احتفلت نساء مصر بيوم المرأة المصرية الذى وافق 16 مارس، حين خرجت أول مظاهرة نسائية تطالب بالاستقلال فى ثورة 1919 .وقبل أيام احتفلن باليوم العالمى للمرأة فى مسيرة حاشدة انطلقت من ميدان طلعت حرب وحتى دار القضاء العالى، للتأكيد على عدم سكوتهن على حقوقهن التى أهدرت منذ ثورة يناير وحتى الآن.كان المشهد مختلفا تماما بين المسيرة التى انطلقت بعد ثورة يناير فى نفس اليوم، وبين مسيرة مارس 2013 .عامان كاملان جرت فيهما مياه كثيرة فى نهر نضال المرأة المصرية، كان جديراً التوقف أمامه طويلا الآن.
«بقدر التراجع الذى حدث فى حقوق المرأة المصرية فى العامين الماضيين، بقدر ما توحدت صفوف النساء من أجل الدفاع عن هذه الحقوق، لا فرق بين المنظمات النسائية وبين المجلس القومى للمرأة».
هكذا وصفت الناشطة وعضو جبهة الإنقاذ د.كريمة الحفناوى، ماحدث لقضية المرأة خلال العامين الماضيين، موضحة أن النساء اعتقدن أنهن سينلن الكثير من الحقوق عقب ثورة يناير، بعدما شاركن فيها يدا بيد وكتفا بكتف مع الرجال، وسقطت منهن الشهيدات مثلهن مثل الرجال، وبعد مشاركتهن فى طوابير الانتخابات، لكن ما حدث كان على غير المتوقع.
ترى د.كريمة أن ما حدث لقضية المرأة وحقوق النساء كان بمثابة صدمة قومية، خاصة بعد أن تجاهل الدستور كل حقوق النساء، وألغيت المادة الخاصة بالمساواة، وبعد أن حذفت من قانون الانتخابات المادة المقترحة بوضع النساء فى الثلث الأول من قوائم الانتخابات. وكأن ماحدث فى مسيرة 8 مارس 2011 كان بداية لما حدث بعد ذلك، فقد تعرضت المسيرة للاعتداء والتحرش الممنهج غير المسبوق، وهو ما تكرر فيما بعد فى كل المظاهرات التى شاركت فيها النساء بعد ذلك، مما دفع الحركات النسائية إلى التجمع فى مسيرة بعنوان «لا مساومة على حقوق النساء» فى 41 أكتوبر الماضى لقصر الاتحادية، لتسليم اللجنة التأسيسية مشروع بقانون لحقوق النساء، وخرجت حركة نساء مصر التى جمعت كل المنظمات النسائية فى مسيرة 16 فبراير متبنية شعار «حقوقنا قبل أصواتنا»، ضمن حملة «يا ست الستات قاطعى الانتخابات».
وفى 8 مارس خرج النساء والرجال معا فى مسيرة اليوم العالمى للمرأة، تحت شعارات «أنا مش عورة أنا مش عالة.. الستات زى الرجالة»، و«أنا مش هدى صوتى للى سكت على موتى»، و«عايزة أشارك عايزة أغير إوعى تقولى عقلى صغير»، و«من غير شعارات ولا هتافات.. لينا الفخر إن إحنا بنات»، و«إوعى تخافى يا بهية.. مش هنفرط فى الحرية».
وتتفاءل الناشطة السياسية جميلة إسماعيل بجيل الفتيات الصغيرات، على اعتبار أنهن سيستطعن الوصول بالثورة إلى نهايتها، لأنهن استطعن فرض أنفسهن على الواقع الثورى، وليس الواقع السياسى فقط، كما تقول.
ونزلن حتى بعد أن تم الاعتداء عليهن بالتحرش الممنهج فى الميدان، ليدافعن عن حقهن فى التعبير والنضال السياسى، وهؤلاء سيصلن للبرلمان وسيغيرن الصورة المأخوذة عن المرأة فى البرلمان، متفائلة أيضا بأن الثورة ساهمت فى إلقاء الضوء على نضال النساء فى كل المحافظات وليس فى القاهرة فقط.
∎ المجلس والمنظمات إيد واحدة
«كنا نشارك فى كل المسيرات النسائية بعد الثورة بشكل شخصى، لكن الآن نشارك أيضا باسم المجلس، لأنه أصبح مستقلا عن النظام السياسى، واتحدنا مع المنظمات والحركات النسائية لأن معركتنا واحدة».
