خيوط متشابكة لصناعة عريقة .. وضع يعيشه قطاع الغزل والنسيج فى مصر خاصة الشركات الحكومية التابعة لقطاع الأعمال والتى تضم عشرات الآلاف من العمال فضلا عن تردى هذه الصناعة التى أصبحت عبئا على الدولة بدلا من أن تكون أحد أهم مصادر الدخل فى هذا التوقيت الذى تعيشه مصر. أكثر من 30 شركة تابعة للحكومة تعمل فى قطاع الغزل والنسيج داخل مصر وللأسف ما تنتجه لا يوفر أجور العمال نظرا لعوامل كثيرة منها سوء التوزيع وعدم توفير المواد الخام ومشاكل العمال بسبب ضعف الأجور وهو ما فتح الطريق أمام زيادة حجم المديونيات التى على الشركات لدى كثير من الجهات حتى تفاقمت المشكلة. ∎ أرقام مذهلة
وكشف محمد سند رئيس اللجنة النقابية بشركة غزل المحلة عن الكثير من المعلومات الهامة التى تتعلق بهذا القطاع، معتبرا أن الحالة المتردية لصناعة الغزل والنسيج تسببت فيها رغبات الحكومات السابقة فى تدمير هذه الصناعة على وجه الخصوص حتى تم إهداء أعرق الشركات إلى قطاع الخصخصة بدلا من تطويرها وعلى على تحفيز العمال للإنتاج.
وتطرق سند إلى وضع شركة غزل المحلة أكبر شركات الغزل والنسيج فى قطاع الأعمال، مشيرا أن الشركة بها أكثر من 40 مصنعا وبها أكثر من 20 ألف عامل ومع ذلك تدفع ثمن الكثير من الأخطاء التى وقعت فيها الحكومات السابقة فلا أحد يتخيل أن يكون حجم المخزون من البضائع المصنعة تصل قيمته إلى 500 مليون جنيه والغريب أن بعض البضائع المخزنة يصل عمر تخزينها إلى 20 عاما وعندما فكر مجلس إدارة الشركة فى التصرف فى المخزون القديم تم عزله فى 2007 نتيجة بيعه لبعض المخزون بأقل من قيمته الدفترية لأنه وقتها كان سعره فى السوق أقل بكثير مما هو مذكور فى دفاتر الشركة، ومنذ ذلك التوقيت يتم إدارة الشركة عن طريق المفوض العام والذى يجدد له كل ثلاثة أشهر، وأصبح الحل لهذه المشكلة يحتاج إلى قرار سيادى كى نتخلص من الأعباء المالية الملقاة على عاتقنا وعدم تعرض المسئولين داخل الشركة للمسئولية القانونية.. وأضاف سند إن قطاع الغزل والنسيج لا يعلم إلى أى وزارة ينتمى فقد كان سابقا يتبع وزارة الاستثمار وعندما تم ضمها عقب تكليف المهندس إبراهيم محلب بتشكيل الحكومة الجديدة، أصبح الموقف غامضا وعندما زارنا رئيس الوزراء قال إن الشركة ستتبع مفوضية للغزل والنسيج ونحن ننتظر الشكل النهائى الذى ستصبح عليه الشركة.
وبرر سند الإضرابات التى كانت تقوم بها الشركة بانها تعبر عن الوضع المتردى الذى يعيشه العامل فقد كانت كل مطالبه مشروعة فعلى سبيل المثال فإن المستشفى الذى يعالج العامل بحاجة إلى تطوير حيث لديه قدرة استيعابية تصل إلى 220 سريرا فكيف سيتسع لعلاج 20 ألف عامل وأسرهم علاوة على عدم رغبة الأطباء فى الانضمام إلى المستشفى بسبب الأجر الضعيف المتوقع أن يحصل عليه الطبيب من قطاع الأعمال التابع له المستشفى.
وكان من أهم مطالب العمال هو توفير القطن اللازم للصناعة فالمصانع بحاجة إلى 2000 قنطار قطن يوميا للعمل بكامل طاقتها أى 60 ألف قنطار شهريا، وعندما زارنا المهندس إبراهيم محلب أمر بصرف تسعة آلاف قنطار أى ما يكفينا أربعة أيام فقط وبالتالى فإن المشاكل ستعود من جديد إذا لم يتوفر القطن اللازم لتشغيل المصانع.. وأوضح سند إن غزل المحلة هى مدينة صناعة متكاملة للغزل والنسيج فلدينا مصانع للأزرار والثلج لتثبيت اللون ولدينا محطة لتحلية المياه ولدينا محطة بالكامل تستطيع توليد الكهرباء وإنارة مصر بالكامل ويمكنتا توليد الكهرباء وبيعها بأسعار مخفضة ولكن نحتاج إلى من ينظر إلينا.
