أمام الأزمات الأقتصادية المتلاحقة التى تعانى منها الموازنة العامة للدولة ودعوات ترشيد الاستهلاك طفت على السطح أزمة الضرائب العقارية من جديد فى إحياء لمشروع بطرس غالى وزير المالية الأسبق من أجل تنفيذه على أرض الواقع ليزيد من حالة السخط لدى الكثير من المستثمرين فى مختلف القطاعات، خاصة أن الاقتصاد المصرى يعيش حالة من الركود ولا يمكن أن تفرض ضرائب جديدة تزيد من الأزمة. وأمام رفض أطراف كثيرة لهذا القانون تزايدت حدة الانتقادات داخل مصلحة الضرائب العقارية بشأن سياسة الأيدى المرتعشة التى يتم التعامل بها مع القانون، حتى ذكر مصدر مسئول سابق وأحد المعاونين لوزير المالية الحالى ل«صباح الخير»، أن مصلحة الضرائب لديها القانون الحالى وتعجز عن تطبيقه، فنحن الآن فى شهر مايو وعندما يحدث تقدير للضريبة والانتظار شهرين للطعن عليه فسندخل فى سنة مالية جديدة مما يزيد من حالة الارتباك داخل المأموريات الضريبية، وإذا كان هناك تعديلات على القانون فلا مانع من استخدام القانون الحالى وإجراء خصم إذا كان التعديل فى صف دافع الضريبة فى العام المقبل ولكن الاستمرار فى سياسة الانتظار دون أى جديد سيزيد من الأزمة.
∎ ضرائب ضرورية
أكد مصباح قطب المتحدث الإعلامى باسم وزير المالية، أن عدم تطبيق قانون الضرائب العقارية منذ صدور القانون عام 2008 أضاع 35 مليار جنيه كان يمكن أن نطور بها العشوائيات وضخ أموال للمحليات، خاصة أنه من المنتظر أن تجمع المأموريات الضريبية ما يقرب من ثلاثة مليارات جنيه فى السنة المالية الحالية والتى بدأت من أول يوليو 2013 وحتى 30 يونيو العام الحالى ومن المستهدف أن تصل الضريبة إلى خمسة مليارات جنيه العام المقبل خاصة أنه سيتم ضخ 25٪ من حصيلة الضريبة لتطوير العشوائيات ومثلها للمحليات، وهو رقم كبير يمكن أن يساعد فى تحسين المنشآت تدريجيا خاصة أن الضرائب العقارية قانون متعارف عليه فى أوروبا.
وأوضح قطب أن لجنة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة أجازت القانون، ويتبقى إصداره بالشكل الجديد من مجلس الوزراء من أجل الإسراع فى تطبيقه لتقليص الضغط الذى تعانى منه الموازنة العامة فى الوقت الذى تتجه فيه الدولة إلى فرض ضريبة على أصحاب الدخول الذين يزيد دخلهم على مليون جنيه سنويا بنسبة 5 ٪ على حجم الدخل.
وأشار قطب إلى أن فرض ضريبة على الدخل كان مقترحا تم تقديمه فى عهد حكومة الدكتور حازم الببلاوى ولم يكن المجال متسعا للأخذ بالفكرة وقتها ولكن الوضع الاقتصادى الحالى أصبح لا يحتمل الانتظار.
وأكمل قطب حديثه بأن الحكومة تدرك حجم المعاناة التى يشعر بها أصحاب المشروعات السياحية وهناك أكثر من طريقة لتسهيل الحصول على الضريبة ولكن عندما تنتعش السياحة يجب أن يدرك أصحاب المشروعات أن هناك ضريبة يجب دفعها وبالتالى يجرون بعض التعديلات على أسعار الغرف أو الخدمات السياحية التى يقومون بها.
∎ غموض
طالب محمد حنفى مدير غرفة الصناعات المعدنية، الحكومة بالكشف عن الجوانب الغامضة فى القانون خاصة أن المناقشات الكثيرة لم تسفر عن وضوح الرؤية بشأن الضريبة العقارية الجديدة، فعلى سبيل المثال موقف الشركات المتوقفة عن العمل فكيف سيمكن محاسبتها وفقا لقانون الضرائب العقارية لاسيما أن أغلب أسباب التوقف نتيجة تعثر الشركة عن الوفاء بالتزاماتها.
وأشار حنفى إلى أن الفترة القادمة ستشهد زيادة فى أسعار الكهرباء والوقود والمياه وأغلب الخدمات التى تقدمها الدولة فضلا عن مطالب العمال بالحد الأدنى للأجور وكل هذه العوامل تنذر الشركات العاملة فى مصر بخطر الإفلاس أو التوقف عن العمل على أقل تقدير وهو ما يجب أن تضعه الدولة فى اعتبارها إذا ما طبقت الضريبة العقارية.
وأوضح حنفى أنه على سبيل المثال إذا ما حصل رجل أعمال على أرض فضاء بمساحات كبيرة للتنقيب عن الذهب أو المعادن فكيف سيمكن محاسبته ضريبيا إذا كانت المساحة ملايين الأفدنة مثلا.. فيجب أن يتم توفير المعايير الواضحة بغض النظر عن الكلام الذى تناقلته وزارة المالية أن الضريبة لن تكون كبيرة بالشكل المبالغ فيه وإنما ستكون فى متناول أصحاب الشركات والمصانع.
