تحليلات المفلسين وأنباء الخنازير وعمليات الغسيل أتفهم بالطبع أن يؤجل الزملاء الصحفيون في جريدة (نهضة مصر)، الذين لم يقبضوا رواتبهم منذ أشهر، أو المتصارعون في جريدة (العالم اليوم)، وكلتاهما يملكهما الأستاذ عماد الدين أديب.. أتفهم أن يؤجلوا وقفتهم الاحتجاجية أمام مقر نقابة الصحفيين للاعتراض علي أوضاعهم المهنية والوظيفية.. علي أساس ألا يكون موقفهم غير نبيل، رغم مبرراته، تجاه الأستاذ عماد، بينما تنشر مجموعة هذه المقالات. وإذا كنت أعلن تضامني معهم، وأجد في مشكلتهم تعبيراً حقيقياً عن أزمة من يتكلم ويردد شعارات بشأن البلد دون أن يكون قادراً علي إدارة أعمال أنشأها، ولم يعد يهتم بها، وإذا كنت أجدها تجسيداً حقيقياً لمأساة من يقولون ما لا يفعلون.. ومن يتعاطفون مع فقر بعض المصريين علي الشاشات دون أن يكونوا قادرين علي علاج مشكلات من يعملون لديهم، وإذا كنت أندهش من إعلامي بحجم الأستاذ عماد يتكلم عن مصريين يشترون العظام من الجزارين كي يعوضوا نقص اللحوم.. دون أن يهتم بصحفيين لم يقبضوا منذ أربعة أشهر.. فإن المسألة التي أتطرق إليها هنا ليست صحفية.. وإنما تتعلق بقضية سياسية معقدة. كثير ممن يرددون مثل هذه الأحاديث الجوفاء علي الشاشات حول إدارة البلد، ويتصدون لأفكار عريضة حول مستقبلها، ويبيعون الخطر القادم في الأيام التالية، هم واقعياً لا يمكنهم إدارة شركة صغيرة.. يقولون كلاماً لا يقدرون علي تنفيذ ولو جرام من أحرفه.. والأمثلة كثيرة.. وفي صدارتها الأستاذ عماد الدين أديب.. الذي تلاحقه قضايا شيكات من دون رصيد من مؤسسة أخبار اليوم علي سبيل المثال. هذا الأسلوب، الذي يصنع هالات حول الأشخاص، تخفي حقيقة أمورهم الذاتية، وأوضاعهم الخاصة، ينطوي علي عملية غسيل للصور.. وربما غسيل للعقول.. وهي بالتأكيد تختلف عن غسيل الأموال.. وغسيل المواقف.. وغسيل السياسة.. وكل ما أتمناه من الذين يتصدون للمشكلات العامة هو أن يكونوا قادرين علي ذلك.. وأن يقدموا نموذجاً من حياتهم العملية لما يتحدثون عنه. إن الأستاذ عماد - فتح الله عليه ورزقه من أوسع أبوابه - يعيش في قصر منيف، في منطقة (بالم هيلز)، تمتد مساحته إلي أفق لا تلاحقه العيون، يجب أن ينتبه إلي هذا وهو يتحدث عن مصريين مسلمين يشترون لحم الخنزير، لأنهم غير قادرين علي شراء لحم يتفق مع عقائدهم، كما أنه لا بد أن ينتبه إلي هذا وقد تعلقت في عنقه شئون عشرات من الصحفيين الذين يعملون بلا أجر منذ أشهر بعيدة، هذه حقائق لا يمكن الهروب منها.. ولا يمكن غسلها بأي وسيلة.. حتي لو كانت حواراً سنوياً يفجر فيه الأستاذ عماد الدين أديب مجموعة من قنابل الدخان أو يوجه فيه رسائل الله أعلم بمن أرسلها أو يقول كلاماً لا يقدر تبعاته. النقطة الأخيرة، مؤقتا، التي أريد أن أتطرق إليها اليوم، كما وردت في حوار الأستاذ عماد الدين أديب في حواره مع قناة دريم قبل أيام، لا تقف فقط عند تكراره لفكرة (الخروج الآمن للرئيس)، وإنما في كونه صوّر الوضع في مصر علي أنه مشكلة حكم، وعلي أن هناك صراعاً في هذا الحكم، وعلي