سياسة وثقافة وفن يبقى فن البورتريه أحد أعمدة التعبير عن الرأى، مهما وجد من منافسة مع غيره من الفنون، فهو سلاح خطير يمكن لرسام الكاريكاتير أن يقول من خلاله وجهة نظره فى الشخصية التى يرسمها سواء بالسلب أو الإيجاب، وها نحن إزاء معرض مهم يقدمه 4 من رسامى الكاريكاتير الشباب فى مصر، وكل واحد منهم متسلح بريشته ورؤيته وتمرده وروحه الساخرة، ونجح الأربعة فى أن يقدموا لوحة ساخرة عن مصر والعالم بروح كاريكاتورية ساخرة ووثابة.
المعرض الذى نحن بصدد الحديث عنه هو معرض «وجوه لها تاريخ» الذى استضافته ساقية الصاوى وافتتحه كل من سعد عبدالرحمن رئيس هيئة قصور الثقافة، ومحمد الصاوى رئيس مجلس إدارة الساقية ووزير الثقافة الأسبق ومعهما لفيف من رسامى الكاريكاتير الكبار والشباب، المعرض ضم 55 بورتريها لأربعة رسامين شباب هم: أدهم لطفى وعبدالرحمن أبوبكر ونجما «روزاليوسف» عماد عبدالمقصود وخضر حسن، وتناول كل رسام من هؤلاء رسم مجموعة من الشخصيات العامة المشهورة فى السياسة والفن والرياضة والثقافة من الأحياء والأموات، فكلاهما ترك أثرا وبصمة فى مسيرته وسيرته سواء بالإيجاب أو بالسلب، واللافت أن المعرض واكب رحيل بعض الرموز مثل الفيلسوف مانديلا وأحمد فؤاد نجم، لذلك طغت لوحاتهما على أعمال المعرض، فالاثنان مثلا قيمة مهمة فى مسيرة حياتهما، الأول على المستوى السياسى كمناضل تعرض للسجن حتى أصبح رئيسا للجمهورية، والثانى أحد رواد الغناء السرى الذى يعارض السلطة والديكتاتورية والذى رسمه الرسام فى شكل ملاك يصعد للسماء بملابسه البيضاء، ولعب الرسامون الأربعة على الجدل الذى أحدثه أو أحدثته كل شخصية قاموا برسمها، فالقذافى مثلا ركز الرسام على ملابسه وشعره المنكوش، وباسم يوسف بدا أقرب إلى الساخر المتهور الذى يرتدى بدلة أنيقة ويمسك فى يده مسدسا أشبه بالحقنة، وهناك المعلم زكى رستم والفنانة هدى سلطان والرائعة فيروز التى رسمها الرسام كأنها تعانق السماء وهى تشدو، بينما أم كلثوم تبرز حنجرتها المنطلقة بالغناء والسلطنة، وبجانب هؤلاء رسم الرسامون عمرو موسى كبرنس ووزير الرياضة طاهر أبوزيد، والجوهرى صاحب البطولات وتنوعت الرسومات بين المبالغة فى رسم الشخصية والتركيز على الملامح وتفاصيلها مثل أحمد رامى الشاعر الكبير، وبين الوقوع فى هوى الشخصية والبحث عن ملامحها الداخلية وسماتها الشخصية مثل مانديلا وجيفارا.. وسواء لجأ الرسام إلى هذا أو ذاك، فإن أعمال الرسامين الأربعة نجحت فى أن تقدم بدون قصدية وجه مصر الحضارى الناعم متمثلا فى رموز الثقافة والفن والفكر، وكذلك التواصل مع العالم الخارجى مثل لوحة أوباما الرئيس الأمريكى التى عبر فيها الرسام عن ملامحه الخارجية والداخلية مستفيدا من رؤيته نحو ما تفعله أمريكا بالعالم العربى. فتحية إلى الرسامين الأربعة الذين تحمسوا للفكرة وظلوا طيلة شهر يرسمون ليقدموا لنا وجبة بالألوان والأبيض والأسود فى تأكيد على روح المشاركة والتنوع ووجود أكثر من أسلوب داخل المعرض الواحد وتقديم أعمال تجمع بين الرأى والسخرية مراهنين على حب المصريين لفن الكاريكاتير الذى ذكرهم بقوتهم الثقافية الناعمة متمثلة فى عادل إمام وتهانى الجبالى وأحمد حلمى وعمرو موسى، وكذلك تقديم عربون محبة للراحلين من عظماء الثقافة والفن مثل عادل أدهم ومارى منيب والنصرى وعبدالمطلب والعقاد ونجيب محفوظ. ورغم الحضور الخافت لكبار رسامى الكاريكاتير ليلة افتتاح المعرض باستثناء محمد حاكم وسمير عبدالغنى ربما لبرودة الجو وتقلباته فإن الجميع كان سعيدا بالروح الكاريكاتورية القوية التى كانت تنبعث من لوحات المعرض والشخصيات المرسومة التى فرضت حضورا طاغيا على جمهور المعرض وتنهى بكلمات لرسام الكاريكاتير أحمد عبدالنعيم الذى قال عن المعرض: إنه ضم أعلى أربع ريشات فى مجال البورتريه الكاريكاتورى فعماد عبدالمقصود يمتاز بالقدرة على التلخيص واختيار زاوية يسهل على المتلقى معرفة الشخصية المرسومة أمامه، وأدهم لطفى يستطيع في مساحة ضيقة وبسن الريشة أن يصطاد الملامح بسهولة، وخضر حسن فنان تشكيلى يختفى وراء ستار الكاريكاتير.. يملك الحرفية ولا تهرب منه ملامح الشخصية ويبهرك بالنتيجة، وآخر العنقود عبدالرحمن أبوبكر لديه بوتقة جمع فيها بلاغة شريف عليش وقدرة سيد عبدالفتاح ويجيد اختصار التشكيل اللونى فى مساحات من المبالغة ويلعب اللون الدور الرئيسى فى أعماله الفنية.