عندما كتبت الثلاثاء الماضى عن «المراهقة السياسية.. ومحاولة إسقاط الدولة».. كأنى كنت أقرأ الغيب.. أو أتنبأ بما حدث فى محيط ميدان العباسية ووزارة الدفاع بدءا من الثلاثاء الماضى وحتى مساء الجمعة بعد إعلان حظر التجول والسيطرة على الشارع بعد اعتصامات واشتباكات دامية بين بعض القوى الثورية المتشرذمة وبين الشرطة العسكرية وقوات الجيش. وقد كتبت أن هناك بعض القوى السياسية والدينية التى تحبو سياسيا تحاول أن تحدث أفعالا من شأنها تعطيل إنهاء المرحلة الانتقالية.. وأن هذا يحدث دائما طوال الفترة الماضية كلما خطونا خطوة فى هذا الاتجاه.. فحدث ذلك الصدام فى أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء قبل الانتخابات التشريعية وهاهو يحدث مرة أخرى قبل انتخابات الرئاسة.. وهى المرحلة شبه الأخيرة فى هذا التحول الديمقراطى وتسليم البلاد لسلطة مدنية ما لم يكتب الدستور ويوضع قبل الانتخابات الرئاسية.
بالقراءة والمتابعة الدقيقة لما حدث فى العباسية تجد أنك أمام سيناريو واحد ومخطط ممنهج بدقة لإحداث الفوضى وإسقاط الدولة بكياناتها القوية.. حتى يمكن لبعض التيارات القفز على كرسى السلطة والحكم.. وللأسف فهى تختار أن تحدث الصدام بطريقة تصاعدية.. ومع الذين يشكلون الوظائف الأساسية للدولة.. ويحفظون كيانها وهيبتها.
والحقيقة أن أى دولة مهما كانت.. ومهما كان النظام الذى يحكمها لها وظائف أساسية لها الأولوية القصوى، وهذه الوظائف أو المهام لا يجوز المساس بها على الإطلاق تحت أى مسمى وأى شكل وبعيدا عن أى نظام سياسى سواء كان جمهوريا أو ملكيا ديمقراطيا أو ديكتاتوريا.. عسكريا أو بوليسيا.. هذه الوظائف الأساسية هى التى تحمى كيان الدول وتصنع هيبتها وتؤكد صلابتها وتماسكها.. هذه الوظائف هى الدفاع وهى مسئولية القوات المسلحة، والأمن وهى مسئولية الشرطة وأخيرا القضاء.
فالهجوم الذى حدث ويحدث حاليا هو يحاول تقويض هذه الوظائف تحت أى مسميات أو دعاوى، وأيضا محاولة إضعافها فتضعف الدولة.. وكذلك محاولة التشكيك فيها وفيمن يمثلونها.. وفى مواقفها من الشعب فتحدث الانقسام والوقيعة وعدم الثقة بينها وبين الشعب.. كانت الخطوة الأولى ضرب الداخلية والشرطة.. وحتى الآن لم تقم للأمن قائمة قوية فى مواجهة البلطجة والفوضى.. وعشنا ساعات وأيام وأسابيع الرعب خوفا من عواقب الانفلات الأمنى.. والآن يحاولون ضرب الجيش بالتشكيك فى نواياه واتهامه بمحاولة الاستيلاء على السلطة.. وإطالة الفترة الانتقالية.. والغريب أن الذين يدعون هذا هم أول من استفادوا من الفترة الانتقالية، وهم الذين سيطروا على الساحة الآن.. لكنهم يرون أن الجيش والمجلس العسكرى الآن هو العقبة الوحيدة أمام استكمال سطوتهم الكاملة على الحكم بدءا من مجلسى الشعب والشورى ومرورا بالحكومة والدستور.. وأخيرا رئاسة الجمهورية.
التشكيك وعدم الثقة لم يسلم منهم القضاء المصرى أيضا، وهو ثالث الأعمدة الرئيسية التى يقوم عليها كيان الدولة.. فتارة يتهمونه بالتدخل فى أعمال البرلمان.. وتارة يشككون فى نزاهة لجنة الانتخابات الرئاسية المشكلة كلها من قضاة يمثلون أعلى السلطات القضائية فى مصر.. ويستبقون الأحداث ويشككون فى سلامة ونزاهة الانتخابات الرئاسية.. بل يعلنون أنه لو حدث تزوير فهم سينزلون إلى الشارع مرة.. والسؤال: لماذا لم يقولوا هذا عندما نجحوا فى انتخابات الشعب والشورى بأغلبية مكنتهم من السيطرة على البرلمان وعلى الساحة السياسية؟.. وللأسف لم يبق شىء فى مصر من هذه الكيانات الباقية لنا على الساحة إلا وشككوا فيها.. وذلك لإرهاب القائمين على البلاد من جيش وشرطة وقضاء للوصول إلى سدة الحكم.. هل تستطيعون أن تروا مستقبل مصر أكثر سوادا وأكثر ديكتاتورية مما كنا عليه؟!
