوجى هو ما جعلنى أشعر أن هذا الخرس فى كثير من البيوت المصرية اليوم أخذ شكلا أكثر تعقيدا، فغالباً ما يكون أشبه بالصمت الذى يسبق العاصفة.. فأصبحنا نتأرجح ما بين برد السكوت والخرس الزوجى وحالة من الهياج والصياح والذى يكون مصدره بداية حوار بين الزوجين أو بمعنى أدق بداية اختلاف، إما حول مصاريف الأولاد وإما أحوال البلد أو حتى شكوى من عدم الاهتمام من الطرف الآخر.. وأصبحت الزوجة بعد أن تشتكى من سكوت الزوج لا تلبث أن تقول لنفسها «يا ريتنى ما اتكلمت» عندما يحل موضوعات تعكس توتر الحياة محل حديث شاعرى تتوق الزوجة لسماعه. نسيت الكلام
«أنا خلاص نسيت الكلام مع جوزى شكله إيه» بهذه الكلمات بدأت معى السيدة هاجر محمود، ربة منزل، زوجة من اثنتى عشرة سنة وأم لطفلين حديثها وتقول: للأسف زوجى طوال الوقت خارج البيت لظروف عمله وعندما يعود لا يريد أن يتحدث فى شىء، وعندما أبدأ أنا معه أى حديث حتى لو حول أحوال البلد السياسية أراه مرهقاً لا يريد أن يسمع شيئا وتمر أيام، بل أسابيع لا أسمع سوى «إنتم طابخين إيه» أو «فين قميصى» أو «عايزين فلوس للدروس» وأصبحت الحياة بيننا روتينية وكلامه معى باردا وكأن «قلته أحسن» وابنى وابنتى إما مع أصحابهما أو قاعدين على الإنترنت، ولم أعد أتكلم داخل البيت ولولا التليفون وكلامى مع صديقاتى كنت «نسيت الكلام»!
السكوت أحسن
«كل حوار ينتهى بخناقة وأنا تعبت» جاءت هذه الكلمات على لسان «س.م» محاسبة ومتزوجة من خمسة عشر عاماً فتقول: «كنت أشتكى من قلة كلام زوجى معى و«أنكشه» ليتكلم فى أى موضوع، ولكن الآن لا أريد حتى سماع صوته فهو يسكت وعندما يتكلم لا يقول سوى: «إنتم عارفين بتصرفوا كام فى الشهر»؟! «كنت فى سن ولادك ما بخدش دروس ولادك خايبين» وأشياء من هذا القبيل، فقررت عدم فتح أى موضوع معه لأنه «لازم يقلب بخناقة»!
سكوت أو خناقة سياسية
ليس مَنْ مر سنوات طويلة على زواجهم فقط هم من يشتكون من الخرس الزوجى، فالكثير من الزوجات الحديثات أيضا لهن نفس الشكوى، الدكتورة مى زوجة شابة متزوجة منذ عامين تقول: لم يعد بينى وبين زوجى أى حوارات فأثناء الخطوبة كان كلامنا على البيت والأثاث والفرح، وبعد الجواز أو تحديدا بعد شهر العسل أصبح كلامه نادرا فهو دائما يتابع عمله على الكمبيوتر ونجلس معا، ولكن كل واحد منا فى وادٍ آخر ولأننى الآن حامل فدائما ما أجذب معه بداية الحديث مثلا: «عايز ولد ولا بنت» هنسميه إيه؟ وهكذا وللأسف تكون الإجابة مقتضبة وسريعة إلا فيما يتعلق بالواقع السياسى، هنا يمكن أن يتكلم، ولكن للأسف لسنا متفقين فى رؤيتنا مما يقلب الموضوع «غم» وتعودت على ذلك، فأبى وأمى أيضا أرى السكوت هو المسيطر على حياتهما ماعدا بعض الأمور التى تخصنا أنا وإخوتى أو السياسة فقط ومن الواضح أنها سمة المتزوجين.
تشترك معها فى الرأى ريتا محمود خبيرة تجميل متزوجة من سبعة أعوام تقول: زوجى لا يفتح فمه إلا للكلام عن الكورة أو السياسة، وفى الحالتين ينقلب الموضوع لخناقة، فالكورة تشعرنى بالملل ولا أتجاوب معه، أما فى السياسة فنحن خلف خلاف ولكلٍ منا آراؤه التى يحاول أن يفرضها علىّ فأصبحت قليلة الكلام معه.
كل الكلام اتقال
على الجانب الآخر فالزوج له مبرراته.. على محمود مدرس يقول: دائما ما تشتكى الزوجات من سكوتنا ولا يقدرن أننا طول اليوم فى الشارع والعمل ومرهقون لتأمين حياة كريمة لهن وللأولاد نريد العودة للبيت للراحة ثم ألا يكفى تعبنا لأجلهن، هل نكتفى بالكلام الحلو! ثم كل الكلام الحلو اتقال.
نقول إيه تانى التصرفات أهم.
غير كل هذا فحال البلد وغلو المعيشة تفرض علينا موضوعات معينة «ما بتعجبش الستات» خلاص خلونا ساكتين.
