اليأس والقنوط هما مشاعر إنسانية قد يصاب بهما الفرد في بعض الأحيان لأسباب مختلفة، ولعوامل متعددة .. وهما يصيبان الإنسان بالعجز عن الفعل، ويجعلاه يشعر بأنه مقيد، وعاجز، وفاشل، وغيرها من " حزمة" المشاعر التي إن سيطرت علي فرد جعلته نسياً منسياً .. ولذلك دعا رب العزة الإنسان إلي عدم القنوط " قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله"، وإلي استنكار من يميل إلي هذا السلوك " قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون" وأيضاً "ولا تيأسوا من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ". وعلي الرغم من خطورة سيطرة مشاعر اليأس والقنوط علي الأفراد، فإن الأكثر خطورة هو أن يكون هناك اتجاه بين الناس يميل إلي تقنيط وتيئيس بعضهم بعضاً.. ففي هذه الحالة يتحول الخاص إلي عام، وتتحول الحالات الفردية إلي وباء اجتماعي.. وإذا سيطر هذا الوباء النفسي علي أمة من الأمم كان بداية طريقهم إلي الزوال. وفي سورة يوسف، إشارة قرآنية بديعة إلي هذا المعني، إذ أشار المولي سبحانه وتعالي إلي الحال الذي بلغه أخوة يوسف بعد أن تم القبض علي أخيهم بتهمة سرقة تاج الملك " فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا" .. والمعني أن كل واحد منهم قد بث اليأس في نفس الآخر، وجعله يعتقد بعدم جدوي ما يقوم به من جهد .. ولذلك فشلت مساعيهم للإفراج عن أخيهم. ولذلك، وفي سورة أخري (سورة آل عمران)، يدعو الله المؤمنين إلي أن يصبروا علي الأذي، وأن يعينوا الناس علي الصبر "يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون " إذ ليس مهماً للفرد فقط أن يصبر، ولكن المهم كذلك أن يدعو الآخرين إلي ذلك، وأن يتقوي كل منهم بالآخر.. فهذا هو الطريق الأصوب لبقاء الحالة الشعورية ولاستمراريتها. وفي أيامنا هذه، يتلذذ البعض بدعوة الناس إلي اليأس، بدعوي أنه لا أمل في الإصلاح، ولا أمل في التقدم .. والغريب أنهم يحشدون كل قواهم لنشر هذه الدعوة، معللين ذلك بأن اليأس هو السبيل إلي السخط، والسخط هو بداية الطريق نحو التغيير المنشود .. وهو منطق غريب، وأسلوب غير مألوف لمعالجة حالة إنسانية ومجتمعية مألوفة. طريق التغيير والإصلاح لا يبدأ من اليأس، وطريق النجاح لا يبدأ من القنوط .. بل من الأمل، ومن الاعتقاد في أن كل شيء قابل للإصلاح، شريطة أن نكون علي قلب رجل واحد، وأن نغير ما بأنفسنا أولاً " إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم" .. التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، ومن زرع الأمل في النفوس.