بينما تعيش سيناء حالة حرب حقيقية قرر اللواء عادل لبيب وزير التنمية المحلية الإعلان عن خطة لتنمية سيناء، وإذا كان من العجب أن يتم الحديث عن تنمية سيناء فى هذا التوقيت حيث تسيل الدماء على أرضها نتيجة العمليات الإرهابية، ويستيقظ سكانها على دوى انفجارات بشكل شبه يومى فإنه من الأعجب أن تكون خطة التنمية مبنية على أساس التوسع فى مشاركة المواطنين السيناويين للحكومة فى الإنفاق على المشاريع الخدمية بتحملهم نصف النفقات. واستشهد الوزير بتجربة قنا وقتما كان يتولى منصبه كمحافظ لها، حيث اشترك الأهالى فى تحمل نفقات المشاريع الخدمية الأساسية من صرف صحى ورصف طرق مع الحكومة، ولكن هل انتظر أهالى سيناء طوال هذه السنوات من الإهمال لتتنصل الحكومة مرة أخرى من واجباتها وتختار الحل الأسهل؟ وهل الخطة التى أعلنها وزير التنمية المحلية هى الخطة الأنسب لتنمية هذا الجزء المهمل من أرض الوطن والذى بات الاهتمام به قضية أمن قومى حتى لا تجد البؤر الإرهابية لها مكانا؟ ولماذا لم يتم الرجوع لخطط التنمية التى تم تقديمها طوال الأعوام الماضية وظلت حبيسة للأدراج؟
فى البداية يرى المهندس عبد الله الحجاوى خبير البيئة ورئيس الجمعية الأهلية للتنمية وحماية البيئة بشمال سيناء أن الخطة التى تم إعلانها هى عبارة عن هراء فالخدمات الأساسية والمرافق هى حق للمواطن لابد أن تؤديها الحكومة له، كما أن مصر وقعت على اتفاقية فى مؤتمر الأممالمتحدة للمستوطنات البشرية الذى عقد فى إسطنبول عام 1995 والذى نص على أن الخدمات الحضارية المتمثلة فى المرافق ووسائل المواصلات والعلاج هى من حق المواطن التى لابد أن تكفلها له الدولة، وإذا كان ما أعلن عنه وزير التنمية المحلية هو ما تعتزم الدولة تنفيذه فيؤسفنى أن أقول أنهم بذلك يعودون بسيناء إلى المربع صفر، فنحن لسنا فئران تجارب، وكان الأحرى بالوزير قبل الإدلاء بأى تصريحات أو الإعلان عن أى خطط أن يسمع من أهل سيناء أنفسهم وأن يتعرف على المعطيات والمقومات الموجودة فى سيناء ثم يضع خطته على أساس ذلك، ومنالخطأ الفادح أن تتم مقارنة سيناءبقنافسيناء لديها مقومات دولة لو استغلت لن تحتاج مصر أن تنفق مليما واحدا لتنميتها، فعلى سبيل المثال سيناء لديها من الثروة السمكية ما يمكنها من إنشاء 600 مزرعة سمكية خلال 24 ساعة فالأرض جاهزة ومستوية ومنخفضة عن سطح البحر ولا ينقصها إلا قرار إدارى قوى، وأيضا لدينا مقومات تعدين تغنينا عن القروض التى لهث خلفها النظام المعزول فمناجم الماس وحدها من الممكن أن توفر أكثر من خمسة مليارات جنيه فى السنة، كما أن الأراضى المحيطة بترعة السلام أراض خصبة ويمكن زراعتها بجميع المحاصيل وغيرها من الثروات المهدرة أمام أعيننا ثم بعد ذلك يأتى الوزير ويطالبنى بأن أدفع لتصل إلى بيتى ماسورة مياه أو توصيلات للكهرباء فكيف يعقل هذا؟، وماذا لو رفض المواطن أن يدفع هل ستترك سيناء هكذا مرة أخرى أم سيشكل لجانا تقنع الأهالى بالدفع؟، للأسف دائما ما يتم تعيين قيادات لا تجيد التعامل مع سيناء، لذلك فأنا أقترح أن يكون فى الوزارة مكان لمسئول تنفيذى متخصص لديه خبرة فى الشأن السيناوى، وبسؤاله عن الخطوات التى كان سيتخذها إذا كان فى موقع المسئول يقول: أول قرار سأتخذه هو أن أعيد تشغيل المصانع والمرافق المعطلة فهى موارد جاهزة لاتحتاج إلا لقرار إدارى إلى جانب تقسيم المساحات الشاسعة من الأراضى وتوزيعها على الشباب، وبذلك أكون ساهمت فى اتساع الرقعة الزراعية ووفرت عملا لشباب عاطل نال من الإهمال ما يفوق الوصف، فالشباب فى سيناء بلا وظائف وبلا إشراف أو رقابة من أجهزة الدولة، لذلك يسهل استقطابه فيما يضر أمن الوطن، وبدل أن يعمل فى تعمير أرضه المهملة يبدأ فى تجارة البانجو والمخدرات والسلاح، فما الذى يضيرنا أن نجمع هؤلاء الشباب ونعطيهم جزءا من أراضى سيناء والتى بالمناسبة