واختتم سند حديثه بأن قطاع الغزل والنسيج فى مصر يحتاج إلى خمسة مليارات جنيه لإعادة هيكلته بالكامل فهناك شركات عريقة فى مجال صناعة الغزل والنسيج غير غزل المحلة بحاجة إلى نظرة ومنها كفر الدوار للغزل والنسيج وحلوان للغزل والنسيج ووبريات سمنود والمنصورة وميت غمر وشبين الكوم وشركة العربية وبوليفارا والمحمودية وغيرها من الشركات العريقة فى مجال الغزل والنسيج والتى بامكانها أن تنهض بالاقتصاد المصرى شرط إعادة هيكلتها لأن العامل المصرى مدرب جيدا، ولا أحد يتخيل أن هناك ماكينات لدينا فى المصنع منذ الستينات ولا تزال تعمل بكفاءة عالية ونحتفظ بها وهى فى الخدمة الآن.
∎ تطوير مفقود
اعتبر الدكتور سعيد عبدالخالق أستاذ الاقتصاد ووكيل أول وزارة التجارة السابق أن أهم أسباب أزمة صناعة الغزل والنسيج فى مصر خاصة فى القطاع الحكومى هى افتقاده للتطوير فلم يواكب تطور الأذواق فى السنوات الأخيرة وهو ما سمح للشركات الخاصة بالدخول بقوة فى الفترة الأخيرة لأن الشركات الحكومية غير قادرة على المنافسة.
وفسّر عبد الخالق تباطؤ التطوير داخل الشركات لرغبة الحكومة سابقا فى التخلص من أعبائها عن طريق خصخصتها، ووضع جدول زمنى لذلك، ولكن مع فشل ذلك أصبحت الشركات عبئا جديدا على الحكومة وعندما تم التفكير دخول السوق من جديد وجدوا منافسة شرسة من الشركات الخاصة التى وجدت الطريق مفتوحا للتحرك بحرية والتعاقد مع شركات أوروبية فى التصميم والتوريد والصناعة لتصبح المنافسة منعدمة.
وأرجع عبدالخالق حالة التباطؤ فى التطوير أيضا إلى أن الدولة كانت تفكر فى وضع الشركات الحكومية للغزل والنسيج بطريقة الصانع الواحد وقت أن كان النظام الاشتراكى والسائد ومع اتباع سياسات التحرر الاقتصادى ظلت الشركات كما هى بنفس الآلات والمعدات والتفكير فتراكمت عليها الديون وأصبحت غير قادرة على توفير احتياجات العاملين فقط. واقترح عبدالخالق ضرورة إلغاء الديون على هذه الشركات من خلال إدخال الأطراف الدائنة فى هذه الشركات كمساهمين فيها وضخ أموال لإعادة هيكلتها من جديد لتواكب الموضة العالمية المنتشرة فى أوروبا وتحقيق أرباح، وقبل ذلك إحياء هذه الصناعة العريقة فى مصر والتى كانت الركيزة الأساسية فى التصدير فى السابق.
∎ مشاكل عميقة
أكد الدكتور محمد صفوت قابل عميد كلية التجارة السابق بجامعة المنوفية أن مشاكل قطاع الغزل والنسيج تدفع ثمنها الدولة حاليا بداية من وقائق الواسطة والمحسوبية التى أسفرت عن تعيين عدد كبير من العمال دون الحاجة إليهم فى الوقت الذى تعيش فيه العملية الإنتاجية داخل شركات الغزل والنسيج وضع صعب.. وأضاف قابل إن شركات الغزل والنسيج ذات كثافة عمالية كبيرة لأنها تمثل جزءا كبيرا من القطاع الصناعى وبالرغم من محاولات الخصخصة الفاشلة فإن تداعيات هذه المحاولات عاشتها شركات قطاع الأعمال بالكامل نتيجة رفع الحكومة يدها عن ضخ الأقطان لشركات الغزل والنسيج وفتح الطريق أمام استيراد الأقطان قصيرة التيلة فى الوقت الذى ارتفعت فيه أسعار القطن طويل التيلة والمستخدم فى المصانع الحكومية وهنا حدثت الفجوة.. واستكمل قابل حديثه بأن افتقاد المصانع للتطوير تسبب فى خسائر فادحة لهذه الشركات عن طريق زيادة حكم المخزون والتالف نتيجة قدم الآلات المستخدمة فى الصناعة.
واختتم قابل حديثه بأن استجابة الحكومة لمطالب شركات الغزل والنسيج ترجع إلى ضرورة الوقوف بجوار العمال وليس لأن الشركات تحقق أرباح ويطالب العمال بحقهم فيها ومع اعتماد نظام الحد الأدنى للأجور اضطرت للرضوخ لبعض المطالب ولكن هذه السياسة لن تدوم طويلا مع استمرار الضغط على ميزانية الدولة فى شتى المجالات لأنه فى النهاية ستتجدد الإضرابات العمالية إذا لم تستجب الحكومة لبقية المطالب فى المستقبل وهذا ليس حلا جذريا للأزمة الخاصة بشركات النسيج فى قطاع الأعمال والتى كانت فى السابق رائدة فى هذه الصناعة المهمة لمصر.