مفاعل مصر لن يذهب إلي فرنسا بالحديث عن «خطة التطهير الديني» من المؤكد أن حديث الرئيس الفرنسي (نيكولا ساركوزي) في يوم 7 يناير بمناسبة عيد الميلاد المجيد عن (مخطط إجرامي) لتفريغ منطقة الشرق الأوسط من المسيحيين ب(التطهير الديني).. هو كلام عكس موقفه الداخلي المتدهور.. خاصة أنه يواجه ظروفًا سياسية صعبة.. بعد أن تعرض لاحتجاجات مهولة بسبب إجراءات مختلفة.. لا تقف فقط عند حد الاعتراض العنيف علي مشروع (التقاعد).. وإنما تشمل أمورًا أخري.. إلي الدرجة التي تدفع كثيرين للحديث عن أنه قد لا ينال التجديد مرة أخري في منصب الرئيس.. ولو عدل في سياساته.. الفرنسيون في غالبيتهم يرفضونه والكثيرون يكرهونه. حين لا يحصل الرئيس ساركوزي علي فترة رئاسية ثانية، سوف يكون هذا خطيرا جدًا علي تاريخه السياسي، إذ قد يكون الأول من بين رؤساء فرنسا الذين لم يحققوا ذلك.. مقارنة برؤساء مثل ديستان وميتران وشيراك وكانوا رؤساء فرنسيين عظماء.. لم يواجهوا هذا القدر من الاحتجاج والرفض المزعج والتاريخي. ساركوزي رئيس فرنسي صديق لمصر، وبين باريس والقاهرة علاقات عميقة ومتشعبة المصالح، لهم احتياجاتهم ولنا احتياجاتنا، وفي مصر (بيزنس فرنسي) كبير.. لا يقف عند حدود العمليات المكلفة بها الشركات الفرنسية في مترو الأنفاق.. ويمتد كذلك إلي آمال فرنسية منعقدة علي أن تنال فرنسا مناقصة المفاعل النووي المصري، بعد ان خسرت مفاعل الإمارات.. ويقول الخبراء إن فرنسا إذا لم تنل مشروع المفاعل المصري فسوف تنهار صناعة المفاعلات الفرنسية برمتها ..وسيكون ذلك سبة كبيرة في تاريخ ساركوزي . موضوع المفاعلات هذا له ابعاد مختلفة، الجانب الأهم فيها سوف يكون فنيا، وله معايير عديدة.. وسوف أعود إليه فيما بعد.. غير أني أبقي اليوم مع مقولة ساركوزي غير الموفقة والمرفوضة. الرئيس الفرنسي الصديق مطلوب منه توضيح.. ويجب عليه أن يراجع مستشاريه الذين كتبوا له الخطاب.. إذ ربما لم يقصد ما قال.. لأنه لا يصدر عن سياسي ساذج يعرف معاني الكلمات ويزن قدرها وأهميتها. لقد تحدث ساركوزي عن (مخطط) وهذه كلمة غير صحيحة علي الإطلاق. لأنه أولاً لا توجد في مصر جماعات تستهدف تهجير المسيحيين وطردهم بالتطهير الديني.. كما أنه لا يوجد منهج في الدولة يقود إلي هذا الكلام الفارغ وغير الممسك بالمعاني السليمة.. حدث إرهاب في مصر. رفضه الجميع من كل الفئات. ولو كان مستشارو ساركوزي متيقظين لنبهوه قبل كلمته إلي أن مصر كلها احتفلت بعيد الميلاد ..واحتشد المسلمون في الكنائس بجانب المسيحيين رغم الظروف الأمنية المتفهمة.. وفي كل أنحاء مصر كانت هناك وقفات منددة بالارهاب لو اطلع عليها ساركوزي لأدرك أنه أخطأ وأفلت منه عيار خطابه. لقد أقر ساركوزي أن 44 % من المواطنين الفرنسيين يعتبرون دينًا آخر تهديدًا لدولتهم.. وفي فرنسا تقول استطلاعات الرأي ذلك ضد الإسلام وقد استشهد بها ساركوزي رافضاً معناها.. دون أن يدرك خطورة ذلك علي مجتمعه.. وأنه يعني الرغبة المعنوية في التطهير.. فأي شخص يعتبر أمرًا ما تهديدًا له لا بد أنه يريد أن يتخلص من عبئه.. مصر ليست كفرنسا.. مصر لا تعتبر أي دين تهديداً لها. كما أن حديث الخارجية الفرنسية عن أنها تجد في حادث الإسكندرية مبررًا لمنح اللجوء الديني للمسيحيين المصريين.. هو كلام لا بد أن نقف عنده.. ففي كثير من الأحيان منحت التأشيرات واللجوء من قبل علي هذا الأساس.. وتفعل دول كثيرة هذا.. ومنها كندا واستراليا.. دون أن يكون هناك ما يدعيه الآن الفرنسيون واليمينيون الأوروبيون بخصوص مبررات المنح.. وإنما هناك سياسة تتبع للتحفيز والتشجيع في اتجاه الهجرة.. بدون أن يكون ذلك مبررًا. إن مسيحيي الشرق الأوسط ليسوا قواما واحداً. ومع كامل إدانتنا لأحداث الإسكندرية.. ورفضنا الكامل لكلام ساركوزي.. فإننا لا بد أن نذكره بأن في مصر ما لا يقل عن 10% من المسيحين.. هؤلاء مثلا لا يقارنون ب2% من المسيحيين من سكان العراق.. كما أنهم لا يقارنون من حيث العدد والمذهب بالأغلبية المسيحية في لبنان التي يختار منها الرئيس.. لو كان ساركوزي قد نسي أبسط المعلومات. كلهم مسيحيون عرب يرمز لهم الصليب ولكن أوضاعهم متباينة.. وفي العراق هناك مشكلة كبيرة سببتها للمسيحيين جماعات اختلقت في مجتمع تعمه الفوضي بسبب التدخل الغربي.. وعملية غزو قوضت الدولة.. ولم يكن هناك معاناة من هذا النوع قبل ذلك لهم.. فمن يا تري يسأل عن ذلك.. أهم الإرهابيون وحدهم.. أم من ساندوا وجودهم.. وخلقوا البيئة من أجل أن يزدهروا؟! لا يوجد (تطهير ديني) في مصر، التطهير هو الذي جري للمسلمين في البوسنة والهرسك وصربيا.. وكان منظمًا من قبل قومية ودولة.. والتطهير هو الذي حدث في رواندا لأسباب عرقية.. والتطهير هو الذي حدث في ألمانيا النازية.. فهل فقد الرئيس الفرنسي القدرة علي أن يفرق بين الكلمات ولا يقيم قيمة المصطلحات.. خصوصًا وهو يتكلم عن دول صديقة بينه وبينها علاقات وطيدة ومصالح عديدة. ننتظر من كل هؤلاء اليمينيين في أوروبا، سواء كانوا رؤساء أو وزراء، أو كانوا أصدقاء وغير ذلك، يعرفون ما يقولون أو انجرفوا إليه، يفهمون الكلمات أو يحتاجون إلي مراجعتها، أن ينتبهوا إلي مواقفهم، وألا يكونوا عامل تحفيز قاصداً إلي إلهاب الفتنة الطائفية في مصر. www.abkamal.net [email protected]