الطابق الرابع فى مبنى سكنى بشارع هادئ بحى المهندسين .. يأخذك المصعد إلى لافتة صغيرة أمام الباب المغلق، مكتوب عليها «مكتب شكاوى المرأة ومتابعتها بالمجلس القومى للمرأة». فى هدوء يعمل بعض المحامين والإداريين فى تدوين الشكاوى وإرسالها إلى الجهات المختصة.. وتدوين الردود الواردة عليها..هذا إن ردت الجهة. المكتب كان مقصدا لآلاف النساء من جميع محافظات مصر، حين كان يحتل أحد طوابق مبنى الحزب الوطنى المنحل، الشهير على كورنيش النيل«المعروف سابقا بمبنى الاتحاد الاشتراكى»، قبل أن يحترق خلال أحداث ثورة يناير. لكن الحال تغير بعد الثورة.. ليس فقط فى المكان .. بل فى طبيعة الشكاوى الواردة إليه وفى طريقة الوصول إلى الشاكيات ..وفى طريقة العمل مع الوزارات والهيئات المختلفة.. التفاصيل كانت محور حديثى مع مديرة المكتب د. فاطمة خفاجى، التى أدارته أيضا فى فترة سابقة قبل الثورة.
∎ فى البداية سألت الدكتورة فاطمة عن قصة المقر الجديد؟ - بعد الثورة انتقلنا إلى مقر فى شارع الهرم، لم يكن أحد يعرفه، ثم انتقلنا إلى هنا فى المهندسين على مقربة من مقر المجلس القومى للمرأة، والآن نبحث عن مقر فى منطقة السيدة زينب أو عابدين، ليسهل وصول السيدات إليه. ∎ وكيف تتغلبون على مشكلة عدم معرفة السيدات بمقر المكتب؟ -نحاول أن نتغلب على صعوبة الوصول إلى مقر المكتب، بفتح فروع للمكتب فى المناطق الشعبية كمنشأة ناصر والهجانة وإمبابة، بمقار الجمعيات الخدمية هناك، للتواصل مع النساء فى تلك المناطق، بالإضافة إلى فروع المكتب فى المحافظات، والاتصالات الهاتفية والبريد. ∎ ما أغلب شكاوى النساء فى هذه المناطق؟ - ندوات المكتب بالمناطق الشعبية بالقاهرة، كشفت عن معاناة الكثير من السيدات من المشكلات التى لا يتحدث عنها أحد ممن يرون أن مشكلات الأسرة هى فقط فى قانون الرؤية والاستضافة. أبرز هذه المشكلات زواج الأطفال قبل 81 عاما، وبالطبع هذا الزواج يكون دون توثيق، لأن القانون لايسمح بتوثيق الزواج قبل هذه السن، وتظل الزوجة بلا حقوق هى وأولادها إذا توفى الزوج أو هجرها، فأولادها بلا شهادات ميلاد، لأنها لا تملك قسيمة زواج، ويصبح الحديث عن التحاقهم بالتعليم نوعا من الخيال. لكن أكثر معاناة النساء فى المناطق العشوائية هى من هجر الأزواج، الذين يتركون الزوجة وأطفالها بلا نفقة تمكنهم من البقاء فى التعليم أو من الغذاء أو من العلاج، ويهجر الزوج الزوجة فى أغلب هذه الحالات من أجل الزواج بأخرى، ولا يكون أمام الزوجة المهجورة فى هذه الحالة سوى رفع دعوى خلع، لتتمكن من الحصول على معاش الضمان الاجتماعى. تتابع د. فاطمة: لكن الأمور لا تسير بهذا اليسر، فلكى تحصل الزوجة المهجورة على معاش الضمان الاجتماعى الذى يبلغ 052 جنيها، لابد أن يكون لها عنوان سكن، أو عقد إيجار شقة، لكن الكثير من مساكن الهجانة وغيرها لاتخضع لتنظيم الدولة، ولا أسماء محددة للشوارع، كما لا يعطى صاحب المبنى للسيدة ما يثبت أنها مستأجرة للشقة، وبالتالى لا يمكنها الحصول على المعاش. ∎ تحرش واغتصاب ∎ وماذا عن مشكلات المرأة فى العمل ؟ -تشير آخر إحصاءات المكتب إلى عودة شكاوى العمل مرة أخرى، بعد أن كانت أغلب الشكاوى التى تصل إلى المكتب تدور حول مشكلات الأحوال الشخصية. أغلب هذه المشكلات يتركز فى شكاوى التخطى فى الترقية أو الحرمان منها أو النقل التعسفى وغيرها، ولا يتبنى المكتب سوى الشكاوى الموثقة بالإثباتات التى يتطلبها قانون العمل، وقد لاحظنا أن هناك تعمداً الآن فى الكثير من الجهات الحكومية لاستبعاد النساء من المراكز القيادية، لتقليل أعداد النساء فى هذه المناصب، أو لترشيح سيدات ينتمين إلى تيار الإسلام السياسى. لكن هناك مشكلات تحدث فى العمل ولايتم الشكوى إلا من النذر القليل منها، لصعوبة إثباتها، مثل التحرش من المدير أو الزملاء، فغالبا ما تسكت العاملة عن هذه المشكلات، خاصة العاملات فى المصانع والمحلات والمشروعات الصغيرة، ليس فقط لصعوبة إثباتها، ولكن للخوف من لوم الزملاء للضحية باعتبار أنها هى من أعطت الفرصة للمتحرش، سواء بطريقة ملبسها أو بغير ذلك