كنا قد نوهنا فى الحلقة السابقة عن فتح بعض الملفات المهمة داخل قطاع الفنون التشكيلية، ولكن حرصاً على مبدأ الأهمية وجدنا أن هناك ما هو أهم بكثير من تلك الملفات التى سنفتحها فى الأسابيع القادمة ونواصل هذا الأسبوع الحديث عن ملف متحف الجزيرة «لوفر الشرق» والذى يضم كنوزاً من الأعمال الفنية التى تئن بسبب تقاعس وسوء إدارة المسئولين الحاليين.. وتوقف المتحف عن العمل منذ ما يزيد عن 20 عاماً رغم أهميته الفنية والعالمية واحتوائه على أعمال فنية تقدر بمليارات الدولارات ويمكن من خلال عائدها حل أزمات مصر الطاحنة. متحف الجزيرة الذى يعد أهم متحف فنى فى منطقة الشرق الأوسط، يعانى الإهمال وعدم السعى الجدى وراء تطويره وافتتاحه، ولو أن قيادات القطاع عملت بمبدأ الأولويات لكان المتحف معداً للافتتاح قريباً ولكنه فى علم الغيب، فبدلا من تطوير وإعادة تأهيل أو ترميم المتاحف التابعة له أمكن الانتهاء من تطويره، ونعتقد أن ما يدره من عائد إذا وضعت خطة جيدة لإدارته سوف يكون الممول لباقى المتاحف لتطويرها.
وللوقوف على أهمية متحف الجزيرة نؤكد أن ما يحتويه من كنوز فنية تفوق متحف محمود خليل بمرات، والذى سُرقت منه لوحة «زهرة الخشخاش» رغم تكلفته التى وصلت عند افتتاحه فى عام 1995 ال29 مليون جنيه، ورصدت له بعد السرقة ميزانية تجاوزت ال 16 مليونا، والمبلغان مضافاً إليهما ملايين أخرى صرفت وتصرف على المتاحف دون مميزات الجزيرة يمكن أن تنهى مرحلة كبيرة من تطويره، ويضم المتحف مقتنيات عدد من المدارس الفنية العالمية المختلفة «الإيطالية، الإنجليزية، الفلمنكية، الأمريكية، الفرنسية، وخاصة المستشرقين» إضافة إلى أعمال الجوبلان والسيفر والنسيج القبطى والإسلامى، والسجاد، والبورسلين الصينى، والتحف المعدنية من القرن ال31 الميلادى، والزجاج البوهيمى والإسلامى والرومانى، وخزف الرقة من القرن ال 31. ومن الفنانين العالميين يضم المتحف أعمالا ل «ديجا، رؤول دوفى، شارل فرير، رينوار، مانيه، مونيه، كوربيه، بوشيه، سارتوريو، فان دير، هارلسن بان، جون كونستابل، ديلاكروا، روبنز، سيسلى، أنجر، روسو، بونتجتون، ماتيس، رودان، كاربو، سيمون مارى، بورديل، كلوزيل» وغيرهم الكثير.. وكان المتحف قد بُنى فى عام 1936 وصممه المهندس مصطفى بك فهمى على طرازه الإسلامى الحديث، ونفذته شركة إيطالية وافتتحه الملك فاروق وكان يحمل اسم متحف الحضارة فقط ويؤرخ لتطور الحضارة الإنسانية على مدى عصورها المختلفة، حتى جاءت ثورة 23 يوليو التى جمعت مقتنيات الأسرة الملكية من الأعمال الفنية، ثم قامت بوضعها بالمتحف، وافتتح للجمهور عام 1957، وكان يحتوى على 14 صالة، غير أن عدوان 1967 جعل الدولة ترفع الأعمال وتضعها فى مكان آمن.. ويذكر أن لوحة «ذات الوجهين» للفنان روبنز 1577/1640 - قد سرقت من المتحف فى 15-3-1967 وربما كانت قد سرقت بنفس طريقة سرقة «زهرة الخشخاش» حيث عُثر على بروازها داخل حجرة مهجورة لها مدخل على صالة العرض، إلا أن لوحة روبنز كان مقاسها لا يزيد على 15 *20 سم، وبفارق زمنى 64 عاماً، كما لو أن الأجهزة والقيادات لم تتغير أو تتطور خلال تلك المدة الزمنية؟!