إن ما حدث أمام العباسية والتربص والتهييج ضد قوات الجيش ومحاولة اقتحام وزارة الدفاع، بل التحريض بالقبض على أعضاء المجلس والذى خرج على لسان أحد الدعاة فى إحدى القنوات الفضائية الدينية لهو الفتنة بعينها.. لكن الأخطر من ذلك أنه كشف أيضا عن محاولة البعض من مرشحى الرئاسة استثمار هذا الحدث من أجل الأصوات الانتخابية.. ومطالبة المجلس العسكرى بحماية المعتصمين والمهاجمين لوزارة الدفاع حتى وهم يحاولون اقتحام وزارة الدفاع.. ما هذا التهريج؟!.. ما هذه الفوضى؟!.. لقد استفزنى بعض المتحدثين عن التيار السلفى والموالين لحازم صلاح أبوإسماعيل والذين استضافتهم برامج «التوك شو» تباعا.. وأحدهم هو حسام أبوالبخارى الذى قال قبل أن تسألوا ماذا أتى بكم إلى وزارة الدفاع؟.. السؤال هو لماذا أريقت الدماء أمام وزارة الدفاع؟.. ومن أطلق البلطجية على المعتصمين فى العباسية؟.. المنطق المعكوس والمغلوط أصبح هو الذى يحكمنا؟.. أيضا جمال صابر المتحدث باسم الشيخ «المزور» قال نفس الكلام، وسار على نهجه للأسف أعضاء مجلسى شعب وشورى وقوى ثورية، إن حق الاعتصام مكفول حتى فى المكان الخطأ.. والزمان الخطأ.. كيف هذا وفى أى دولة من دول العالم يحدث هذا؟!.. حق الاعتصام السلمى مكفول بشروط ألا يعيق المرور وألا يعطل مصالح الناس.. وألا يشكل تهديدا أو خطرا على الأمن العام وسلامة المجتمع، فهل اعتصام العباسية والاعتصامات التى من قبله تحققت فيها هذه الشروط؟!.. اسألوا شارع الشيخ ريحان وقصر العينى ومنصور وهذه الشوارع المغلقة منذ أربعة أشهر بسبب الأحداث.. اسألوا مستشفى عين شمس.. واسألوا جامعة عين شمس والوزارات والهيئات الخدمية التى تعمل فى العباسية وكم تأثرت بأحداث العباسية، اسألوا أهالى العباسية الذين عاشوا ساعات الرعب من هجمات الملتحين والسلفيين التابعين لأبوإسماعيل والمحال التى تكسرت والأعمال والمصالح التى توقفت وأبواب الرزق التى أغلقت من أجل مصالح شخصية.. وتعديل المادة 28 وتسليم المجلس العسكرى للسلطة والأهم من ذلك ما خرج على لسان مرشحى الرئاسة بتسليم السلطة لمجلس رئاسى يتكون من ال31 مرشحا للرئاسة.. ما هذا العبث؟.
إننا أمام مظاهر استعراض قوة وصراع على السلطة ولعل آخر مظاهر استعراض القوة ومحاولة الهيمنة التى يمارسها مجلس الشعب نفسه هو ما أعلنه الكتاتنى باتفاقه مع المجلس الأعلى بضرورة إقالة الحكومة.. وجعلها حكومة تسيير أعمال فقط.. يا سلام! هل هذا هو الحل العبقرى الذى أتى به البرلمان لإظهار سطوته وقدرته على إقالة الحكومة.. هل هذا هو الحل العملى لإقالة حكومة لم يبق على انتهاء مدتها أقل من 50 يوما.
والمظهر الآخر هو معايير تأسيسية الدستور.. فمنذ 71 مارس موعد انعقاد مجلسى الشعب والشورى لانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور، ونحن نسير فى دائرة لا نهاية لها عطلتنا 06 يوما تقريبا عن وضع الدستور.. ومازالت الخناقة مشتعلة.. المجلس العسكرى يريد إصدار إعلان تكميلى لوضع معايير التأسيسية والبرلمان يؤكد أن هذا حقه.. لا يا سادة ليس هذا حق البرلمان. البرلمان لا يصنع دستورا.. والبرلمان المشكوك فى سلامته وصحته لا يضع معايير لانتخاب جمعية تأسيسية.. البرلمان يشرع فقط.. ويراقب فقط.. ويعدل القوانين فقط.. واقرأوا الدساتير القديمة والحديثة.. وأيضا اقرأوا دساتير العالم.. إننى أطالب كل القوى السياسية والأحزاب والبرلمان.. الجميع عليهم أن يتقوا الله فى مصر.