من الأسباب . لكنى أتوقع زيادة مثل هذه الشكاوى، بعد أن زاد الحديث عن حوادث التحرش داخل المجتمع بشكل عام، وتشجعت الكثيرات للإبلاغ عن هذه الوقائع، بالإضافة الى إعداد المجلس لمشروع قانون لتجريم العنف ضد المرأة داخل العمل، والتحرش من أشكال هذا العنف، الذى تصل العقوبة فيه إلى حبس لمدة لا تقل عن 6 شهور، وغرامة تصل إلى 01 آلاف جنيه. بالإضافة إلى ما يتضمنه هذا القانون من حماية للشهود، كما سيضاف إلى لائحة التنفيذ طرق وأشكال إثبات وقائع التحرش بكل أنواعه. والدليل على ذلك أننا عندما أعلنا عن تلقى شكاوى التحرش أو المضايقات خلال الاستفتاء على الدستور قبل شهور، من خلال خط ساخن، وصلنا 006 شكوى، أغلبها من القاهرة والإسكندرية. ∎ وهل يندرج التحرش بتلميذات المدارس تحت هذه الشكاوى؟ -نعم، وتصلنا بعض هذه الشكاوى بالفعل، واستطاع المكتب تبنى إحدى وقائع التحرش بطالبة فى الصف الثانى الثانوى بمدرسة ثانوية للبنات فى مصر الجديدة، وساعد الطالبة ووالدها على إبلاغ الشرطة وتحرير محضر ضد المدرس الذى عرض عليها مشاهد مخلة عبر هاتفه المحمول، وطلب منها ممارستها. وحاولت مديرة المدرسة أن تطلب من ولى أمر الطالبة التنازل عن الشكوى، لكن المكتب خاطب وزير التربية والتعليم للتحقيق فى الواقعة، وحولت الشرطة المحضر للنيابة، وحكمت المحكمة على المدرس بالحبس سنة، بعد 4 شهور من الواقعة. ∎ إغلاق تكافؤ الفرص ∎ ولماذا لا يحضر محامو المكتب مثل هذه التحقيقات أو يتابعونها فى الوزارات والجهات المختلفة؟ -المكتب لايملك سوى مخاطبة الوزير المختص ، من خلال وحدات تكافؤ الفرص بالوزارات، التى كانت تتابع مثل هذه الشكاوى، وترد على المكتب بما جرى فى التحقيق، لكن بعد الثورة لم يعد أحد يهتم أويحترم أحداً، مثلما كان التجاوب فى السابق خوفا من سوزان مبارك حين كانت رئيسة للمجلس، التى كانوا يعتقدون أنها تراجع كل شكوى، باعتبارها رئيسة مجلس المرأة. ∎ لكن ألا يخول القانون للمكتب التدخل لحل مشكلات النساء اللاتى وقع عليهن ظلم بالفعل؟ -مكاتب شكاوى المرأة فى الكثير من البلاد لديها وضع قانونى، يمكنها من إجراء تحقيقات وحضورها داخل الأماكن المختلفة التى تحدث بها الشكاوى، وليس فقط طلب التحقيق من المسئولين فى تلك الاماكن ومتابعتها. كما يكون للمكتب مسئولية أمام البرلمان، والحق فيوفر التعويضات لصالح المظلومين عند وقوع الضرر، وتكون قراراته نافذة لأنها تستند إلى القانون، كأن يأمر بإعادة سيدة لعملها لو ثبت أن نقلها كان تعسفيا. وعندما أنشأنا المكتب فى مصر، قالوا لنا «المهم يكون ليكم قيمة سياسية، وبعدين يكون ليكم قيمة قانونية، لكن للأسف حتى القيمة السياسية اتغيرت». ∎لكن المكتب يطلب من مجلس المرأة تبنى مشروعات قوانين، لتعالج معاناة النساء الواقعية، فما آخر هذه القوانين؟ -مكتب شكاوى المرأة منظار مكبر لما تعانيه نساء مصر، ويتبنى الآن مشكلة عدم حصول المطلقة أو المهجورة على النفقة المؤقتة، والتى تمثل 09 من مشكلات الأحوال الشخصية، ويفترض أن يدفعها بنك ناصر، للسيدة وأطفالها، ريثما تحصل على الحكم النهائى بالنفقة من المحكمة، والتى قد تطول لشهور طويلة، ويتحجج البنك«الوطنى» بأنه فى انتظار الحكم النهائى. والمشكلة الأخرى تتمثل فى أن معظم من تشكين من العنف الاسرى، ليس لها دخل يمكنها من الاعتماد على نفسها، كما أن شروط دور استضافة النساء روتينية، ولا تقدم خلالها للمقيمات خدمات التأهيل النفسى، ليعدن إلى بيوتهن، كما أن خدمات التدريب للحصول على فرصة عمل غير موجودة، والأمر فى حاجة إلى قانون رادع لعلاج مشكلة العنف الأسرى بكل أنواعه. ∎ ولماذا لايتعاون المكتب مع الجمعيات الأهلية التى لديها خدمة التأهيل النفسى لضحايا العنف؟ -بعض الجمعيات لا تريد أن تتعاون مع المجلس، وقد لاحظنا هذا أثناء متابعتنا لمشكلة التحرش بالناشطات فى الميدان، فإذا بالجمعية تمنع تدخل المجلس لمساعدة الضحايا، خاصة أن المجلس لديه اتصال مع وحدة تكافؤ الفرص فى الداخلية، للمساعدة فى تحرير المحاضر ضد المتحرشين، والسبب فيما أرى هو حرصهم على التمويل الأجنبى.