ولنوضح عظمة كنوز الجزيرة فإن المتحف يضم نحو 1300 لوحة لكبار فنانى العالم ومنهم على سبيل المثال هنرى ماتيس بلوحته الشهيرة سيدة شرقية فى مخدعها بنحو 120 مليون دولار وكذلك الفنان أوجين ديلاكروا ولوحته زهور، التى يزيد سعرها على 60 مليون دولار. ولا نعلم سر عدم الاهتمام بالمتحف رغم أن الصفحة الرئيسية لوزارة الثقافة تحت أيقونة «المتاحف الفنية» تنص على: يعتبر متحف الجزيرة واحداً من أهم المتاحف الفنية فى الشرق الأوسط حيث يضم مجموعة رائعة من مقتنيات القصور الملكية يبلغ عددها حوالى 8824 قطعة؟!
ولنا هنا أن نتوقف عند رقم عدد المقتنيات، حيث إن الوزارة ذكرت 4288 قطعة، فى حين أن أحد رؤساء القطاع السابقين قال لدى افتتاح دار العرض السينمائى بالمتحف: إن متحف الجزيرة هو أكبر متحف للفنون العالمية فى الشرق الأوسط يحتوى على 4000 عمل فنى من مقتنيات الأسر المالكة المصرية، وجاء فى تقرير لهيئة الرقابة الإدارية أن مقتنياته تبلغ 4200 قطعة فنية من مقتنيات العائلة الملكة.. فأيهم أصدق.. وهل ذلك يعنى عدم المراجعة أو التنسيق أم أن الأعمال كانت أكثر من0004 وأصبحت 4000 ؟ وعن تقرير الرقابة السابق ذكره جاء فى كتابها إلى وزير الثقافة تحت رقم 15 فى شهر أبريل 2008 عن المشاكل والمعوقات التى تواجه العمل بالمتاحف التابعة لقطاع الفنون التشكيلية، ومدى قيامها بالدور الذى أُنشئت من أجله، والتوصيات التى تهدف إلى الارتقاء بمستوى الخدمات وبحث أسباب القصور والخلل واقتراح أنسب الحلول لها، وجاء من خلال التحريات والمرور الميدانى فى الفترة من 23-1-2008 وحتى 12-2-2008 - أى قبل سرقة زهرة الخشخاش بحوالى العامين؟! على 13 متحفا، تبين كما جاء بالتقرير- إغلاق متحف الجزيرة منذ عام 1989 لإجراء أعمال الإحلال والتجديد والتطوير به لعدم توافر الاعتمادات المالية بالرغم من أن مقتنياته تبلغ عدد 0024 قطعة..
وجاء بالتقرير أيضاً أنه تبين أن وجود العديد من المقتنيات الأثرية بدون ترميم بالمخازن، ويرجع ذلك إلى قيام رئيس قطاع الفنون التشكيلية محسن شعلان، بتطبيق لائحة المخازن على كافة متاحفها وعدم تطبيق لائحة المتاحف أسوة بالمتاحف التابعة للمجلس الأعلى للآثار مما ترتب عليه تطبيق الإجراءات الخاصة بلائحة المخازن من حيث وجوب تكهين الأصناف بالمخازن على الرغم من أن لائحة المتاحف توجب عدم التكهين والترميم لتلك الأصناف نظراً لارتفاع قيمتها، الأمر الذى يؤدى إلى ضرورة تطبيق لائحة المتاحف حفاظاً على المقتنيات واللوحات الموجودة بها!؟.. يعنى ربنا يستر وما يكنش فرق العهد كهنة!
وفى الفقرة رقم (6) بتقرير الرقابة الإدارية جاء ب «مناقشة المسئولين بقطاع الفنون التشكيلية، وبمواقع المتاحف المختلفة أفادوا: فى البند «د» وجوب وجود تنسيق بين وزارة الثقافة والسادة المحافظين بالمحافظات المختلفة لنشر التوعية الثقافية للمتاحف الإقليمية لزيادة إقبال الزائرين عليها من داخل المحافظة.. فماذا نفهم من هذا؟.. هل ينتظرون الإذن بذلك؟!
كما جاء فى توصيات الرقابة تحت رقم «2» العمل على سرعة الانتهاء من أعمال التطوير لكل من متحف الحضارة المصرية ومتحف الجزيرة، والتى بدأت أعمال التطوير بهمها منذ عام 2001 والمغلقين منذ 19 عاما وحتى الآن..