توجد مساحات شاسعة منها كما خلقها الله ولم يطرأ عليها أى تغير بشرى رغم أن إسرائيل على الجهة المقابلة حولت أراضيها إلى واحات مزدهرة وهم يشتركون معنا فى نفس المناخ ونفس الظروف البيئية، ولكنهم يختلفون عنا فى وجود الرغبة الحقيقية لديهم للتعمير. ويفجر الحجاوى مفاجأة تتعلق بتوافر رأس المال النقدى لدى الكثير من أهالى سيناء والتى تخولهم لإنشاء المشروعات التى تنهض بها، لكنه مدفون لأنه جاء نتيجة تجارة غير مشروعة، فالكثيرون هنا لديهم مليارات تشكل احتياطيا نقديا لم يجد المناخ المناسب ليظهر ويتم الاستفادة منه، وهذا هو خطأ الحكومات المتعاقبة التى لم تعرف كيف تؤمن خروج تلك الأموال، ومن جانب آخر فأنا أدعو الحكومة إلى تطبيق التجربة الماليزية لتنمية سيناء، والذى يقوم على أساس الأعراف والتوزيع الديموجرافى للسكان بمعنى أن تعمل على إشراك القبائل فى مشروع واحد فيحدث الاندماج بينهم وتزول الخلافات ولا يستطيع أى إنسان أن يضر بمشروعهم المشترك، وأخيرا لابد ألا نغفل أهمية دور التكنولوجيا والمعرفة التى تقدمها كليات جامعة قناةالسويس، والتى تشكل رأس المال المعرفى الذى هو الضامن أن تنشأ هذه المشروعات فى حضن العلم.
∎التنمية لابد أن يسبقها تطهير
ومن جانبه يتعجب الأستاذ محمود الأخرسى الناشط السيناوى وعضو ائتلاف رفح من أجل التغيير من الحديث فى هذا التوقيت عن تنمية سيناء فى ظل انعدام الأمن والأمان بداخلها، حيث يقول: سيناء الآن بيئة طاردة لأى استثمار بسبب الظروف الحالية التى تمر بها من عمليات إرهابية ضد الدولة والجيش وفى ظل الانعدام الأمنى أعتقد أن الكلام عن التنمية والإعمار سيكون بلا فائدة، فليس من المعقول أن تخاطر الدولة أو المستثمرون بعمل مشاريع فى سيناء فى هذا التوقيت، فرأس المال جبان ولكى تحدث التنمية لابد أن يسبقها تطهير سيناء، والتطهير يلزمه قرار سياسى ليصبح من أهم بنوده معاملة المواطن السيناوى كمواطن من الدرجة الأولى مثله مثل غيره فى باقى المحافظات والسماح له بتملك أرضه، أما عن طرح الأفكار والتصريحات فنحن نعانى منها منذ أيام مبارك، فالكثير من القرارات تم اتخاذها ولم تخرج للنور، بل ذهبت إلى مكانها الطبيعى الذى تنتهجه كل الحكومات وهو الأدراج وكل مستثمر يقدم على الاستثمار فى سيناء يفاجأ بالبيروقراطية فيتراجع والمستثمر الوحيد اللى تجرأ واستثمر فى سينا هو حسن راتب، ومع ذلك أثر عليه الانفلات الأمنى الذى حدث بعد الثورة فظهر له من يدعى ملكيته للأراضى المقام عليها المشاريع، لكنه ظل ثابتا فى مكانه.
∎لا توجد بنية أساسية للتنمية
وبعد كل هذه الاعتراضات على تصريحات وزير التنمية المحلية توجهنا إلى المهندس عز الدين شاكر مستشار محافظة شمال سيناء لشئون المعلومات ليطلعنا على رأى المحافظة فى تصريحات الوزير ومدى توافقها مع الواقع فيقول: الحديث عن إشراك المواطنين فى الإنفاق على المشاريع الخدمية لا مجال له الآن على الإطلاق، فهناك مراحل سابقة يجب إتمامها أولا، فكيف اطالب بإشراك المواطن فى ثمن توصيل المرافق إلى منزله والبنية الأساسية ليست موجودة فى سيناء من الأساس، مشيرا إلى أن الخطة الآن هى إعادة إحياء المشروع القومى لتنمية سيناء والذى كان من المفترض أن ينتهى فى عام 2017، لكنه للأسف لم ينفذ بالشكل الأمثل وتوقف لفترات طويلة، وبالتالى لم تتم تنمية سيناء، لذلك فمن المنتظر بعد أن تهدأ الأوضاع أن يتم تكليف القوات المسلحة بتنفيذ مشروعات حكومية من حفر آبار ورصف طرق وتوصيل مياه وبناء وحدات سكنية بتكلفة تتخطى المليار ونصف المليار جنيه وبمساندة بعض الشركات، وهذه هى الخطوة الرئيسية حتى لا يتم إغفال سيناء مرة أخرى، أما بخصوص تصريحات الوزير فلو تم إرساء البنية التحتية لسيناء وانعدمت الموارد فيمكن أن يعاد النظر فى التخطيط الاستراتيجى وتتم تهيئة المجتمع المحلى لقبول هذه الفكرة.