منذ شهر أكتوبر 2011، وفى سرية تامة وتعتيم إعلامى كامل، تم إطلاق المشروع الأكثر طموحا وتكلفة فى تاريخ السينما الإيرانية لم يكن هناك أى تسريبات بشأن الإنتاج، جاء الخبر الأول فى الشهر التالى مع اثنين من الإعلانات: الأول عندما أعلن المخرج الإيرانى الشهير «ماجد مجيدى» المرشح لجائزة الأوسكار عن فيلمه «أطفال الجنة» عام 1997، أنه يقوم بتصوير فيلم «سيجلب الفخر لإيران والإيرانيين» والثانى عندما ذكر وزير الثقافة والإرشاد الإسلامى «محمد حسينى» أن الفيلم تم إحرازه حول ما قد يكون الموضوع الفنى الأكثر إثارة للجدل فى العالم وهو مطلع ونشأة وشخصية «النبى محمد». وأضاف محمد حسينى إن «مؤسسة المضطهدين أو المعوزين» وهى مؤسسة خيرية تسيطر عليها الحكومة وتمتلك مليارات من الدولارات، ستقوم بتمويل إنتاج الفيلم العملاق، تم اختيارالموقع الأساسى لتصوير الفيلم، وهو نسخة هائلة المساحة وطبق الأصل من مكةالمكرمة فى القرن السادس، سيتم بناؤها خارج «مدينة قم» المقدسة، ولم يعلن الوزير الميزانية العامة المرصودة لإنتاج الفيلم، لكن مصادر مقربة من شركة الإنتاج قالت إنها بلغت «53 مليون دولار أمريكى» وهو ما يقرب من 20 ضعفاً من ثانى أكبر إنتاج فى تاريخ السينما الإيرانية حتى الآن.
وبعد عام أو أكثر قليلا من الشائعات، وبالتحديد فى نوفمبر 2012 ظهرت التقارير الأولى على المواقع الإلكترونية رسميا عن الفيلم، وحملت عنوان محمد فى مرحلة الطفولة، وأعلن عن «محمد مهدى حيدريان» وهو قريب من النظام، منتجا للفيلم، كما أعلن اسم منظمة «النور الساطع» كداعم وممول مالى للمشروع، ولم يكن هناك أى ذكر لمزيد من المعلومات عن مؤسسة المضطهدين، التى مهمتها المزعومة هى خدمة المعوزين، والتى لم تجد أية صعوبات لتوفير الميزانية المذهلة للفيلم.
وحتى الآن، مازال يدور هناك نقاش واسع النطاق للارتفاع المستمر فى تكلفة المشروع - التقدير الجديد هو 05 مليون دولار بعد إشراك شخصيات عالمية شهيرة فى صناعة الفيلم من الخارج مثل المصور السينمائى المعروف «فيتوريو ستورارو» الفائز بثلاث مرات بجائزة الأوسكار عن أفلام «القيامة الآن» «ريدز» و«الإمبراطور الماضى»، والذى وصل إلى إيران ومعه طاقم من 30 فردا، وأيضا استعانت إيران «بسكوت أندرسون» الحائز على جائزة الأوسكار، وخبير التأثيرات البصرية، الذى أشرف على أفلام مثل «مغامرات تان تان» و«عودة سوبرمان» و«جنود المركبة الفضائية» كما ارتبطت بالفيلم أسماء عديدة أخرى من الفائزين بجوائز دولية لها سمعتها العالمية، طبقا للمصادر القريبة من شركة الإنتاج.
فى حين يبدو أن إيران أوكلت واستعانت فى هذا الإنتاج الضخم، بالعديد من أصحاب المناصب الإبداعية وصانعى الأفلام الأجنبية، ولكن الاستثناء الرئيسى الوحيد هو المخرج الإيرانى «ماجد مجيدى» المعروف دوليا بفيلم «أطفال الجنة» 1997، الفيلم الإيرانى الأول الذى رشح لجائزة الأوسكار، ومنذ هذا العهد يحتل «ماجد مجيدى» مكانة خاصة لدى النخبة الحاكمة الإيرانية.
ويبدو واضحا أيضا أنه الشخصية المفضلة والمقربة من «آية الله على خامنئى» وهو المسئول عن تنظيم لقاءات عديدة بين المرشد الأعلى وأعضاء صناعة السينما الإيرانية. ومجيدى غير محبوب وسيئ السمعة فى الوسط السينمائى، الذى معظمه من العلمانيين فى إيران وضد النظام، بسبب إقامته لاحتفالات دينية فى مقر إقامته الخاصة واستضافته لشخصيات دينية وسياسية رفيعة المستوى بالنظام الإيرانى.
