قامت الدنيا ولم تقعد عندما حصن الرئيس مرسى الجمعية التأسيسية من الحل، ثم تبعها بالإعلان عن الاستفتاء على نسخة الدستور التى أقرتها الجمعية. فى تلك اللحظات شعر الكثيرون أن أملهم فى تغيير المواد التى ثار خلاف كبير حولها قد تبدد، وأن لجان الاستماع التى عرضت فيها مقترحات لمواد منصفة للفئات الضعيفة فى المجتمع، من أجل تحقيق العدالة والحرية تجاهلت مواد الدستور حقوق المشاركة المجتمعية والرقابة والمحاسبة الشعبية، وإغفال النص على آلية للمراقبة والمحاسبة الشعبية والعدالة الاجتماعية، لم تكن إلا تمثيلية. مسودة الدستور التى حدد الاستفتاء عليها السبت المقبل مرفوضة من الكثيرين، لأنها لا تحمى حقوق النساء ولا الفلاحين ولا العمال، كما أنها تسمح باستغلال الأطفال، تحت مسميات كثيرة مضللة. قبل أن تذهب إلى صندوق الاستفتاء.. تأمل السطور التالية:
«الدستور الجديد لم ينص بشكل واضح على حقوق المرأة، لتصبح حقوقا مستقرة وثابتة، ولا تكون هبة أو منحة من رئيس أو برلمان وتزول بزوال النظام أو الحاكم أو نظام حاكم».
تلخص رئيسة المجلس القومى للمرأة مرفت تلاوى، بهذه العبارة رفضها للدستور، وتوضح أن اللغة المستخدمة فى صياغة وثيقة الدستور، تحمل ألفاظاً فضفاضةً دون تحديد واضح للمعنى، كما يتضمن عبارات لا محل لها، مثل المادة الأولى «مصر دولة مستقلة» أو «قيام النظام الديمقراطى على مبادئ الشورى»، فالمعروف أن مصر دولة مستقلة، وليس معروفا بالتحديد ما مبادئ الشورى ومن يحددها!!
وتشير التلاوى إلى أن ربط حقوق المرأة بأحكام الشريعة الإسلامية سيفتح الباب أمام استخدام آراء فقهاء المذاهب المتشددة، التى يمكن أن تبيح زواج الأطفال وختان الإناث وغيرها من الممارسات الضارة، بالإضافة إلى وضعها للشريعة الإسلامية، وكأنها فى حالة عداء مع المرأة وسبب لانتقاص حقوقها.
وتطالب التلاوى فى بيان صدر عن أعضاء المجلس بالنص على «تلتزم الدول باحترام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التى صدّقت عليها»، وبالنص على أن سن الطفل فى الدستور محدد حتى 18 سنة لا يقل عن ذلك طبقا لاتفاقية الأممالمتحدة وكذلك القانون الوطنى فى مصر الخاص بالطفل، وتحظر الدولة عمالة الأطفال وترفض العنف ضد الطفل، وتلتزم الدولة بتوفير التأمين الصحى للأطفال.
كما تطالب بالنص على أن «تجرّم الدولة الاتجار فى البشر، ولا تسقط جرائم الاتجار فى البشر الدعوى العمومية الناشئة عنها بالتقادم»، وعلى أن «تحظر الدولة جميع أشكال التمييز، وإنشاء آلية وطنية لمراقبة التمييز وإصدار تشريع يتصدى له باعتباره جريمةً يقدم من يرتكبها للمساءلة.
قراءة مجلس المرأة للدستور كشفت أنه يخلو من النص على مبدأ المساواة فى الحقوق والواجبات، كما جاءت فى دستور 1971 قبل تعديل المادة عام 1980 وإضافة الإشارة إلى أحكام الشريعة، وأنه خلا أيضا من مادة تلزم الدولة بأن تراعى مصلحة الأسرة عند وضع سياساتها الاقتصادية والاجتماعية، وبوضع برنامج قومى لمكافحة الفقر ومواجهة البطالة خاصةً بين النساء والشباب، بما يمكن الأسر الفقيرة ومحدودة ومعدومة الدخل من وسائل العيش الكريم فى كافة المناطق العشوائية والصحراوية والنائية، وتوفير الرعاية الاجتماعية والصحية وجميع صور الرعاية الأخرى.
ومن بين النصوص التى يطالب أعضاء المجلس بإضافتها ويخلو منها الدستور الجديد: «تجرّم الدولة حرمان المرأة من حقها الشرعى فى الإرث»، وأن «تضمن الدولة وضع إجراءات ملزمة لتمثيل المرأة فى الحياة السياسية وفى المجالس النيابية المنتخبة تمثيلاً متوازياً مع عددها ودورها فى المجتمع، ويشترط لصحة تشكيل القوائم الحزبية، أن تتضمن نسبة 30٪ للمرأة».
