ما بين انفلات أخلاقى وحرية إعلامية يعيش المجتمع حالة من الازدواجية وأصبحت الأسرة المصرية تدور فى طرقات دور العرض السينمائى بحثا عن فيلم يحترم الذوق العام كما يحترم عقلية المشاهد.. وتتنقل بين القنوات سعيا وراء برنامج ذى مضمون خال من الألفاظ المعيبة لهذه الدرجة قرر المشاهد أن ينأى بنفسه عن كل ما هو خادش للحياء بعدما أصبح يشاهد التراشق اللفظى «عينى عينك» على الهواء مباشرة أو حتى للحد الذى وصلت فيه الجرأة منتهاها عندما تطاول أحد المشاهدين وتجرأ بمغازلة إحدى المذيعات الشهيرات وتحرش بها لفظيا عندما قال لها: «عايز .... معاكى»!!!... ولكن هذه الجملة ليست بقدر الألفاظ البذيئة التى نسمعها مساء كل يوم جمعة فى أحد البرامج الساخرة الشهيرة.
ويضاف أيضا إلى جملة انتهاكات الضوابط الإعلامية قيام رئيس إحدى القنوات الفضائية الشهيرة بالتشاجر مع المذيعة التى تعمل بالقناة على الهواء مباشرة وطلب منها ألا تستمر فى الحديث مع المصدر الذى تستضيفه، وعندما وصل إلى سقف غضبه طلب منها أن تنهى الحلقة فورا.
كما نتذكر الثورة على فيلم الخيط الرفيع لسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة عندما قالت لمحمود يس «يا ابن....» إلى مجموعة أفلام السبكى وغيرها التى أصبحت الألفاظ الخارجة بها السمة المميزة لها دون أن يعطينا مبررا لوجود مثل هذه اللغة الرديئة والبذيئة إلا تحت عنوان أحمر «للكبار فقط».
∎ الضيف المنفلت
«من الواضح أنه خلال الفترة الأخيرة أن لغة الإعلام تتسم بالعديد من الظواهر المعيبة»، هكذا قال الدكتور صفوت العالم رئيس لجنة رصد وتقييم الأداء الإعلامى والأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة ويضيف قائلا: «أول هذه الظواهر يتجلى فى بعض مقدمى البرامج الذين يطلقون لأنفسهم العنان بقيامهم بتصفية الحسابات مع من يخالفهم فى الرأى أو يكون موضعا للأحداث خاصة ممن يتحدثون فى بعض القنوات لفترات زمنية مفتوحة وغير مقننة وبالتالى لا يمكن لأى شخص يتصادف أن يكون معه أموال ويتيح لنفسه فرصة وجود منبر إعلامى أو قناة فضائية ويتحدث بألفاظ وبطريقة غير لائقة أو معيبة داخل هذه القناة؛ ثانى هذه الظواهر هو النموذج الذى نجده فى «الضيف المنفلت» الذى يستغل وجوده فى عدد من البرامج وقد يحرص على هذا التواجد بطرق مختلفة إما عبر لقاءات مباشرة كضيف أو عبر المداخلات التليفونية وأنا أطلق عليه نموذج «الضيف المنفلت» الذى يصفى حساباته ولا يعطى الفرصة لمن يتهمهم بالدفاع عن أنفسهم.. هناك نماذج أخرى قد نراها من بعض رسائل المراسلين عندما يتم نقل بعض المظاهرات أو ردود الأفعال أو الشتائم التى تمس بعض السياسيين أو بعض الإعلاميين إما مباشرة أو عبر اللافتات أو الهتافات التى يتم تداولها أثناء الرسائل التى يتم بثها والتى ينتج عنها مبالغات فى استخدام الألفاظ وأنا أتعجب فى الفترة الأخيرة من المبالغات التى تصدر من الضيوف مثل المحامين الذين عندما يتم تداول قضايا قانونية تمس موكليه أو بعض الذين «يتعلقون به» فيتم تناولهم بألفاظ غير لائقة.
ويستطرد: «ضحية تلك المبالغات تكون الشخص الذى يتم تداوله فمثلا أثناء دورات عمل لجان تقييم الأداء بعض القنوات تناولتنى بطريقة غير لائقة.. أى سياسى أو أى قائد ابتداء من أكبر رجل فى الدولة نزولا إلى أصغر فرد فيها يكون ضحية لهذه الممارسات».
وأنا فى هذا الصدد أقول إن هناك نوعاً من السب المعيب الذى ليس بالضرورة أن يكون كلاماً غير مهذب أو ألفاظاً غير لائقة ولكن عندما يتم التشكيك فى وطنية أحد الأشخاص أو السخرية من شخص بطريقة تقلل من شأنه أو عندما يتم نسب واقعة لأحد بأنه مثلا شاذ جنسيا فهذا فى العرف الشعبى يقال عنهم ألفاظ معينة، فهذا يتسبب مثلا فى الحط من شأنهم أمام المجتمع وهو أخطر من شتمه.. وقد يستخدم المتحدث ألفاظاً معيبة وغير لائقة بصورة عفوية نتيجة للحماس.. وأود أن أشير إلى أنه أثناء الانتخابات الماضية كرئيس لجنة رصد وتقييم الأداء الإعلامى رصدت وقلت -بنص التقرير- أن هناك أحد المذيعين قام باستخدام 65 نصاً معيباً وخارجاً فضلا عن تكراره بوصف السياسيين وكل معارضيه داخل حلقة واحدة من البرنامج وطالبت باتخاذ الإجراءات تجاه هذا المذيع ولم ينتبه أحد وأنا أطالب بتفعيل لجان الرصد والتقييم الإعلامى.
