أكتب هذه السطور بمثابة «شهادة نهاية العمر» بعد سنوات طويلة من الخوف الشديد الساكن فى أوردتى وشرايينى على مصر ومستقبلها من الانكسار حتى وهن العظم منى واشتعل الرأس شيباً، لأن العصر الذى نعيش فيه هو عصر «الوحوش المفترسة» والكوارث المدمرة بفعل فاعل، وسيطرة قوى الشر فى العالم، وحروب المستقبل والدمار الشامل بأيد بشرية. والمخيف أنه فى كل يوم تزداد فية حضارة الإنسان توحشاً وافتراساً، يدفع الجهلاء وأعداء العلم الثمن فادحاً، ولذلك إذا لم نؤمن «بالعلم» وبأن مواجهة الأزمات والكوارث قضية حياة أو موت؟!فسنظل نعيش كما نحن الآن فى «قبور النسيان»!
يخطئ من يتوهم أن مصر فى مأمن من الأزمات وحروب المستقبل والكوارث، فقد تعرضت مصر لعدد من «الزلازل» المدمرة عام «9691 -2791 - 2991»، وعدد «6 سيول» فى الفترة من «9791 إلى 7991» توزعت بين سيناء ومحافظات الصعيد، كما تعرضت مصر «للأعاصير» وبعض العواصف الترابية التى تمنع الرؤية وتتسبب فى غلق الموانئ والمطارات، «والجفاف» وهو من الكوارث التى أصابت مصر حيث ضربت القارة الإفريقية موجة عاتية من الجفاف مدة عشر سنوات فى الفترة ما بين «7791 - 7891» وتأثرت مصر بها تأثراً شديداً، وفى الفترة الأخيرة تعرضت مصر لغزو الجراد والحشرات الضارة، وكذلك الأمراض الوبائية مثل أنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير وغيرهما».
* الأزمة أو الكارثة
هى حدث مفاجئ واضطراب مأساوى فى حياة أى مجتمع، قد يكون بفعل الطبيعة أو من صنع البشر، وفى الحالتين يهدد الأمن القومى للبلاد، ويخل بالتوازن الطبيعى للأمور، فالكارثة هى ما يسبب الزلزال أو السيول أو الإعصار من دمار وخراب وتشريد للمواطنين، وانهيار وشلل للمدن والبلدان التى ضربتها الكارثة، فهى تدمير للبشر والمنشآت والماديات وكل شىء، وتهدد الأرواح والممتلكات وتسبب إصابات خطيرة ووفاة الآلاف من البشر، وتشريد أعداد كبيرة تفوق قدرة وإمكانات أجهزة الطوارئ المختصة والسلطات المحلية فى التعامل معها وهو ما يشكل تحديا صعباً فى اتخاذ القرار، خاصة أن معظم الكوارث الآن «مصطنعة» أى من صنع البشر وغالباً ماتكون بفعل فاعل أو بأيدى قوى الشر فى العالم.
*خريطة المخاطر.. وفن السيطرة
لاشك أن مواجهة الأزمات والكوارث والوعى بها يعد أمراً ضروريا لتفادى خسائر كبيرة فى الأرواح والممتلكات.. فهل لدينا فى مصر هذا «التحدى» لمواجهة أى كارثة؟! إن دول العالم كله تؤمن بأن إدارة الكارثة هى «فن السيطرة» من خلال رفع كفاءة وقدرة نظام صنع القرارات، سواء على المستوى الجماعى من الأجهزة والمسئولين والقيادات وأيضاً على المستوى الفردى للمواطنين، لأن الكارثة تحدث بصورة مفاجئة تكون سريعة جداً وأحداثها متتابعة وعلى درجة عالية من التوتر والاضطراب، مما يضع المسئولين على درجة كبيرة على درجة كبيرة من التحدى لأن مواجهتها تستوجب ابتكارا وأساليب ونظما غير مألوفة مما يحتم الإبداع والتجديد فى المواقف العصيبة، وتوظيف أمثل وأفضل للطاقات والإمكانيات المتاحة، فضلاً عن حاجتها إلى نظام اتصالات على مستوى عال جداً.
