وزارة الدولة لشئون الآثار كانت هيئة ضمن الهيئات والقطاعات الخمسة عشر لوزارة الثقافة قبل ثورة 25 يناير 2011، وبعد الثورة انفصلت الآثار عن الثقافة ونتج عن ذلك العديد من المشكلات المعقدة والتى لم يعثر لها على حل مناسب حتى الآن لفض الاشتباك بين وزارة الثقافة ووزارة الآثار فيما يتعلق بحيازة وملكية والإشراف على العديد من الأماكن والكيانات التى كانت يمتزج فيها النشاط الثقافى والأثرى فى ذات الوقت. أيضا كان هناك مبلغ يقدم من الآثار إلى صندوق التنمية الثقاقية سنويا يقدر ب01٪من دخل الآثار للقيام به بالأنشطة الثقافية وبناء المشروعات من متاحف ومكتبات وعمليات تجديد وترميم المبانى الأثرية والثقافية، وهذا المبلغ توقف نتيجة الأزمة المالية التى تعانى منها وزارة الآثار مما جعلها تقترض من وزارة المالية رغم أنها كانت الوزارة الوحيدة التى كان تمويلها ذاتيا نتيجة عائدها من السياحة بل كان لديها حوالى (مليار) جنيه قبل الثورة والآن تمر بأزمة مالية انعكست بظلالها على وزارة الثقافة.
ولكى نقرب المشكلة للقارئ فإن وزارة الثقافة قبل الثورة استخدمت العديد من البيوت والآثار الإسلامية كمراكز ثقافية مثل قصر الأمير ظاز وبيت العينى وبيت السحيمى وبيت الست وسيلة وبيت الهوارى ووكالة الغورى وغيرها من الأماكن فى القاهرة والمحافظات المختلفة، وكان هذا له مميزات عديدة على الثقافة والآثار، فمن جهة الثقافة كان المبنى التاريخى يعطى للنشاط الثقافى عمقا وأصالة وقيمة إضافية، ومن جهة الآثار فإنه يتحول إلى مزار دائم للمواطن العادى المتلقى والمشارك من المصريين والأجانب مما يسوق الأثر ويحافظ عليه نتيجة الإشراف والصيانة الدائمة والآن بعد فصل الثقافة عن الآثار أصبحت هناك إشكاليات عديدة نتيجة تداخل تبعية ومزاولة الأنشطة الثقافية، فكل جهة تعتقد أنها صاحبة الحق فى الاستفادة من المكان مما يهدد بتوقف الأنشطة والمزارات السياحية والخاسر الوحيد هو المواطن الذى يستفيد ويستمتع بهذه الخدمة الثقافية التى يقدمها له عن طريق وزارة الثقافة وخاصة ونحن فى فترة تمر بها البلاد وأكثر ما تحتاجه هى الثورة الثقافية للقضاء على الإرهاب الأسود الذى ضلل عقول بعض الشباب.. ولكى نعرف المزيد عن هذه المشكلة كان لابد أن نتحاور مع المهندس محمد أبوسعدة رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية، خصوصا بعد أن تلقى الصندوق خطابا من وزارة الآثار تطلب فيه إخلاء بيت العينى- وهو أحد البيوت الأثرية التى تقام فيها عدة أنشطة ثقافية - وتسليمه للآثار بناء على طلب اللجنة الدائمة للآثار وبدون ذكر الأسباب، والغريب أن البيت كان يتكون من مسجد ومدرسة المسجد سلم لوزارة الأوقاف والبيت طلب سحبه من وزارة الثقافة! وبسؤال المهندس أبوسعدة: هل بيت العينى هو بداية لسحب بيوت أخرى وبالتالى وقف الأنشطة الثقافية فى هذه الأماكن؟
أجاب قائلا: فوجئنا بخطاب من وزارة الآثار تقول لنا فيه: إنه بناء على قرار اللجنة الدائمة أن يخلى الصندوق هذا المكان (بيت العينى).. ولم يذكر الخطاب أى أسباب لإخلاء المكان!!
وأنا بدورى سأقدم التقارير التى تثبت أن هناك أنشطة قائمة فى هذا البيت وبه كيان مستقل من مدير وإداريين وموظفين وعمال وهناك تعاقدات مع شركات نظافة وأمن وليس من السهولة توقف كل هذا وتسريح العاملين به لأننا مع كل بيت من هذه البيوت التى تحولت لمراكز ثقافية نعمل كيانات مستقلة لإدارة المكان ولاستمرارية نشاطه طبقا للجدول الذى يوضع له على مدى العام، وفى ردى عليهم ذكرت للآثار الأنشطة التى تقام بالبيت ولا أستطيع توقيفها بسهولة وهى ورش فنية رسم وخزف وورش تنمية مهارات إبداعية وابتكارية وتنمية مهارات لذوى الاحتياجات الخاصة ونشاط ثقافى ورشة شعر وورشة نقد أدبى ونشاط موسيقى وكورال وتدريب تحريك عرائس وورشة تدريب مسرحى.