هكذا توضح عضو مجلس المرأة كريمة كمال، سبب توحد مجلس المرأة مع منظمات المجتمع المدنى فى معركة قضية المرأة، وتكمل: «قيادات المرأة فى الإخوان قالوا نحن نريد إلغاء المجلس القومى للمرأة ليتحول إلى مجلس للأسرة، وما منع أصحاب هذا التيار من تحقيق هدفهم هو الخوف من رد الفعل الدولى، عندما تصل للمجتمع الدولى صورة أن النظام ضد المرأة، ولهذا لن نمكنهم من تجميل الصورة على غير الحقيقة»، فى إشارة إلى تكليف رئيس الجمهورية للدكتورة باكينام الشرقاوى لرئاسة وفد مصر، فى اجتماع لجنة المرأة بالأمم المتحدة بأمريكا فى آخر لحظة، دون إعلام الوفد بذلك قبل السفر.
وقبل أيام قالت رئيسة المجلس القومى للمرأة مرفت التلاوى فى لجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة بنيويورك، إن النساء فى مصر تعرضن بعد الثورة لأنواع جديدة من العنف الاجتماعى والاقتصادى، منها استبعادهن من وضع الدستور، وإلغاء كوتة المرأة فى مجلس الشعب، ومحاولات التيار الإسلامى تغيير القوانين المنصفة للمرأة، إلى جانب التحرش الجنسى الجماعى لمنع النساء من المشاركة فى المظاهرات.
∎ المجلس لم يصمت
وتؤكد عضو مجلس الشعب السابقة وعضو المجلس سناء السعيد، أن المجلس لم يصمت على كل ما تعرضت له النساء خلال العامين الماضيين، وأعلن عن رفضه لعدم تمثيل المرأة فى لجنة كتابة الدستور، وعن التمثيل الضئيل لها فى الحكومة، وأعلن رفضه للدستور الذى جاء غير معبر عن آمالها، ولا يلبى طموحاتها فى النص بشكل صريح على حقوقها المتمثلة فى المساواة، وتجريم التمييز، وتفعيل قاعدة تكافؤ الفرص بين النساء والرجال.
واقترح المجلس ضرورة الاحتفاظ بالكوتة المخصصة للمرأة فى البرلمان لمدة دورة أو دورتين على الأكثر، وبإلزام الأحزاب السياسية بتحديد نسبة (30٪ على الأقل للمرأة) فى قوائمها الانتخابية، لكن لم تتم الاستجابة لمطالب المجلس.
وتكمل: وحين تصاعدت الدعوات من جانب أصحاب تيار الإسلام السياسى، التى أرادت من الحقوق التى سبق وأن حصلت عليها المرأة بعد كفاح طويل، استعان المجلس بالأزهر الشريف ووزير العدل وبعض أعضاء مجلس الشعب السابق، ودار الإفتاء للتصدى لتلك المقترحات، وأسفر ذلك عن القرار الذى اتخذه مجمع البحوث الإسلامية برفض التعديلات على قوانين الأحوال الشخصية فيما يتعلق بالخلع، ورؤية الأطفال، وسن الحضانة للأطفال وإثبات أن الشرع والدين والمواد الفقهية تتنافى مع تلك المقترحات.
واتفق المجلس والأزهر الشريف على إصدار وثيقة توضح مكانة المرأة فى الإسلام والحقوق والواجبات التى أقرتها الشريعة الإسلامية.
∎ المقاومة مستمرة
ويرى وزير الثقافة الأسبق د.جابر عصفور، أن أكبر فئتين خسرا فى ثورة يناير هما المرأة والأقباط، وعانيا من الاضطهاد والتمييز المضاد والاضطهاد الظاهر والخفى مما أدى إلى تأخر أوضاع النساء بالمخالفة للمواثيق الدولية والقوانين الوطنية.
ومع هذا يرى أنهما - المرأة والأقباط - يقاومان مثلما تقاوم جميع فئات الشعب ضد الاستبداد والعنف والتمييز، وستظل المقاومة بالمظاهرات والاحتجاجات قائمة ما بقى الإخوان مع حلفائهم فى السلطة.
أما أستاذة الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر د.آمنة نصير: فتقول كما قالت للرئيس محمد مرسى خلال لقائه بأعضاء المجلس القومى للمراة مؤخرا: إن المرأة فى الآونة الأخيرة قد تم اغتيالها نفسيا وحقوقيا، وانتقصت قيمتها ومكانتها وجزء كبير من حقوقها فى الحياة والدستور، فى عهدك، فى الوقت الذى جعل الله الإنسان مستخلفا فى الأرض، والخليفة والاستخلاف للمرأة والرجل، كأننا وجدنا فى هذه الآونة من جاء بأعراف وفقه متشدد خارج على الفقه الدينى، واعتلوا منابر الإعلام ليأخذوا المرأة إلى وضع أقرب من الجاهلية منه للإسلام.
وتوجه حديثها للمرأة قائلة: استعيدى الثقة والحب فى شرعك وشريعتك، ولا تتركى هذه الأقوال أن تبعدك عن حقوقك فى العلم وصنع السياسة والاقتصاد وكل أمور الحياة التى كلفت بها فى هذا الاستخلاف.