أنا شاب 21 سنة، طالب بكلية الإعلام، وأختي 20 سنة طالبة بكلية التربية بنفس الجامعة، ونسكن في منزل واحد. مشكلتي مع أختي تبدأ منذ أن كنت في المرحلة الإعدادية؛ حيث تشاجرت مع أختي في مشكلة معينة، ثم حدث شيء غريب بعد ذلك، وهو أن دبّ الخصام بيننا؛ فأصبحنا لا نتكلم معاً، ولا نجلس سوياً ولا نهزر في أي كلام حتى ونحن في المنزل؛ وذلك حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها رسالتي. لاحظ أبي وأمي ذلك وأنّباني كثيراً، وأحياناً يجمعنا أبي معاً ويتكلم معنا ونقول له: حاضر الوضع سيتغير؛ ولكن لا يحدث شيء. نحن من تلك الحادثة التي سببت هذه المشاكل لم يحدث أي شجار آخر؛ ولكن هناك صمت رهيب ومحزن من جانبنا نحن الاثنين، ولا أكلمها إلا فيما ندر، هذا الصمت والجفاء الرهيب أصبح شيئاً لا يطاق داخلي، وهو ما ينكّد حياتي، ويعكّر دوماً مزاجي. عندما شاء القدر أن نلتحق بنفس الجامعة ظننت في نفسي أن المشكلة ستحل نفسها بنفسها؛ لكن ذلك لم يحدث. وللعلم فأنا أحبها وأخاف عليها، وإذا طلبت شيئاً مني ألبيه لها، وأتمنى لها التفوق وكل الخير؛ لكن كل ذلك في نفسي، ولا يوجد أخوة جادة بيننا.. تخيّلي أنني لم أسر معها في الشارع للذهاب في مشوار معين؛ إلا مرة أو مرتين منذ أن تجاوزت المرحلة الإعدادية، إنها كارثة بحق، ولك أن تتخيلي ذلك العذاب الذي أعيشه ويقطع قلبي دوماً؛ لدرجة أنه في فترة الدراسة أحياناً أتأخر عن ميعاد أول محاضرة حتى تخرج هي وحدها، ثم أتبعها بعد ذلك لأنني حتى لو مشيت معها؛ فإن الطريق إلى الكلية 10 دقائق، لا يوجد كلام فيها؛ كأن لساني قد أخرس. كثيراً ما جلست مع نفسي أقول لو أني أريد أن أفتح كلاماً مع أختي ماذا أفعل؛ فلا أجد ما أفعله، ولا ما أقوله. في العام الماضي، ونحن في البيت معاً، عندما عدت إلى البيت وجدت على مكتبي ورقة مكتوباً فيها (أنا أختك، ونريد أن نتصالح، وليس من المعقول أن نظلّ عاماً معاً وفي غربة دون أن نتكلم معاً ولا نعيش روح الأخوة؛ فيا ريت نتصالح، وبصراحة أنا ما باعرفش أبدأ الكلام). هذا هو نص رسالتها، وعندما قرأتها ظلّ قلبي يخفق اضطراباً وأحسست لو أن الأرض ابتلعتني ولم أقرأ هذا الكلام، لقد ذهلت حقاً، وجلست في حجرتي قرابة نصف ساعة أنظر للورقة، ولا أدري ماذا أفعل. بعد نصف ساعة خرجت من الغرفة وكلّمتها وحضنتها، وأبديت لها اعتزازي وأسفي، وأنني سأتغير للأفضل؛ ولكن لم يحدث شيء، وظل الوضع على ما هو عليه؛ بل ازداد عما كان عليه، فقلّ الكلام بيننا عما قبل. إننا نحترم بعضنا البعض، ولا يرفض أحد أي طلب يطلبه الآخر منه؛ لكننا لا نتكلم معاً لا هزار ولا ضحك ولا شيء من هذا كله يحدث. أحياناً أجد أنه لا حل لمشكلتي لأننا ما دمنا لا