تجاهل لجان الاستماع أما مديرة المركز المصرى لحقوق المرأة، المحامية نهاد أبو القمصان، فترفض الدستور الجديد، لأنه لا يمثل المرأة المصرية، ويهدر حقوقها كمواطن وشريك فى الوطن، وتجاهلت نصوصه كل نتائج جلسات الاستماع التى عرض فيها ممثلو الحركة النسائية اقتراحات لمواد تساهم فى ضمان حقوق المرأة، ومعالجة التمييز ضدها.
وقالت إن مواد الدستور جاءت صادمة وتتعامل مع النساء من منظور أنها مفرخة للأطفال ودورها الأول الخدمة المنزلية، ولم يرد للمرأة ذكر فى الدستور سوى فى المادة 10 والتى تنص على أن الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها، وترسخ قيمها الأخلاقية وحمايتها وذلك على النحو الذى ينظمه القانون، وتكفل الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها العام، وتولى الدولة عناية وحماية للمرأة المعيلة والمطلقة والأرملة.
وتعلق أبو القمصان على المادة بقولها: تحتوى هذه المادة على عدد من المشاكل، منها استخدام ألفاظ عامة ومطاطة وغير قابلة للقياس فى الحديث عن الأسرة أو الأخلاق، ووضع الحفاظ عليهما مسئولية مشتركة للدولة والمجتمع مما يفتح الباب واسعا لجماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، لاستهداف النساء حتى فى الشارع.
كما أن هذه المادة من وجهة نظر مديرة المركز تعد دعوة لعودة المرأة للمنزل، على اعتبار أن مسئولية الدولة هى دعم المرأة فى التوفيق بين واجباتها المنزلية التى جاءت فى المرتبة الأولى، وعملها فى المجتمع الذى جاء متأخرا. يستغل الأطفال
وأشارت نهاد إلى أن المادة 57 التى تتحدث عن حق التعليم، حددت فقط التزام الدولة بتعليم الطفل حتى الفترة الإلزامية أى سن 14عاما، على الرغم من توقيع مصر على اتفاقية حقوق الطفل والتى تؤكد أن سن الطفولة ينتهى عند 81 عاما، مما يعنى إهدار حق الطفل فى التعليم لمدة 4 سنوات.
الكثيرون أيضا رفضوا المادة 76 من الدستور التى تنص على أن «لكل طفل الحق فى اسم مناسب ورعاية أسرية، وتغذية أساسية، ومأوى وخدمات صحية، وتنمية وجدانية ومعرفية ودينية، وتلتزم الدولة برعايته وحمايته عند فقدانه البيئة الأسرية، وتكفل حقوق الأطفال ذوى الإعاقة، وتأهيلهم وإندماجهم فى المجتمع، ويحظر تشغيل الأطفال قبل تجاوزهم سن الالزام التعليمى، فى أعمال لاتناسب أعمارهم، ولايجوز احتجازهم إلا لمدة محددة، وبعد استنفاد جميع التدابير الأخرى، وتوفير المساعدة القانونية، ويكون ذلك فى مكان منفصل يراعى فيه الفصل بين الجنسين، وتفاوت الأعمار والبعد عن أماكن احتجاز البالغين''.
وترفض د. هدى بدران، رئيس رابطة المرأة العربية، مواد الدستور لأنه كبل حق المرأة فى المساواة بقيود مستمدة من ميراث فقهى متشدد، وضع لمجتمعات أخرى فى أزمنة أخرى، كما أنه تجاهل حقوق الأطفال فى الحماية من العنف والاستغلال الاقتصادى والتمييز ضد الطفلة فى قضايا زواج الاطفال، والختان، ومنعت الطفل من ممارسة حقه فى التعبير عن رأيه فى القضايا التى تخصه.
وتستنكر هدى تجاهل مواد الدستور حقوق المشاركة المجتمعية والرقابة والمحاسبة الشعبية، وإغفال النص على آلية للمراقبة والمحاسبة الشعبية، وإغفال حقوق الأطفال والمعاقين، والعمال والفلاحين وغيرهم.
وقال هانى هلال أمين عام الائتلاف المصرى لحقوق الطفل، أن الدستور الجديد ضد حقوق أطفال مصر ولا يحمى أى من الحقوق الأساسية لأطفالنا، كالحماية من العنف والإهمال وسوء المعاملة، وهى تلك الفقرة التى حذفت من المسودة الأولى للدستور، والتى سوف تتيح زيادة حالات العنف ضد أطفالنا فى كل المواقع والمؤسسات، خاصة التعليمية.