من لحم ودم، لا ملائكة ولا شياطين، لسن مثاليات ولا شريرات، تختلط لديهن مشاعر الأمومة الغريزية بمشاعر تتوارثها الأجيال، وتخلقها الظروف والخبرات والتوقعات عن تلك العلاقة الشائكة، مع زوجة الابن، أو زوج الابنة.. المظلومات بسبب آرائنا المسبقة التى رسختها السينما، وحكايات الأهل والأصدقاء، ومتهمات باستغلال تأثيرهن على الأبناء والبنات، وبتفضيلهن زوج البنت على زوجة الابن. عاجلا أم آجلا ستصطدم بحماتك هذه هى النصحية التى طالما قالها لى الأصدقاء قبل الزواج، لكى لا أوثق علاقتى بحماتى، لتبقى علاقة سطحية ومن بعيد لبعيد، وحرصت على تبنى النصيحة فى بداية الزواج، أى قبل 5 سنوات.
يصف محمود- 53 سنة، ومحاسب فى شركة كمبيوتر كبيرة، علاقته بحماته: «لكنى اكتشفت فيما بعد أن حماتى ليست فقط أما، بل إنها ضرورة فى حياتى فى كثير من الأحيان»، هى التى بنت العلاقة بينى وبينها خطوة خطوة بطريقتها المتأنية الحذرة، وكان يمكنها أن تبادلنى نفس الطريقة وتريح نفسها، وتصبح العلاقة بيننا صفرية لا بالسلب ولا بالإيجاب.
ودون أن يكون هناك تواصل يومى بينى وبينها أو حتى أسبوعى، كانت ترسل لنا بعض الأطعمة التى لا تستطيع زوجتى إعدادها وسط انشغالها بالعمل ومتابعة شئون البيت، خاصة تلك التى تعرف أنى أحبها، ودائما ما تقابلنى ببشاشة، وتبدأ الحكى، بل أحيانا تنبهنى بطريقة الأمهات إلى أخطائى، حتى لا تتفاقم إلى مشاكل كبيرة من دون إبداء عداوة أو استخدام كلمات جارحة، فجعلتنى أحرص على ألا أبدى عصبيتى التى أعتبرها أسوأ صفاتى أمامها.
أصبحت أكثر إيمانا بأن علاقتى بها ستصل مع الأيام مثل علاقة الأمهات الحقيقيات، وأننا سنكون أكثر ارتباطا وتواصلا معها.
∎ أول صدمة
بعد فترة خطوبة لم تطل، وجدت نفسى فى بيت أستاذى فى الجامعة، لنعيش معا فى بيت والدته الثرى، وكنت قد تخرجت توا،وليست لدى أى خبرة فى الحياة، وكانت أولى المفاجآت التى لم أتوقعها، عندما عدت ليلة الزفاف لأحضر حقيبتى للسفر، استعدادا لقضاء شهر العسل، فوجدتها قد أعدت لى الحقيبة ووضعت لى فيها أشيائى الخاصة، وصمت من كبر المفاجأة، فاعتبرت هى أن صمتى رضوخا لإرادتها.
تتذكر منى 74 سنة، أستاذة الجامعة الآن، أول خيوط علاقتها مع حماتها رحمها الله، والتى تحرص على أن تحكيها لبناتها ليأخذن منها العبرة.
تكمل منى: وبعد العودة من شهر العسل أردت أن أمارس حياتى كزوجة داخل البيت، أن اساعدها فى إعداد الطعام وترتيب المنزل، لكنها لم تسمح لى، وقالت لى: حدودك غرفة نومك، وكانت ردود أفعالى هادئة، ليس لأنى أقبل مايحدث لى، ولكن خوفا وعدم خبرة فى كيفية التصرف أو الرد فى مثل هذه المواقف.
لاتنسى منى تلك السنة الأولى من الزواج التى لم تتحرك فيها خارج غرفتها إلا فيما ندر، ولم تقابل فيها أى تصرف مزعج إلا بالصمت، حتى اطمأنت الحاجة سميرة حماتها إلى أنها لن تنتزع منها ملكية البيت، أو سلطتها على كل من فيه وعلى زائريه، لتسمح لها بالنهاية بالحركة فى أرجاء المنزل.
«لو كنت وقفت عند كل تصرف مفاجىء من تصرفاتها، لاشتعلت الحرائق فى البيت، ولما استمر زواجى».
وبعد ست سنوات مرضت الحاجة سميرة مرضاً شديداً، وكان على أن أقوم برعايتها، ورعاية ضيوفها وأقاربها، وهو ما فعلته بهدوء، ووقتها امسكت بيدى قائلة: «أنا تعبتك كتير.. سامحين»، وهنا تذكرت بيت الشعر الشهير: مضت العداوة وانقضت أسبابها.. ودعت أواصر بيننا وحلوم.