نتكلم معاً منذ الثانوية؛ فالوضع سيظلّ كما هو. لا أزال أعاني إلى الآن وأقف حسرة عندما أرى أصدقائي في مثل سني وهم يتعاملون مع أشقائهم؛ فتسود بينهم روح الأخوة والمحبة؛ حتى وإن كان بعضهم لا يتحلى بالأخلاق المثالية؛ لكن مع أخيه أو أخته كأنهما روح وجسد واحد. أنا أكتب إليك مشكلتي فاقداً للأمل وقلبي متقطع جريح. وللعلم فهذه المشكلة حدثت بيني وبين أختي الكبرى؛ ولكنها لم تدم طويلاً؛ لأنها تزوجت، وأنا أتعامل معها عادي جداً. أرجوكِ سيدتي لو تملكين إرشادي أرجو منك توضيح نقاط عملية يكون عليّ من السهل تحقيقها، ولو أنني أحتاج إلى الذهاب إلى طبيب نفسي أرجوكِ أرشديني وقولي لي ذلك. آسف على الإطالة وشكراً جزيلا لك. os أخي العزيز: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخفيت عني تفاصيل الشجار الذي حدث منذ ما يقرب من سبع سنوات، وعلى إثره دبّ الخصام بينك وبين شقيقتك التي تصغرك بعام واحد؛ فأعتقد أن في تفاصيل هذا الشجار بعض المفاتيح لمعرفة السبب الكامن وراء هذا الخصام والجفاء بينكما الذي طال ولم تفلح الغربة في إذابته. لكن أغلب ظني أن سبب هذا الجفاء الذي بدأ وأنتما في هذا السن وفي فترة المراهقة هو أحد أمرين: أن يكون الأخ راغباً في لعب دور الرجل مع أخته فيشرع في فرض سيطرته بأسلوب قد يتسم بالعنف والتجريح أحياناً؛ مما يثير مشاعر الغيظ والحنق في نفس الفتاة، ويجعلها تفضّل الابتعاد والصمت عن ذلك الذي يودّ قهرها، وهو ما ترفضه أي بنت؛ خاصة في سن المراهقة. أما الاحتمال الثاني هو أن يكون هناك نوع من الغيرة بين الأخوات، وقد ينتج هذا مثلاً عن نوع من التمييز في معاملة الولد من جهة الأب والأم؛ الأمر الذي يشعل نار الغيرة في قلب الأخوات من ناحية، ومن ناحية أخرى قد يعزّز لدى الولد فكرة ضرورة معاملته بشكل خاص من الجميع، بما فيهم أخواته؛ فقد لا يعجبه مثلاً أن يخالفوه في الرأي أو ينقدوه في أي أمرٍ من الأمور؛ الأمر الذي قد يجعل ردود أفعاله حادة وعنيفة ومنفّرة للآخرين. لذا التمس لي العذر في أن أرى أنك إلى حد ما قد تكون أنت المسئول الأول عما حدث؛ وهذا لا ينفي مسئولية شقيقتك بالطبع؛ لكن أقصد أنك في الغالب من تسببت في حالة الغضب التي انتابت شقيقتك وحدث الخصام بعدها؛ خاصة وأنك ذكرت أن ما حدث حدث أيضاً مع شقيقتك الكبرى؛ لكنها تزوجت فانتهت المشكلة من تلقاء نفسها، وأيضاً شقيقتك حينما أرادت الصلح كتبت لك ورقة، وهو أمر غير معهود بين الأشقاء؛ إلا لو كانت تخاف من ردود أفعالك مثلاً، كما أنك أخبرتها بنيّتك للتغيير للأفضل. عزيزي نحن لسنا في موقف تأنيب لأقول لك أنت المسئول؛ لكن نحن نقيّم الموقف؛ فإذا كنت ترى أني محقّة؛ فعليك بمواجهة نفسك بأخطائك والبحث عن سبل التغيير في طريقة تواصلك مع الآخرين؛ خاصة وأنك -كما يتّضح لي من كلامك- طيّب القلب، ومشاعرك غضة مثل مشاعر الأطفال؛ فما إن كتبت لك شقيقتك ورقة تريد بها الصلح حتى قمت بعناقها كما الطفل الذي ينتظر الصفح من أمه وهذا أمر طيب. عزيزي الصلح على بعد خطوات منكما، هل تعلم لماذا؟ لأن العلاقات حينما تتوتر تمرّ بحالة من التجاذب والتنافر، ثم الوصول إلى حالة الاتزان السلبي؛ ما لم يكن هناك تصالح. والاتزان السلبي يعني الفتور، والفتور يعني برود المشاعر، وبرود المشاعر يعني أننا نتكلم وكأن كل شيء عادي، ولا نشعر أن يبننا أي خلاف ولا نتذكر أي خلاف؛ لكن في الواقع فإن المشاعر باردة؛ بل متجمدة، وهنا نعتبر أن جوهر العلاقة قد انتهى. وهذا لم يحدث بينكما؛ على عكس المشاعر متدفقة، ومازلتم في مرحلة التجاذب؛ لكن الخوف من ردود الأفعال -بحسب اعتقادي- يحول بينكما وبين الصلح، وهذا ما أراه في حالة الترقب التي تبدو في كلامك؛ فكل منكما ينتظر مبادرة الآخر للبدء في الحوار؛ فماذا تفعل؟ شقيقتك تحتاج إليك؛ وإلا ما كتبت لك هذه الورقة؛ فكن لها أخاً كما تنتظر.. فكيف تبدأ؟ ابدأ بالحوار الطبيعي مع أختك دون الإشارة لما بينكما من شقاق، ولتبدأ معها بأن تتحدث مثلاً عن مشكلة ما صادفتك وكأنك تحتاج إلى رأيها؛ فالأخت دائماً تحبّ أن ترى من شقيقها الحب والحماية، وأن ينظر إليها على أنها راجحة العقل يلجأ إليها لحاجته لرأيها.. قد يصعب عليك الأمر في البداية؛ لكن لابد أن تحطّم الحواجز وتبدأ. استمع إليها وأشعرها بأهمية رأيها، واسألها عن أحوالها، وتحدّث معها عن أصدقائها، وتحدّث معها عما تحب.. توقّع أي شيء؛ فقد تسمع ما يزعجك أحياناً؛ فهيئ نفسك للهدوء والإنصات؛ حتى تعتاد شقيقتك أن تبوح لك بأسرارها فلا تظهر لها انزعاجك وغضبك مما لا يعجبك مثلاً. انتهز الفرص للخروج معها؛ فلست معك في أن تتجنب النزول معها صباحاً؛ بل اقتنص هذه الفرصة وتحدّث معها في أي أمر من الأمور؛ فلا تزد الأمر تعقيداً؛ بل واعرض عليها أن تنتظرها أو تنتظرك للعودة للبيت؛ على أن يكون ذلك من باب الصداقة وليس الرقابة. عليك باصطحابها في نزهة في يوم الإجازة مع بعض أصدقائكم مثلاً.. امتدح مظهرها ولبسها وأخلاقها.. واشكرها على إعداد الطعام، وأنه لا يروق لك الأكل من الخارج أبداً؛ لأن طعامها حسن المذاق؛ فالبنت تحبّ الثناء على ما تعدّه من طعام أختاً كانت أو زوجة. بادر بشراء هدية لها في عيد ميلادها.. كل ذلك دون الحديث عما سبق سيكون معيناً بإذن الله على تجاوز الحواجز بينكما؛ بشرط ألا تتعجل؛ فالأمر سيحتاج لبعض الوقت حتى يعتاد كل منكما على الحوار مع الآخر؛ فلا تيأس لكن كن صبوراً. لو عايز تفضفض لنا دوس هنا