أختى ... قد يأتى إلى ذهن البعض أننى أتحدث عن أختى فى الوطن أو أختى فى الإنسانية، ولكنى أتحدث عن أختى الحقيقية.. أختى التى تشاركنى جيناتى وبعض قسمات وجهى وأجزاء من روحى.. أختى التى طالما تشاركنا نفس الفراش فى ليالٍ شتوية باردة اقتسمنا فيها كوب شيكولاتة ساخنا وتعاركنا على الرشفة الأخيرة.. أختى التى عرفت عنى أكثر ما عرفته عن نفسى أحيانا.. أختى تعنى لعب الطفولة.. أسرار المراهقة.. سند الأيام القادمة. هل أتخيل أن هناك موضوعا شائكا لا أستطيع الحديث معها فيه.. لحظة إنه ليس موضوعا محرجا أو حديثا خاصا، إنه بكل بساطة وتعقيد.. السياسة والموقف مما يحدث!
ماذا تظن.. هل عرفت فريقى هل أنتمى إلى فريق الجيش وتنتمى أختى إلى فريق الإخوان أم العكس هو الصحيح الفارق ليس بكبير حين تكونوا إخوات فهذا هو الشعور من الطرفين، فالموقف يختلف عن صديق لك له موقف مخالف.. فحين يكون لك أخ فى الفريق الآخر فإنك تفكر بحذر.. تتحدث بحذر.. وتدعو إلى الله بحذر ليس له مثيل.
هل تتذكر موقف الأخوين فى فيلم العاصفة لخالد يوسف حين تطوع أحدهم فى الجيش العراقى حين كان يعمل هناك ليحسن من دخله وحارب الآخر مع القوات المصرية التى ساندت الكويت فى حرب العراق؟
لقد كاد بعضنا أن يقتل البعض الآخر معنويا وبيننا دماء مشتركة.
∎كيف أراها وترانى؟
أتحدث عن نفسى وأنا من فريق الجيش أرى الجانب الآخر مغيبا لا يرى الحقيقة يفضل مصلحة الجماعة وقادتها عن مصلحة الوطن يستبيح دماء الشرطة والجيش ويطلق عليها فتاوى التكفير أحزن لكون أختى تنضم لهذا الفريق الخاسر أتعجب وأتساءل: كيف لإنسانة متعلمة أعرف عنها حبها لمصر أعرف أفكارها جميعا وطباعها لحكم نشأتنا فى بيت واحد وأنأى بها من بعض ما يتردد عن غسيل المخ أو الحاجة والعوز وأعرف أن ليس له مصلحة شخصية.. كيف تفكر هكذا.. كيف تعطى عقلها إجازة.. وحين أعطيت أنا لتعصبى إجازة اكتشفت أنها تفكر على نفس النهج تماما تقول: كيف لإنسانة متعلمة مثلك ومثقفة وتعمل فى مجال الصحافة ومهمتها البحث عن الحقيقة أن تفكر هكذا وتنخدع وراء حفنة من الإعلاميين الكاذبين الذين طالما شككوا فى الشرطة وهتفوا «يسقط يسقط حكم العسكر» وفجأة هم الآن يمجدون الشرطة والجيش ويسمحون بقتل عزل أبرياء.
∎اللى مش معنا يبقى علينا!
ومثلها مثلى حين أخاف أن أندد ببعض أفعال الداخلية فأحسب على الفريق الآخر فهى أيضا تندد ببعض أفعال قادة الإخوان ولكن سرا خوفا من أن تحسب على فريقى.. وإن كان هذا ليس خطئى أو خطأها.. فهى سقطة المجتمع بأكمله أنه لم يترك مكانا للرأى الثالث .. فالرأى الثالث عادة يجب أن تحتفظ به لنفسك ولا تقر به حتى مع أقرب المقربين وإلا صنفت كخائن لفريقكك وتريد أن تعطى الحجة للفريق المنافس.. من الممكن إذا أوجدنا هذا الفريق الثالث أن أجد فيه مكانا لأختى بجوارى.
∎مخاوف!
أخاف أنا وتخاف هى.. نخاف من أن نخسر بعض إلى الأبد.. أو أنا يأتى يوم وتكون صديقتى التى تنتمى إلى نفس فريقى أقرب إلى من أختى.. نخاف من ألا تصبح كلانا مخزن أسرار الأخرى.. نخاف أن تنسحب إحدانا من مكان حين ترى الأخرى.. نخاف من ألا تجد ابنتى وابنتها مكانا يلتقيان به وألا يجمعهما مثل الذى جمعنا طيلة سنوات عمرنا أخاف أن تنشأ ابنتى وهى تعى أن الفريق الآخر خائن لا يحب مصر وأن تنشأ ابنتها تعتقد أن فريقا خائن لا ينصر الإسلام.. أخاف من أن يسيل دمى بسبب عملية إرهابية وأن يحدث لها مكروه نتيجة عنف الداخلية.. أخاف وتخاف.. نخاف على البلد والناس والإسلام سويا كل منا بطريقته.. وبحسب معتقداته.
∎أبويا وأمى.. والفرحة الناقصة!
عادة الأب والأم هما الجندى المجهول فى تلك المعادلة.. فهما للأسف الملجأ الذى تلقى فيه كل منا ضيقها وحنقها من الأخرى نتيجة تبنيها وجهة نظر.. وهما عادة قطرات الماء التى تنساب على الحريق المندلع داخل كل منا لتطفئه.. فهما غير قادرين على الدعوة على أى فريق مهما كان انتماؤهما وغير مسموح لهما بالإعلان الواضح عن موقفهما حتى لا يكونا فى فريق واحدة على حساب الأخرى وإن كان الحزن مسموحا للجميع على سقوط ضحايا فليس مسموحا لهما بالفرح علانية فى أشد لحظات النصر.
∎الحل السحرى!
هل أشارككما مأساتى ولا أشارككما حلها.. كيف وأنا أرى نفسى فى كثيرات يقرأن ما أكتب أثق بأنها ليست مشكلتى وحدى، بل أصبحت هذه السمة الغالبة الآن فى كل بيت مصرى، بل عربى أيضا.. امتنعا عن الكلام تماما فى السياسية وما يحدث مهما حاولت الظروف المحيطة جركما إلى هذه المناقشة.. دافعا بكل ما أوتيتما من قوة وليكن شعار المرحلة «سياسة يوك».. ثانيا: جدا لنفسيكما أشياء مشتركة تستمتعون لطالما فعلتموها قبل ذلك ومهما تكالبت عليكما الظروف.. تحدياها وافعلا شيئا مشتركا يسعدكما سويا.. إن كان لكما ضحايا فى أى من الفريقين اذهبا إلى العزاء والمواساة سويا.. وإن كان لكم أطفال اجمعوا بينهم على قدر المستطاع ولا تدخلوهم فى نقاشات سياسية وأرسوا القاعدة الذهبية «كل واحد حر فى دماغه» فتلك القاعدة إن كانت قادرة على تحسين علاقتى بأختى فهى كلمة السر لتحسين علاقة المصريين بعضهم ببعض.. وأخيرا ولتجعلى الإجازة السياسية اليومية هى ساعة الفضفضة مع أختك فى شتى أمور الحياة.