∎ الحاجة وداد
بعد أيام قليلة من تعرفى عليه، بدأ يتحدث عن أخته الكبرى، الحاجة وداد، لاعتبارها أمه الثانية، وحكى لى أكثر من مرة بكاءه يوم زفافها، وكان طفلا وقتها وكانت والدته لاتزال على قيد الحياة، وكيف تعلق بفستانها الأبيض، باكيا، «ارجعى ماتمشيش مع الراجل ده»، فقد كان يشعر أن زوجها قد اختطفها منه، وظل لسنوات غير متقبل لهذا الزوج. هكذا أدركت نفين05 سنة، مدى تعلق حبيبها بأخته، من الحكاية التى كان يحكيها أكثر من مرة، متعددة، فاقترحت أن تقابلها، وقبل أن تحدد موعدا، وجدت اتصالا من الحاجة وداد. صوت هادىء، رقيق وحنون، ودعوة للزيارة، وتكمل نفين:حملت يومها وردا أحمر معى، وكانت هى بمفردها فى بيتها، واستقبلتنى استقبالا رائعا، جلسنا وتبادلنا أحاديث عامة،حتى سألت السؤال الذى لم أتوقعه: «إنت عايزه إيه من أخويا» كان حبيبى وقتها قد انفصل عن زوجته، ومازالت أمور الأبناء معلقة بينها، ولازال طفلاهما فى مراحل التعليم.. وأجابتها نفين بعفوية ودون تفكير :«عايزة أسعده لأنه يستحق السعادة»، وشعرت الحاجة وداد بصدق نفين، وبادلتها نفين الشعور نفسه، وتم الزواج.
تكمل نفين: الحاجة وداد دائما ما تفاجئنى بهداياها شديدة الخصوصية، التى تحملها الأم لابنتها عادة، وباتصالها الدائم واستفسارها عن أحوال أخيها منى، وتسألنى دائما إن كان مقصرا تجاهى، «لو فيه حاجة نفسك يعملها لك قولى لى وأنا سأقوم بها» وأدرك أن ماتغمرنى به من حب هو انعكاس لحبها لأخيها، حب خال من الإحساس بالملكية أو الأنانية، حب يرعى هذه العلاقة دائما، ويشعرنى أنها الأقرب لى من كل عائلة زوجى، رغم أن فارق السن بيننا ليس كبيرا، ورغم اختلاف الاهتمامات، لكنى أشعر أنها السند الحاضر دائما، وأنه إن ظهرت مشكلة وتصورت أنه لا حل لها عندى أو عند زوجى، أرى أنها الوحيدة التى ألجأ إليها.
وتضيف نفين: أرى أن ما أكمل نجاح علاقتى بالحاجة وداد هو زوجى نفسه، الذى لم يضع هذه العلاقة فى إطار أن الحاجة وداد هى المسيطرة على حياتنا، أو أنها هى التى توجهها.
∎ حلم حماتى
اعتبرت نفسى محظوظا عندما جمعتنى علاقة حب مع فتاة جميلة، تخرجت فى أرقى الكليات، وتعمل فى وظيفة ذات مستوى مادى مرتفع، لكنى اكتشفت أنى لست كذلك بمجرد أن التقيت بحماتى لأن وجودى أصابها بخيبة الأمل، وبتحطم حلمها فى أن يكون زوج ابنتها المتميزة فى كل شىء، شخصا مميزاً أيضا رغم أنى زميل هذه الابنة فى نفس الشركة.
هكذا وضع هلال 04 سنة، مطور برامج الكمبيوتر فى الشركة الشهيرة، يده على نقطة الخلاف التى لم يكن له ذنب فيها بينه وبين حماته، المهندسة عواطف، التى كانت تحلم أن يكون زوج ابنتها مدير بنك أو إعلامى مشهور مثلا، وتعيش معه فى فيلا، وتركب سيارة فارهة يتحدث عنها الناس، لكنها فى النهاية تزوجت زميلها''أنا''.
كانت حماتى قد وهبت حياتها لابنتها ، بعد وفاة زوجها، ونسجت حلمها فى زواج الابنة يوما بيوم من ذلك المشهور، لآتى أنا وأدمر هذا الحلم، وتفهمت مشاعرها تلك وكنت أتقبل منها كل شىء وأعاملها بلطف لأنها أم زوجتى وكانت هى أحيانا ما تبادلنى تلك المعاملة بلطف الامهات أيضا بل بدعاء الامهات لى وبحنوها على، لكن لا تلبث هذه السعادة أن تنقلب فجأة كلما تذكرت حلمها الذى لم أحققه.