وفى النهاية أطالب الإعلاميين باستخدام اللغة اللائقة حتى لا يوصف الإعلام بهذا الوصف، وأن يستخدموا الألفاظ المناسبة للحدث لا تتسم بالمبالغة أو توجيع الاتهام أو إسناد ألفاظ أو وقائع غير دقيقة للأشخاص.
وتعقب كاتبة السيناريو مريم نعوم قائلة: «أتصور أن الدراما والسينما مرآة للمجتمع وأعتقد أن المجتمع يتحدث عن نفسه ولا نحتاج أن قول.. فكرة أن كلاً من الدراما والسينما تجعل لغة الحوار فى المجتمع سوقية أكثر كما يقال هذا ليس حقيقياً بل بالعكس فالأعمال الدرامية تأخذ من واقع المجتمع وقد يكون نقل الواقع أو فكرة «المرآة» مهمة حتى يرى الناس أنفسهم وتدرك إلى أى مرحلة يصلون.. ومن ثم يعيدون تقييم أنفسهم للوصول إلى مرحلة الرضا عن النفس.
وبمقارنة زمن السيدة فاتن حمامة وكانت قد وجهت لها انتقادات عديدة لسبها البطل الذى لعب دوره الفنان «محمود ياسين» بلفظ «ابن الكلب» فى فيلم الخيط الرفيع سنجد أن مجتمعنا الآن أصبح أكثر سوقية عن ذلك الزمن الجميل وهذه هى الحقيقة المرة.. وأود أن أقول أيضا أننا يجب أن نتعامل بفكرة الشرائح العمرية: فليس كل الأعمال تصلح لكل الفئات العمرية وأرى أن طوال عمرنا هناك تهاون فى التعامل مع هذا الأمر، وآن الأوان أن يبدأ صناع الدراما فى تقييم الأعمال: فأنا أرى أن الأعمال التى تقدم العنف تعد من الأعمال الدرامية الخطيرة على المجتمع خاصة أن الأطفال يتأثرون سريعا بها.. فالفيلم الذى قد يحتوى على مشاهد عنيفة أخطر بكثير من ذلك الذى يتضمن بعض الألفاظ السوقية الخارجة.. أنا أرى أنه حتى تختفى هذه النبرة «السوقية» من الأفلام لابد أولا أن تختفى من المجتمع.
وعن الأفلام التى يلعب بطولتها أطفال تقول السيناريست مريم ناعوم: «هذه النوعية من الأفلام بها «فخ» فليس بالضرورة أن تكون الأفلام التى يلعب بطولتها أطفال أن يكون جمهورها أطفال؟! فعلى كتاب السيناريو أن ينتبهوا إلى أنهم إذا أرادوا أن يقدموا عملا دراميا للأطفال فعليهم أن يكتبوا مضمونا يصلح للأطفال... أتصور أن أفلام الأطفال يجب أن تكون موجهة لهم ففكرة أن نرضى الكبار والصغار: «أن نأتى بأطفال فى أدوار محورية حتى يجذبوا جمهورهم من الأطفال ونجعلهم يقولون كلاماً مثل الكبار ليجتذبوا هذه الفئة فهذا أمر غير سليم.. مع العلم أننى ضد الرقابة ولكن دفاعى عن أفلام الأطفال من منطق تربوى وليس من منطق رقابى فأنا فى النهاية لدى طفل وأركز جيدا فى نوعية الأفلام التى يشاهدها!!
وعن الأفلام التى تنطوى على مشاهد فجة وألفاظ نابية؛ تتحدث نعوم قائلة: «هذه النوعية من الأفلام تجتذب شريحة كبيرة جدا من الجمهور ولكن فى المقابل يوجد أفلام أخرى مثل أفلام «الحركة والأكشن» تجتذب شريحة كبيرة جدا من الجمهور ولكن مع الأسف لم تعد هذه الأفلام موجودة على الساحة الفنية.. ولأنه لم يعد يوجد نوعية أفلام الحركة فإن معظم الإيرادات تذهب لنوعية الأفلام التى تنطوى على مشاهد فجة وهذا ليس عيبا على منتجى هذه الأفلام وإنما عيب على منتجى نوعية أفلام الحركة أو ذات مضمون ثقيل أنهم لم يعودوا يدخلون سباق الأفلام.. كذلك نجوم الشباك اختفوا أيضا من الساحة.. فالفكرة لم تعد إفساد الذوق العام بقدر أن الناس لم يعد لديها فرصة كبيرة من الاختيار.. ف«التورتة» كانت توزع فيما مضى على جميع أنواع الأفلام ولكن الآن أصبحت مقصورة على نوعية واحدة من الأفلام.
وفى النهاية أنا أرى أن الناس عندما تجد فيلما جيدا تنزل لمشاهدته وآخر مثال هو فيلم «لا مؤاخذة» الذى حقق إيرادات جيدة جدا مقارنة بظروف إنتاجه والظروف التى صنع فيها.. ففكرة أن «الجمهور عايز كده» ما هى إلا مجرد استسهال فى رأيى.