يستحق الزميل الغالى رشاد كامل درجة الماجستير الأكاديمية لكتابه الأخير الذى صدر بعنوان (الصرخة : مجلة ضد الاستبداد) وكتاب (الصرخة) كما ذكر رشاد على الغلاف من تراث روزاليوسف.. ويذكر لنا رشاد كامل أن السيدة فاطمة اليوسف أصدرت أكثر من مجلة عقب إغلاق وتعطيل الحكومات المصرية المستبدة لمجلتها روزاليوسف التى صدرت وتحمل اسمها فى 26 أكتوبر عام 1925.
ويضيف على لسان فاطمة اليوسف : كنت أواجه التحدى بإصرار، وكلما عطلت الحكومة مجلة أصدرت أخرى باسم جديد وهكذا.. هم يصادروننا ونحن أيضا نصدر بانتظام.
فمثلا خلال السنتين الثالثة والرابعة من عمر مجلة روزاليوسف أى من شهر أكتوبر 1927 وحتى أكتوبر 1929، كان المفروض أن يصدر من مجلة روزاليوسف 104 أعداد، ولكن صدر خلال تلك المدة وهى سنتان 24 عددا فقط، وصودر62 عددا، وتقول فاطمة اليوسف : «لم يكن الأمر يقتصر على المصادرات فقط بل كانت هناك تحقيقات وقضايا ووقوف فى ساحات المحاكم، ورحلات يومية إلى مبنى النيابة العامة».
وجدير بنا عند هذه النقطة توضيح الأسباب التى كانت تجعل الحكومات المصرية تصادر مجلة روزاليوسف فى ذلك الزمان.
فالسيدة فاطمة اليوسف كما يعرف الجميع لم تكن تجيد القراءة أو الكتابة.. كان الناس يقرأون لها.
أما الكتاب المحيطون بها فهم الذين يكتبون لها أفكارها ويصيغون المعانى التى تريد إيصالها إلى الناس.
وكان من أهم الكتاب الذين صاغوا كتابات السيدة فاطمة اليوسف فى البداية محمد التابعى، وعباس محمود العقاد ثم فى الخمسينيات أحمد بهاء الدين.. ولست أعرف غيرهم كتب لها.
والغريب أنها لم تكلف أبدا ابنها الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس بالكتابة لها أو التعبير عن أفكارها. بل إنها كما روى لى إحسان عبدالقدوس رفضت اشتغاله بالصحافة فى روزاليوسف.
وقالت له : روح اشتغل بره فى حتة تانية، فإذا نجحت هناك أضمك إلى روزاليوسف !
درس بليغ فى التربية من سيدة لا تقرأ ولا تكتب.
والسؤال الذى يطرحه الكتاب الذى بين أيدينا هو كيف استطاعت مجلة تحمل اسم امرأة وكانت تعمل بالتمثيل وفى الربع الأول من القرن العشرين أن تصبح أشهر مجلة سياسية فى العالم العربى.
وربما تقودنا الدراسة التى قدمها زميلى رشاد كامل إلى معرفة المعركة الحقيقية للمجلة فى بداياتها ذلك أن العدد 134 من روزاليوسف أصبح حديث الناس والأوساط الصحفية بعد مصادرته التى كان لها صدى فى صحافة تلك الأيام.
ويخبرنا أستاذنا الكبير محمد التابعى فى مذكراته أن المجلات التى أمر إسماعيل صدقى باشا بإغلاقها وتعطيلها وكلها بدائل لروزاليوسف فيقول :
فى 4 أغسطس 1930 صدر قرار مجلس الوزراء بتعطيل روزاليوسف نهائيا.
وفى 7 أغسطس صدرت (البرق) وبعد شهرين من الصدور عطلها مجلس الوزراء.
وفى 19 سبتمبر 1930 أصدرت فاطمة اليوسف مجلة (مصر الحرة) وبعدها بأسبوع عطل جلس الوزراء مصر الحرة.
وفى 28 سبتمبر 1930 أصدرت روزاليوسف (الربيع) وبعدها بيومين عطلت الوزارة مجلة الربيع.
وبعدها بأسبوع أى فى 4أكتوبر صدرت (صدى الشرق).
وفى نفس اليوم عطلت الوزارة صدى الشرق حتى قبل أن تقرأها.
وفى 15 أكتوبر 1930 أصدرت فاطمة اليوسف جريدة (الصرخة) لصاحبها عبدالرحمن العيسوى وكانت قد اتفقت معه على أنه تستأجرها لقاء مبلغ 12 جنيها شهريا. وصدرت مجلة الصرخة فى حجم جديد غير الحجم المألوف للمجلات.. صدرت فى حجم الجرائد اليومية
وكانت هذه أول مرة تعرف فيها الصحافة المصرية مجلة أسبوعية بهذا الحجم على أنه بعد صدور عددين بهذا الحجم لم يعجب السيدة فاطمة اليوسف وعادت فعلا إلى الحجم الذى كانت تصدر به مجلة روزاليوسف
وحتى يعرف الناس أن مجلة الصرخة هى مجلة روزاليوسف كتبت على غلافها : (روزاليوسف ومحمد التابعى ومحمد على حماد يحررون هذه المجلة).