آراء وخبراء
ترى الدكتورة فاطمة الشناوى خبيرة العلاقات الزوجية والأسرية والطب النفسى أن الخرس الزوجى هو انقطاع الحوار بين الزوجين وقد يكون بعد مرور عدة سنوات على الزواج لعدة أسباب منها لطول الفترة أو لأنه ليس هناك حياة لكل شريك ثقافية واجتماعية فتنضب الأحاديث، فإذا أحبت المرأة نفسها واهتمت ولو بقراءة مجلة فستجد ما تتحدث به، وقد ترفض الزوجة الحديث مع الزوج إذا كان يسخر أو يتفه من أحاديثها فيشعرها بالإهانة والدونية.
أو قد يكون الخرس بسبب عدم استطاعة أحد منهم حل المشاكل بشكل جذرى، والاختلاف فى التنشئة والقناعات، وهو دليل على سوء الاختيار من البداية بمعنى أنه يجب أن يختار كل طرف من يكمله، ويشبهه إلى حد ما اجتماعيا حتى لا تسير الحياة بما أسميه القصور الذاتى وهو أشبه بسيارة على منحدر لا يبذل أى جهد لتحريكها وتترك لتتحرك بالقصور الذاتى فتمشى الحياة رتبة ويختفى الحوار لأن القناعات مختلفة، وغالبا الرجل يريد فرض رأيه فيفسد الحوار ويختار الشريكان التوقف عن أى حوار مما يزيد الهوة والفجوة بينهما.
ويكون الصمت أفضل طريقة لتجنب الشجار، ولكن للأسف يأتى بنتائج عكسية وأحياناً يكون خيار الصمت من طرف واحد أو بقرار ثنائى من الزوجين، كذلك فإن الضغوط الاجتماعية والأسباب الاقتصادية وحرص الزوج على توفير كل طلبات بيته، بالإضافة إلى تنشئة الرجل فى مجتمعنا الشرقى تنشئة مدللة فيشعر أنه دائما من واجب المرأة تدليله، مع أنها قد تكون متعبة وتكافح أكثر منه خارج البيت، داخله وإلزامها بمعاملته كطفل كبير سبب رئيسى فى الوصول إلى المحطة الأخيرة، وهى مرحلة الخرس الزوجى تلك المرحلة تبدأ بالبرود العاطفى والصمت، ولاحتواء هذا الخرس تضيف الدكتورة فاطمة الشناوى:
عدم تأجيل حل المشكلات فقد أثبتت التجارب أن تأجيل الأمور ترك الأمور لا يحل المشكلة، بل يؤدى إلى ظهور مشاكل الأخرى، كما أنه يزيد الفجوة العاطفية بين الزوجين وفى النهاية يجد الزوجان نفسيهما أمام تراكمات لا حل لها، لذا فالعلاج لا يقع على الزوج أو الزوجة بمفردها، فالقضية مشتركة بين الاثنين، وينبغى أن يكون هناك حديث مشترك والأساس، كما أؤكد دائما فى الاختيار المتكافئ من أول الأمر هو الحل لهذه المشكلة. تحليل اجتماع
أما من وجهة نظر التحليل الاجتماعى فيرى الدكتور سعيد صادق أستاذ الاجتماع بالجامعة الأمريكية أن هذه الظاهرة وراءها عوامل فيقول:
فى أعقاب الثورات والاضطرابات السياسية الكبرى يضعف الأمن والاقتصاد وينتشر القلق النفسى والاجتماعى حول مستقبل البلاد، ويفقد العديد مصادر دخلهم المتنوعة وترتفع الأسعار، وهذا يزيد من الضغوط النفسية على الأزواج فى تحقيق الحد الأدنى أو المحافظة على نفس مستوى المعيشة، وهذا القلق من تدهور حالة المعيشة والعمل المرهق للوصول لهذا الهدف يزيد من رد فعل الزوجين على أقل مشكلة ويصرخ الزوج: هو أنا حجيب منين، ونفس الشىء من الزوجة التى تصرخ: البيت محتاج هذا وذاك.
العمل الإضافى يرهق الزوجين ويجعل من الحتمى السهر وعدم أخذ قسط مناسب للراحة فيكون الشخص أكثر عرضة وميلا للشجار (الخناق) أو لأنه عنده شغل يتجنب المجاهرة برأيه فيسكت ولا يعلق (الخرس الزوجى).
وكل هذا مرتبط بالأوضاع الاقتصادية وعدم الاستقرار الاجتماعى والنفسى والأمنى وستقل تلك الخلافات الزوجية كلما استقرت الأوضاع فى مصر.
وحول التأثير الاجتماعى على الأطفال يضيف الدكتور سعيد: له تأثير قوى على الأطفال ويجعلهم يشعرون بعدم الأمان عندما يرون الأهل الذين يصرفون عليهم وقدوتهم فى حالة شجار، كما أن انتشار الشجار الزوجى يؤثر على الآخرين وقد ينشر تقليد الشجار فى مواقف مشابهة ويبرره، والحل كما يقول الدكتور سعيد صادق: الصمت أفضل أحيانا من الشجار والعكس صحيح لأن الشجار يخرج المشكلة، بينما الصمت يؤجلها فيكون انفجارها علنا أعنف، من الأفضل أن يسعى الزوجان لمناقشة هادئة أو حتى مكتوبة لما يقلقهما وكل طرف يقدم اقتراحا للحل ومناقشته، وهذا يؤدى للتنفيس وخلق علاقة أكثر شفافية وصراحة وتفهما وسعادة للطرفين.