∎ هل كانت هناك قواعد ثابتة للتعاون بينكم وبين وزارة الآثار قبل وبعد الانفصال؟ - قبل الانفصال كنا كيانا واحدا أما بعد الانفصال فعملنا بروتوكول تعاون بيننا وضع دستوراً وقواعد للتعامل مع هذه المبانى المشتركة وتم توقيعه من وزيرى الآثار والثقافة وينص على أن هناك بعض الأماكن تستغلها وزارة الثقافة.. ووضعنا الضوابط التى سنتعامل بها ومسئولية كل منهما، من جانبى أن أحافظ على الأثر لا أغير من ملامحه ولو أقمت نشاطا أكون محافظا على نظافة الأثر ولو أدر دخلا من النشاط نتقاسمه.. واتفقنا على كيفية المحاسبة على مصاريف المياه والكهرباء، أى وضعنا كل الأسس التى تنظم العلاقة بيننا وهذا هو ما نلتزم به حتى الآن ولا أعرف سبب قرار وزارة الآثار المفاجئ وبدون ذكر أسباب!!
سألت المهندس أبوسعدة عن الأزمة الأكبر بعد الانفصال وهى المساعدة المالية من وزارة الآثار لصندوق التنمية الثقافية والتى تريد وزارة الآثار أن توقفها؟!
أجاب سيادته قائلا: منذ إنشاء الصندوق من 23 عاما ونحن نقوم بأنشطة ثقافية ولم نتوقف رغم الظروف التى تمر بها البلاد مثل سمبوزيم أسوان للنحت (91سنة) وسمبوزيوم الأقصر للتصوير وملتقى الرسوم المتحركة ومهرجانات السينما ودعم الجمعيات الأهلية الفنية ونشارك فى تطوير وإنشاء ودعم كثير من المبانى الثقاقية مثل مسرح الهناجر ومراكز الإبداع وأكاديمية الفنون والمسرح القومى وسيد درويش ودمنهور ودار الكتب ولاتوجد أى منشأة بوزارة الثقافة إلا وتم تطويرها عن طريق دعم الصندوق وكانت هذه الأنشطة تمول من الآثار عن طريق جزء من إيرادات المتاحف والمعارض والمواقع الأثرية ولكن بعد الانفصال وزارة الآثار قالت أنا لا أستطيع أن أستمر فى هذا التعاون وكل وزارة أصبحت قائمة بذاتها ومواردها من حقها وحدها.. بالطبع هذا الكلام أزعجنا فكيف أستطيع أن أقوم بنشاطى دون تمويل وكان دخلى منه حوالى 80 مليون جنيه فى العام ومنذ ثلاث سنوات لم يدخل منه مليم واحد، ورغم ذلك لم أوقف نشاطا واحدا ولكن توقفت عن المشاريع الجديدة واكتفيت باستكمال القائم.. أنا كنت بانشأ كل عام عشر مكتبات توقفت الآن والفائض بتاعى مع ميزانية 2014 و 2015.
ثم يستكمل حديثه قائلا: لذلك أرسلنا لمجلس الوزراء خطابا قلت لهم أنا سأتوقف ولم أستطع استكمال النشاط وأرصدتى انتهت ومحتاج حوالى 60 إلى 80 مليون جنيه سنويا للاستمرار وهذا بناء على أن الصندوق أنشئ بقرار جمهورى أن موارده من دخل الآثار بنسبة لاتزيد على01٪ وهذا قرار ثابت ولايمكن تغييره.
المهم رئيس الوزراء خاطب وزارة الآثار وقال لهم يتم الالتزام بسداد نسبة ال01٪طبقا للقرار الجمهورى الذى صدر بذلك.
وزارة الآثار ردت قائلة: نحن نريد أن نقدم مشروعا لكى نلغى هذا الاتفاق حيث إن مواردنا بعد الثورة أصبحت غير قادرة على تنفيذ هذا الاتفاق ونريد قانوا جديدا يلغى هذه النسبة.
فرد رئيس الوزراء عليهم قائلا: يستمر هذا الاتفاق إلى أن يصدر قانون جديد ويتم الالتزام بهذه النسبة.
ثم أحال رئيس الوزراء هذا الموضوع منذ شهر للفتوى والتشريع لتحسم هذه المشكلة وهذا السجال الدائم بين وزارة الثقافة ووزارة الآثار بعد انفصالهما، ونحن من جانبنا ننتظر الرد!
انتهى حوارى مع المهندس أبوسعدة ولم تنته دهشتى بعد انفصال كيان واحد هو وزارة الثقافة إلى الثقافة والآثار ونتج عن هذا مشاكل عديدة رغم وضع ضوابط سابقة للعمل بين هيئات الوزارة المختلفة ومنها الآثار ولم يوضع فى الاعتبار المواطن المنوط به هذه الخدمات الثقافية.. وهنا تذكرت مسرحية برخت الشهيرة (دائرة الطباشير) وربنا يستر على الثقافة والآثار المصرية والمواطن المصرى أيضا فنحن الآن نحتاج لثورة ثقافية لكى تنجح ثورتنا على الفساد والإرهاب والجهل والظلام الذى تسلل لعقول بعض المصريين فى غياب الثقافة والتعليم.