وقد صدر منها 24 عددا قبل أن تعود روزاليوسف إلى الصدور.
ويروى لنا الزميل رشاد كامل أنه منذ سنوات عثر عبر سور الأزبكية على مجلد يحتوى أعداد مجلة الصرخة التى صدر عددها الأول فى 15 أكتوبر عام 1930.
ولفت انتباه زميلنا رشاد كامل أن نسخ المجلة تبدأ من العدد 12 الذى صدر فى 4 نوفمبر 0391 وتنتهى عند العدد 35 الصادر فى 16 أغسطس 1931 أى أن الأعداد الأحد عشر الأولى من الصرخة غير موجودة وأيضا المجلد يخلو من الأعداد التى تحمل أرقام 23 ، 25 ، 26، 28، 29، 30، 35، 36، 43أى تسعة أعداد أخرى.
وابتداء من العدد 31 تشير المجلة إلى أنه يشترك فى تحريرها روزاليوسف ومحمد التابعى ومحمد حماد.
وفى العدد الذى يليه برواز يشير أن التابعى يشترك فى تحرير الصرخة.
وهكذا أتاح لنا الزميل رشاد كامل وبالطبع مؤسسة روزاليوسف أن نقلب صفحات مجلة لم يسمع عنها أبناء الجيل الحالى، ولا تشير إليها المعاهد الصحفية ولا أقسام الصحافة بكليات الآداب فى جامعات مصر، ولا تخطر على بال أحد من أبناء المهنة فى مصر أو فى العالم العربى.
قدم لنا رشاد كامل مجموعة من أعداد مجلة إلى الصرخة فى كتاب أنيق على أنه من تراث روزاليوسف.
وهذا بالطبع جهد مشكور للزميل العزيز فلا أحد من أبناء روزاليوسف الحاليين أو الذين سبقونا خطرت على باله مجلة الصرخة ورغم أننى واحد من الذين عاصروا السيدة فاطمة اليوسف لثلاث سنوات حتى وفاتها فى العاشر من شهر أبريل عام 1958.
∎ مهنة الصحافة فى خطر
مهنة الصحافة اليوم فى خطر وقبل أن تضيع معالمها ويختلط الحابل بالنابل والإعلان بالرأى وتتصادم المثل والقيم بالسلوكيات وامتيازات أصحاب المناصب علينا أن نراجع أنفسنا .
إننى أناشد نقيب الصحفيين الأستاذ ضياء الدين رشوان أن يبادر بعقد مؤتمر يناقش الصحافة المصرية إلى أين ؟ فبعد أن كانت تمسك بزمام الريادة فى جميع متطلبات صناعة الصحافة، وتطور المهنة بما يواكب التطور السريع الذى يواجه مهنة الصحافة والإعلام، أصبحت تهتم بالمبانى الضخمة والفخمة ولا تهتم بمحتوى الصحيفة أو المجلة ويا عزيزى الأستاذ ضياء رشوان اقترح عليك ألا تنظر فقط إلى المبانى الفخمة والضخمة والمرتفعة للأهرام والأخبار فى شارع الجلاء وللتحرير فى شارع رمسيس وروزاليوسف فى القصر العينى وغيرها.
أن تلقى نظرة على العدد اليومى من جريدة الأهرام الذى كان يصدر فى الخمسينيات، والعدد الذى يصدر اليوم.. ولن أستبق الرأى سأترك لك عقد المقارنة بنفسك لتدرك أن أهرام الخمسينيات الذى كان يصدر من المبنى الذى أصبح جراج سيارات اليوم بعد هدمه وأهرام هذه الأيام الذى يصدر من العمارات الفخمة التى تشق عنان السماء فى شارع الجلاء وقس على ذلك فى جميع الإصدارات، دار الهلال وروزاليوسف والمعارف والأخبار وأخبار اليوم والتحرير والجمهورية إلى آخر إصداراتنا اليوم التى لا تسر العين ولا الخاطر ولا تغذى العقل ولا تثير الخيال أو تهز الفكر، ولا تضيف إلى قارئها أى جديد.
والاقتراح الذى أقدمه أن يعكف أساتذة الإعلام على قراءة هذه الإصدارات ورصد الفائدة التى تعود على قارئها من شرائها.
فمن المعروف أن توزيع الصحف والمجلات فى هبوط مستمر ذلك أن الناس تحصل على الأخبار من الإذاعة والتليفزيون صوتا وصورة كمان، فى حين أن الجرائد والمجلات لا تقوم بخدمة الأخبار والآراء المتداولة فى الإذاعة والتليفزيون ولا حتى رصدها.
پ لهذا أصبح من المهم اليوم رصد الصحيفة لكل ما يجرى من أصوات ثم تحليل ذلك تحليلا علميا حتى يمكن للقارئ أن يجد فى شراء الجريدة أو المجلة ما يضيف إلى معارفه.
وبذلك تستمر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة فى أداء وظيفتها فى المجتمع وهى إعلام المواطن.