والمفاجأة أن آية الله خامنئى قرر فى أكتوبر 2012 زيارة موقع الفيلم للمدينة المترامية الأطراف التى صممت على شكل مكةالمكرمة، وأثارت المفاجأة سعادة بالغة لمجيدى نظرا لأن الزيارة لم يسبق لها مثيل للمرشد بتفقد موقع الفيلم ولقاء مجموعة الإنتاج والممثلين، كما أنها كانت سرية، ولم تلق أية تغطية صحفية فى ذلك الوقت.
وثمة عامل آخر وراء المستوى غير العادى والمخاوف من سرية الميزانية الضخمة، نظرا لأن إيران تعيش أزمة اقتصادية طاحنة تفاقمت بسبب العقوبات الدولية وعدم الكفاءة فى إدارة «أحمدى نجاد» وأن الاعتراف الرسمى بأن ميزانية الفيلم على مستوى إنتاج أفلام هوليوود، بالتأكيد قد يصيب الكثيرين فى الإيرانيين بالسخط والغضب والإحباط.
ولكن ربما المسألة الأكثر حساسية فى الموضوع كله هو صنع فيلم عن النبى فى مهد المذهب الشيعى، والذى يركز بشكل خاص على الأسرة المباشرة ونشأة وشباب الرسول محمد، وبالطبع هناك مخاوف وخشية رد الفعل من أتباع المذهب السنى، والضجة الدولية ضد الفيلم.
وعلمت مصادر «صباح الخير» أنه بالفعل أثيرت انتقادات حادة وبشكل صريح من قبل السلطات الدينية والأزهر الشريف فى القاهرة، ومع ذلك جاء التحدى الحقيقى الجديد من قطر، التى أعلنت فى ديسمبر 2012 أنها ستقوم بإنتاج فيلم خاص عن حياة النبى، والميزانية المعلنة: مليار دولار، ومن المفارقات القطرية إعلان أن « بارى أوزبورن» الذى أشرف على سلسلة أفلام سيد الخواتم الشهيرة، سيكون منتجا ومشرفا مع شركة الإنتاج القطرية للمشروع، واختير اسم مؤقت للفيلم بعنوان «الضوء الساطع».
ووفقا لتصريحات المخرج «ماجد مجيدى» قال أنه وفريق البحث الذى يضم العشرات من المؤرخين وعلماء الآثار قد تشاوروا مع الشيعة وعلماء السنة فى المغرب ولبنان والعراق من أجل ضمان وجود صورة دقيقة عن حياة النبى محمد فى وقت مبكرمن حياته، وأضاف مجيدى للصحفيين: على الرغم من أن الثقافة الشيعية هى أقل حساسية بكثير من السنة فى تصوير الشخصيات المقدسة، تقررعدم إظهار صورة وجه للنبى، للحد من احتمالات إثارة الجدل وربما هذا النهج الحذر يقلص من العديد من التحديات والعواقب التى ستواجه اثنين من أضخم الأعمال الإيرانيةوالقطرية، التى سوف تتعامل بحساسية شديدة مع نشأة وحياة الرسول محمد.
وتشير بعض المصادر القريبة من المخرج إلى أن سيناريو الفيلم يدور حول حياة الرسول فى سن ال 12 على الرغم من الخلافات الحادة ما بين الطوائف الإسلامية الكبرى حول هذه الحقبة، ويخلص مجيدى الملحمة فى رحلة الرسول إلى سوريا واللقاء مع «الراهب بحيرة» وهو راهب مسيحى، والذى وفقا للأسطورة، تنبأ بظهور النبى الجديد، وفى سياق السرد لمجيدى، ينجو النبى الشاب من عدد هائل من المخاطر، بما فى ذلك عدد من مؤامرات اغتيال يهودية.
والآن فى المراحل النهائية ما بعد الإنتاج، يلاقى فيلم «طفولة النبى محمد» غضبا وسخطا وسخرية عميقة من قبل العديد من العاملين فى مجال السينما الإيرانية، ويرون أن المال المخصص لذلك كان يمكن استغلاله فى عشرات المشاريع فى صناعة السينما التى تعانى بشكل دائم من نقص التمويل، وتعتمد على القطاع العام من أجل البقاء، كما أن تضخيم مساحات الإعلان عن الفيلم وخطط الاحتفال بعرضه فى جميع صالات طهران، علاوة على العروض الخاصة فى أماكن غير تقليدية، وضخمة يترتب عليها تكاليف باهظة، لا داع لها.
ويبقى السؤال التى تطرحه هوليوود والعالم، هل سيواجه فيلم «ماجد مجيدى» الإيرانى حول نشأة وشباب الرسول نفس ردود الفعل الغاضبة جدا من العالم العربى والإسلامى التى لاقتها الأفلام المثيرة للجدل والمسيئة للرسول من قبل؟!
والأخطر ما قد يخلفه هذا الفيلم المثير للجدل من أزمات سياسية ودينية حادة بين إيران ودول الخليج ومصر والعالم الإسلامى، والمسلمين فى بقاع الأرض.