وأكد حنفى على ضرورة البدء فى إعمال قانون الضرائب العقارية بداية من السنة المالية الجديدة وليس العام المالى الحالى حتى يحصل المستثمرون على فرصة لتوفيق أوضاعهم على الأقل قبل فرض الضريبة عليهم.
وطالب محمد المصرى رئيس اتحاد الغرف التجارية السابق، بضرورة وجود معايير واضحة يمكن الطعن عليها فى حال تم وضع ضريبة جزافية على أصحاب المصانع والشركات خاصة أن الوقت الحالى يعانى الاقتصاد المصرى من الركود نتيجة المخاوف الأمنية والسياسية وبالتالى يجب مراعاة ذلك أو على الأقل تقدير الضريبة ثم تقسيطها أو تخفيضها وفقا لما يسمح به القانون لأن هناك الكثير من حالات التعثر التى تواجه الاقتصاد المصرى.
∎ تلاعب
وأكد الدكتور محمد صفوت قابل أستاذ الاقتصاد، أن قانون الضرائب العقارية منح إعفاء المواطنين من الضريبة لمن يملكون وحدة سكنية تصل قيمتها السوقية نحو مليونى جنيه إذا كانت مملوكة له أو قيمتها الإيجارية 24 ألف جنيه سنويا، وإذا ما كانت الضريبة المستحقة على المواطنين كبيرة فإننا سنشهد فتح الطريق أمام التلاعبات ونقل الملكية خاصة أن مصلحة الضرائب ستقوم بتقييم الضريبة الموقعة على مالك العقار كل خمس سنوات. وأوضح قابل أن اتجاه الدولة نحو تحسين العشوائيات هادف للغاية حتى لا نرى الفوارق الكبيرة بين الطبقات بهذا الشكل الرهيب واستخواذ أعداد قليلة على أغلب ثروات المجتمع، ولكن لا يمكن أن يكون ذلك على حساب غلق مشروعات أو زيادة الأعباء على عتاق مشروعات أو شركات تعانى من ضوائق مالية.
∎ هروب الاستثمارات
شدد رجل الأعمال محمد فرج عامر، على أن اعتماد الدولة لسياسة فرض الضرائب بشراهة وزيادة أسعار الطاقة والخدمات التى تقدمها سيساهم فى عزوف الاستثمارات الأجنبية عن الدخول إلى مصر بسبب زيادة التكلفة خاصة أن أصحاب المصانع والشركات يعانون بقوة من زيادة الأعباء عليهم ثم تجددت المعاناة بالمضى قدما فى تطبيق قانون الضريبة العقارية على أرض الواقع.
وأشار عامر، إلى أن فرنسا على سبيل المثال عندما فكرت فى فرض ضرائب جديدة على رجال الأعمال انتقلوا سريعا إلى روسيا من أجل ضخ استثماراتهم هناك وخسرت الدولة الفرنسية المعركة بسبب سياسة فرض الضرائب العشوائية والتى لا تقوم على دراسة طبيعة المناخ الاقتصادى، ونفس الأمر فى مصر فعندما تفرض الضرائب بشكل كبير فإن الاستثمارات ستنخفض تدريجيا نظرا لزيادة التكلفة.
وطالب عامر الدولة بضرورة النظر إلى الشباب والاستفادة من طاقتهم بدعم من أصحاب الخبرة وعدم اللجوء دوما إلى الأكاديميين الذين يقومون بالتدريس فى الجامعات والذين لم يصادفوا الكثير من المشاكل التى تعانى منها سوق العمل فى مصر، فعادة ما يخرج أحد الأكادميين، ويؤكد أن مصر غنية بالموارد ويمكن حل الأزمات التى تعيشها مصر فى أقل من نصف ساعة ثم لا نرى أى جديد يحدث ونكتشف أن كل ما قاله من قبيل الظهور الإعلامى فقط وأن المشكلات الاقتصادية المصرية عميقة ولا يمكن حلها بين يوم وليلة.
وشدد عامر، على أن التأثر بالفكر الاشتراكى فى الوقت الحالى سيدخل البلاد فى نفق مظلم، فلا يمكن الاعتماد على فرض الضرائب على الشركات والمصانع دون أن نقوم بتشجيع رجال الأعمال على إتاحة فرص عمل للشباب للقضاء على البطالة فى الوقت الذى تعانى فيه الدولة من شركات قطاع الأعمال التى أثقلت كاهلها بمطالبها المالية المتتالية والتى عادة ما تأكل الكثير من ميزانية الدولة، لأن أغلبها شركات خاسرة تبحث الحكومة لها عن مشترٍ دون جدوى، ومع ذلك تعيد تكرار سيناريو الضرائب على المصانع العاملة كى تلحق بشركات قطاع الأعمال وتحقق خسائر كبيرة، ومع ذلك فإن الضرائب حتى وإن زادت فلن تحل الأزمة الكبيرة التى تعانى منها مصر، والحل الرئيسى فى التشجيع على العمل والإنتاج وليس فرض رسوم جديدة.