الرائع فعلاً أن كل دول العالم لكى تواجه الكوارث لا تنتظر وقوع الكارثة، وإنما لديها ما يسمى ب«خريطة المخاطر» وإدارة ورصد المخاطر المتوقع حدوثها بسبب هذه الكارثة وحجمها ودرجة تأثيرها والإجراءات المتبعة حيالها، واتخاذ الاحتياطات الملائمة لتفادى الخسائر الجسيمة المترتبة على وقوعها والتخفيف من اثارها الضارة، ولا يتحقق ذلك لمواجهة الكوارث إلا من خلال ثلاث مراحل رئيسية الأولى وهى «ما قبل الكارثة» وذلك بإعداد الدراسات والبحوث المتعلقة بالكوارث التى حدثت فى مصر واستخلاص الدروس المستفادة، والتنبؤ بالكوارث القابلة للتكرار وعمل الدراسات وأفضل السبل لمواجهتها، والاهتمام بالتثقيف لأفراد المجتمع، والتدريب على كيفية أداء الأدوار المطلوبة لعناصر المجتمع المختلفة والتعاون مع الأجهزة التنفيذية، ووضع خريطة بالإمكانيات المتاحة فى كل منطقة جغرافية، أما المرحلة الثانية فهى «أثناء الكارثة» وذلك بحصر الخسائر وتقديم مواد الإغاثة المطلوبة، والتخفيف عن المواطنين من خلال جلسات التفريع النفسى، وأخيراً المرحلة الثالثة وهى «مابعد الكارثة» والتى يتم فيها تقديم الرعاية العاجلة للمتضررين، والإسكان المؤقت بإنشاء معسكرات الإيواء، وإعادة التأهيل للمتضررين بالتعويضات المتاحة والتأهيل النفسى.
* مصر.. ومواجهة الكارثة
هل نحن فى مصر لدينا الوعى والفكر والاستعداد للأزمات والكوارث من أعاصير وزلازل وفيضانات وسيول وانتشار أوبئة قاتلة وأمرض مميتة وحروب المستقبل التى تهدد الأمن القومى؟ هل لدينا المعلومات التى تعطينا إشارات «إنذار مبكر» بكارثة وشيكة؟ أى جمع المعلومات عن الكارثة واحتمالات تطورها وامتدادها؟ والقدرة على تحليل المعلومات ووضع خطط إدارة الكارثة وخطط الطوارئ؟ وتحديد الإمكانيات المتوافرة لمواجهة الكارثة؟ هل نستطيع اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة من توفير وسائل الأمن والسلامة ووضع الإجراءات المناسبة لتطبيقها، هل نملك «فريق الأزمة» بكل جهاز حكومى يستطيع أن يعمل على المستوى المحلى والإقيلمى والدولى؟ هل لدينا قواعد لتجنب ضغوط الأزمة والكارثة بوضع المشكلة الحقيقية للكارثة فى حجمها الطبيعى على المدى القصير والطويل؟ وافتراض الأسوأ لأن فى الكوارث يكون هناك مصابون وضحايا وموتى وخراب وهلاك وخسائر فادحة وأنه يلزم بعض الوقت لعودة الأمور إلى حالتها الطبيعية.
* هل نملك فى مصر القدرة على مواجهة الكارثة والتعامل معها؟ هل نستطيع احتواء الأضرار الناجمة عنها والحد منها ومنعها من الانتشار فى أماكن وأجزاء أخرى؟ هل نملك تحديد بدائل مواجهة الكارثة وتقييم كل بديل وتنفيذ المناسب منه والتنسيق مع كل الأجهزة المساعدة فى مواجهة الكارثة؟ هل نقوم بنشر ثقافة الأزمات والكوارث وكيفية التعامل معها ومواجهتها سواء فى المدارس والجامعات وكل أجهزة الدولة؟ هل نؤمن فى مصر أن إدارة الأزمات والكوارث هى إدارة مادية وبشرية وأخلاقية وروحية معاً؟ هل نؤمن بأنها إدارة تفاعل مستمر وأنها جزء منا، كما أننا جزء منها وأنها ترتبط بنهضتنا العلمية والفكرية ومعرفتنا الإنسانية وحياتنا وإرادة التقدم لمصر؟!
* وبعد
للأسف نحن نعيش فى عالم يوصف بأنه «عالم الأزمات والكوارث» تقوده قوى الشر فى العالم لتؤثر فى الإنسان وحياته، وتغير تاريخ الشعوب والمجتمعات، فهل نحن فى مصر منتبهون ومدركون لهذا «التحدى الكبير»؟! أم أننا نستمتع «بالغيبوبة» التى نعيش فيها ونتلذذ بالاستغراق فى التفاهات و«القضايا العبيطة» التى أطاحت بالعديد من الحضارات الإنسانية؟!
وصدق «جوبلز» وزير الدعاية الألمانى عندما قال «لهتلر»: «أعطنى إعلاما بلا ضمير.. أعطك شبعا بلا وعى»!! فمتى نسترد وعينا؟!
لأن الخوف كل الخوف أن تصبح إدارة الأزمات والكوارث بالنسبة لنا ليست قضية «حياة أو موت» وإنما قضية «موت فقط»!! بينما للأسف وهذا هو المحزن هى فى كل دول العالم قضية «حياة فقط»! لأن الإنسان عندهم هو أغلى شىء فى الوجود بينما عندنا هو أرخص شىء على الإطلاق! فنحن لا نؤمن بنعمة الحياة ولا نشعر بأهميتها ولا قيمتها لا من قريب ولا من بعيد.. وسبحان من له الدوام.