وكان شعلان قد أشر على التقرير بعد إرساله من مكتب وزير الثقافة بتأشيرة «السيد/ محسن شعلان لتنفيذ التوصيات والإفادة بعد الفحص» بتشكيل لجنة برئاسة د.صلاح المليجى رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض وقتها لدراسة ما ورد جيداً والعمل الفورى على رفع هذه المخالفات وتنفيذ التوصيات، والآن أصبح المليجى رئيسا للقطاع لمرتين فماذا عن تلك التوصيات والمخالفات؟!
وعلى غير دراية يقول: د. صلاح المليجى رئيس قطاع الفنون التشكيلية فى أحد أحاديثه الصحفية تحت عنوان «مقتنيات نادرة حبيسة فى مخزن بساحة الأوبرا»: فيما يخص مقتنيات متحف محمود خليل أرسل فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق «خطابا» لأحمد عبدالفتاح رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض بأن تنقل مقتنيات المتحف لمكان آمن وذلك قبل رئاستى للقطاع فنقل المقتنيات للمخزن المتطور بمتحف الجزيرة والذى انتهى تطويره على أحدث الطرق العالمية» والواقع أن الوزير أرسل لرئيس القطاع وقتها وكانت المحاسبة مرفت عبدالعزيز، وتلقف الأمر، فى إطار الظهور وطلبه للإدارة المركزية التى كان يتمنى أن ينالها وقت رئاسة شعلان، أحمد عبدالفتاح، وهم بتقديم خدماته لنقل الأعمال، والمدهش أن الموظف لا يرسل للأدنى فى الدرجة خطاباً، وإنما تأشيرة أو إشارة أو تنبيه، وإذا أراد وزير الثقافة شيئا من القطاع قام رئيس قطاع مكتبه بمخاطبة رئيس قطاع الفنون بشأن توجيهات أو تعليمات السيد الوزير.
ووفقا لتقدير عدد من الخبراء فى فترة سابقة فإن قيمة الأعمال الموجودة فى مخازن متحف الجزيرة تساوى 10 أضعاف الاحتياطى النقدى بالبنك المركزى.. فكيف يتم الحفاظ عليها رغم أن اشتراطات الأمن غير مكتملة تبعا لما جاء فى كتاب هشام فرج رئيس الإدارة المركزية للأمن والمشرف العام على أمن الفنون التشكيلية فى 12-12-2011 والمبنى على اجتماع اللجنة التى شكلت لفحص الموقف التأمينى لمخازن الجزيرة وبرئاسة المليجى وعضوية عبدالفتاح، وأيضا كانت هناك لجنة بشأن الأبواب المصفحة لمخزن الجزيرة اجتمعت فى 28-9-2009 وكان من أهم توصياتها وجوب ربط أجهزة الإنذار المسموعة بأبواب الطوارئ، وملاحظة أن أبواب الأفراد داخل الأبواب المصفحة ليس بها إنذار، كما أن الأبواب المصفحة الخمسة عند انقطاع التيار الكهربائى أو فصل مصدر الكهرباء تُفتح بمنتهى السهولة؟!
وهناك شىء آخر مهم جداً للمحافظة على تلك المقتنيات خاصة اللوحات، وهو التحكم فى درجة الحرارة والرطوبة، وبالتأكيد يعلم ذلك أحمد عبدالفتاح تمام العلم كونه هبط على المتاحف والمعارض من إدارة الترميم، ويشتهر على مستوى العمل والقطاع الخاص كمرمم.. فإذا كان يقدر بالفعل ما لدينا من مقتنيات فنية يفتخر بها أمام الرأى العام فلماذا جفت أحبار مدير متحف الجزيرة من كثرة الكتابة له فى شبه استغاثة، بشأن ضبط درجة الرطوبة بعد تقرير من الإدارة العامة للترميم، والتى كانت تحت حسابه دائما، وكان مدير المتحف قد حرر فى 11-4-2011 خطابا إلى المليجى بنفس الهدف، ليمر ما يقرب من 3 أشهر دون جدوى، حيث حرر إلى أحمد عبدالفتاح خطابات فى 3-7 و7-9 و28 -9-2011 وبين الكتابات إلى رئيس القطاع ورئيس الإدارة المركزية ما يزيد على ال5 أشهر دون جدوى، وهى فترة كفيلة جدا بتدمير الرطوبة للعمل الفنى خاصة اللوحات الزيتية، وإن حاولنا إعفاء المليجى من معرفة طرق المحافظة أو تأثير الرطوبة لن نعفى المتخصص فى الترميم أحمد عبدالفتاح، وربما كان اهتمام مدير المتحف سببا فى الأقاويل المنتشرة فى القطاع من محاولة عبدالفتاح الإطاحة به، وتعيين مدير جديد للمتحف، رغم أنه قضى عمره الوظيفى بالمتحف، حتى أن عبدالفتاح قدم عليه فى المتحف مع إدارة الترميم.
