من منا لم يتعرض فى حياته لأى نوع من أنواع الألم والمعاناة والصدمات سواء صدمات عاطفية.. خيانة.. طلاق.. فقدان شخص عزيز.. التعرض لمرض خطير.. معاملة سيئة من الأهل.. التمييز بين طفل وأخيه.. أو الشعور بالوحدة والخوف وفقدان الأمان، بالتأكيد كلنا مررنا بإحدى هذه التجارب.. وربما بعضها وقد يكون كلها.
فالحياة تجارب ومعاناة، والأحزان فيها أكثر من الأفراح، فالفرح يمر فى حياتنا عابرا ويختفى، أما الحزن والخوف من كل شىء فهما باقيان معنا.هذا على المستوى الشخصى، أما على المستوى العام فقد يتعرض الإنسان لكوارث طبيعية كالزلازل والبراكين والفيضانات أو حوادث كسقوط الطائرات.. أو حروب وثورات وظروف بلد «ملخبطة» مثلما يحدث فى بلدنا الآن، فكلنا نعانى من القلق والخوف من بكره وفقدان الأمن والأمان، والخوف من المجهول ومستقبلنا ومستقبل أبنائنا.. نخشى على ضياع وطن وأمنه وسلامته وأمانه!
كل هؤلاء الذين يتعرضون لهذا الخوف والألم والمعاناة يعتبرون فى علم النفس «ضحايا يحتاجون إلى دعم ومساندة ومساعدة».وفى هذا الصدد صدر كتاب فى فرنسا بعنوان «من المعاناة والألم تتولد القوة»، وهو للكاتب الشهير والطبيب النفسى المعروف بوريس سيرولينك وهو منذ عام 0891 يؤلف كتبا نفسية عميقة كانت مرجعا لكثير من الناس والعلماء.ولكن ما معنى كلمة «القدرة أو فن مواجهة الأزمات»؟ معناها أن يتمكن الإنسان من الصمود أمام كارثة أو صدمة ما أو أزمة وأيضا القدرة على الخروج منها بسهولة وبصورة أكثر قوة.
ويقول د. بوريس: إن الإنسان لكى يخرج من أزمته وحزنه عليه أن: - يرفض ويتمرد على كونه ضحية لكارثة ما أو حزن ما. - ثم بعد ذلك عليه أن يحلم ويتمنى أن يخرج من هذا الكابوس الصعب وهو أقوى وأكثر إيمانا. - عليه أن يصمد ويرفض فكرة أن يرى الشفقة عليه فى عيون من حوله. - أما المرحلة الرابعة والأخيرة فعليه التحلى بروح الدعابة وألا يترك نفسه للحزن وممكن فى هذه المرحلة أن يساعد نفسه بتخطى ذلك باستخدام موهبة ما عنده كالرسم أو سماع الموسيقى أو الكتابة. فكل هذه الوسائل تساعد على استخراج الألم من داخل النفس وطرده منها نهائيا!ويؤكد د. بوريس أن القدرة على تحمل الألم والمعاناة وكيفية الصمود أمامها تختلف من شخص لآخر.. فهناك أشخاص أقوياء جدا بطبيعتهم والعكس صحيح!يقول أيضا إننا لا نعانى ونتألم أكثر مما مضى، بل أصبحت معاناتنا مختلفة وتتخذ أشكالا عديدة جديدة علينا.. فالكوارث الجديدة كثرت والأمراض أصبحت غريبة وشرسة أكثر من ذى قبل، أيضا الناس الآن أصبحت أكثر عنفا وشراسة فى تعاملها بعضها مع البعض، ومن الممكن أيضا أن تتعرض بسهولة لإهانة أو كلمات جارحة من زملاء فى العمل أو من أصدقاء وكل هذه الأشياء تسبب معاناة كبيرة لصاحبها، لذا هو يحتاج لمساعدة أو تعلم الأسس اللازمة لاجتياز هذا الألم.
وأكد د. بوريس أنه كلما تتطور البشرية وتتطور التكنولوجيا يزيد معها تعرضنا للألم والمعاناة لأن هذه الاختراعات تجعلنا ننعزل على أنفسنا ونعيش فى وحدة ونبتعد إلى حد كبير عن الحياة الأسرية والاجتماعية.وقال إن الحقيقة المؤكدة أنه فى مواجهة الألم عندنا كلنا اختياران إما أن نستسلم لها ونكون ضعفاء ويقودنا ذلك إلى المزيد من الألم والاكتئاب والوحدة، وإما نكافح ونقاوم فى سبيل الخروج من الكارثة أو الأزمة التى تعرضنا لها ونكون أقوياء، وهذا النوع أو ذاك يرجع لثقافة الشخص وبيئته وتربيته.. فإذا تعرض شخص مثلا عانى فى طفولته من سوء معاملة والديه وكبر وهو يفتقد الحب والحنان، فإنه حينما يواجه أزمة ما سيكون أكثر الأشخاص الذين سيتألمون لأن الكارثة الجديدة ستكون بمثابة فتح الجرح له من جديد.
وعندما يتعرض شخص لفقدان حبيب أو شخص عزيز مثلا فإنه يشعر بالخواء وفقدان الأمان والخوف، لذا فعلى الأشخاص المحيطين به أن يغمروه بالحب والحنان والاهتمام مهما يكون بسيطا فهذه اللفتات تكون عظيمة المعنى بالنسبة له.ويوكد د. بوريس أننا جميعا يجب أن نستفيد من أى تجربة قاسية، وكما نلاحظ فى المشاهير سواء نجوما أو كتابا أو مطربين، نراهم تألقوا فى موهبتهم بعد تعرضهم لكارثة أو صدمة قوية وخرجوا منها أكثر قوة وحبا للحياة!
ولو تعرضنا لصدمة نفسية حادة وكان سببها شخصا ما بعينه قد نشعر فى قرارة أنفسنا بأن نارنا لن تبرد إلا لو انتقمنا منه ونعذبه كما عذبنا، ولكن هذا هو الخطأ الكبير الذى يقع فيه أشخاص كثيرون فعلينا ألا نداوى غدرا بغدر وجرحا بجرح لأن هذا سيقودنا للمزيد من العذاب فعلينا أن نتعلم أن نسامح ونتناسى الإساءة لنكمل حياتنا بشكل صحى وسليم.
وبالتأكيد فإن مداواة الجرح ليست سهلة فالذكرى السيئة تظل محفورة فينا لفترات طويلة ولا يمحوها شىء سوى الزمن وندرب أنفسنا على سرعة الخروج من ألمنا ومصابنا، فعلينا أن ننغمس مع أشخاص نحبهم ونقوم بأعمال وهوايات نحبها كى لا نعطى أنفسنا الفرصة لتذكر الألم وعلى المقربين من هذا الشخص أن يغمروه بحبهم وحنانهم واهتمامهم ولا يتركوه وحيدا كى لا يعطوه الفرصة لتذكر ألمه.