ويوضح عماد الشريف مدير متحف الجزيرة ل«صباح الخير» أن جميع الأجهزة الأمنية تم توريدها منذ 11 عاما، وقربت إن لم يكن قد انتهى عمرها الافتراضى، أو عملها بالكفاءة المطلوبة، فعلى سبيل المثال الجهاز الأمنى الخاص بتسجيل الأحداث اليومية، والمتصل بكاميرات المراقبة يقوم بالتسجيل لمدة يومين فقط، بينما ما كنا طلبناه منذ بداية التطوير كان للتسجيل مدة لا تقل عن الشهر الكامل، وهى مواصفات جهاز ال DVRالذى أحضروه مؤخرا منذ عام فقط.
ويؤكد مدير المتحف أن هناك عدة ملاحظات أمنية ذُكرت فى محضر الاستلام الإبتدائى، كان من المفترض أن يتم تلافيها خلال عام، إلا أنه وحتى تاريخه لم يحدث ذلك؟!.. وكان العميد هشام فرج رئيس الإدارة المركزية للأمن بالوزارة قد أعد تقريرا بذلك فى 12/12/2012 وأرسله إلى د.صلاح المليجى، والذى لم يحرك ساكنا، إلا بعد أن تم إرسال تقرير أمنى من وزير الداخلية إلى وزير الثقافة؛ منذ أسبوع فقط بناء على معاينة من قبل لجنة من مباحث الآثار وشرطة السياحة لمخازن الجزيرة، ويضم التقرير نفس الملاحظات التى ذكرها هشام فرج فى تقريره منذ ما يقرب من العام؟!.. إضافة إلى إرسال تقرير أمنى لوزير الثقافة قبل عيد الأضحى ببضعة أيام بعد حضور لجنة من شرطة السياحة رأسها اللواء وجدى العايدى، ووقفوا على المشكلات الأمنية التى يعانى منها المتحف منذ زمن بعيد، وطلب منهم مدير المتحف مساعدته لتنفيذ الحلول الجذرية لتلك المشكلات مع قيادات قطاع الفنون التشكيلية، وهو ما أدى إلى حضور لجنة ( الأسبوع الماضى فقط!) مكونة من أحمد عبدالفتاح، ومحمد العدوى مدير عام الإدارة الهندسية، ومحمد عبدالعزيز مدير عام الأمن والمهندس الإستشارى لتحديد متطلبات المتحف، والعجيب أنها لا تزال تلك المتطلبات هى نفسها السابق طلبها عند استلام المتحف فى 2011، ولم يحدث شىء إلى الآن!
والغريب أن وزارة الثقافة وعلى صفحتها الرسمية أيضا تحت عنوان «عناصر السياسة الثقافية» فى المحور الثالث «الآلة الثقافية» نصت فى رقم «1» على إعادة هيكلة بعض قطاعات الوزارة حتى تتوافق مع المرحلة الجديدة فى تاريخ مصر، ومع تطلعات الجماعة الثقافية المصرية ومع الاحتياجات الفعلية لتطوير العمل وفى مقدمة هذه القطاعات «المجلس الأعلى للثقافة، هيئة قصور الثقافة، قطاع الإنتاج الثقافى، قطاع شئون صندوق التنمية الثقافية» دون أن تقترب من قطاع الفنون التشكيلية وكأنه مغفول عنه، رغم حالة المتاحف وبعد السرقة المشهورة لزهرة الخشخاش، فهل يعقل أن استراتيجية الوزارة لا تتضمن إعادة هيكلة وتطوير واحد من أهم القطاعات بالوزارة؟!.