أن هناك تطاحناً حول الرئيس.. بل إن هناك من يتجاذبونه ويتصارعون حول إرثه. في أبريل 2005 وصف عماد الدين أديب الرئيس بأنه (مجاهد) و(طيار مقاتل)، وقال إن رحلته طوال خمسين عاماً من العمل هي (كفاح مستمر) و(لهاث دائم).. لكن عماد الدين أديب هو نفسه الذي يعود الآن ويجد ما يردده حول الخروج الآمن للرئيس أصبح (صعباً).. علي اعتبار أن أحداً لم يستجب لنصيحته الوهمية الأولي، ويردف (إن الحكم يبدو كقطار كل من فيه يريد أن ينزل في محطة تخصه).. بل يقول: (مشكلة رجال الحكم مع أنفسهم في التيارات الداخلة علي اجتذاب الرئيس، وأصبحت تتنافس علي إرث الرئيس، وكل يجهز نفسه ل«ماذا يحدث لو». هل يعي الأستاذ عماد الدين أديب ما يقول؟ هل يفهم ما يردد؟ علي أي أساس بني معلوماته؟ ما هي تيارات الحكم؟ ما هي طبيعة الحقائق التي أستند إليها فيما يخص الصراعات؟ هل هناك صراعات أصلا؟ ما هي علاقته بالأمر.. من هو آخر رجل من الحكم قابله وفيما تناقشا كي يكون هذه الصورة؟ وهل قيم بالمعايير الصحفية ما سمعه وقارن بين ما ردد عليه هذا أياً ما كان وما يمكن أن يقوله آخرون؟ علي أي أساس بني تحليله الشنيع؟ كيف يتسق توصيفه للحاضر ورجمه للغيب مع كونه لا يعيش في مصر تقريباً؟ وما هي علاقته أصلاً بالحكم؟ كل أبنية الأستاذ عماد الدين أديب التحليلية هشة، كما هو حال ما يديره من أعمال صحفية لا يقبض الناس فيها رواتبهم وتتعثر فيها المشروعات، والسياسة كما يدري الأستاذ الهائل لا يمكن أن تدار بطريقة الدعاية لفيلم فاشل أنفق عليه 40 مليون جنيه اسمه (ليلة البيبي دول)، ولو كان قد نجح في أعماله العادية كان يمكن أن يمنح نفسه جدارة الحديث في شئون الدول ومستقبل البلدان ومصير المجتمعات، إن الذي لا يمكنه أن يدفع راتب صحفي ينتظر منذ أربعة أشهر لا يحق له إطلاقاً أن يتحدث عن تقسيم مصر جغرافياً وعن صراعات الحكم سياسياً. أخيراً، وهو ليس آخراً علي كل حال، لا بد أن أسجل الملاحظات شبه النهائية التالية: - الحكم في مصر يستند إلي أسس شرعية، بغض النظر عن تقييم المقيم في نيويورك وباريس، وابن صحافة (سم.. طال عمرك)، وهناك إطار دستوري تقوم عليه تلك الأسس في كل الحالات.. والذين لم يقرؤوا ميزانيات مشروعاتهم منذ إنشائها عليهم أن يقرأوا الدستور. - لا يوجد صراع في الحكم، حتي لو كانت هناك خلافات رؤي معروفة، ومعلنة، فهذه طبيعة الأشياء، وتلك طبيعة البشر، مصر ليس فيها ماكينات تدار كي تدير، وإنما رجال لكل منهم موقفه واتجاهه، في سياق دوره، ووفق مهمة المؤسسة التي ينتمي إليها، والأمور تختلف كثيراً عن الطريقة التي يعرفها الأستاذ عماد بشأن شخصيات ينتظرها حتي الثانية صباحا علي مقهي قريب من فندق بريستول في باريس علي بعد خطوات من السفارة الإسرائيلية. - الرئيس، لديه كل الصلاحيات الدستورية، وهو صاحب القرار الشرعي، والأستاذ عماد الدين أديب يفترض فيه أنه الأكثر إدراكاً لأنه لا توجد تجاذبات تتصارع حوله، وأن القرار له في إطار الشرعية.. إلا إذا كان عماد الدين يسقط مما يعرف حقا وحيث نشأ سياسياً علي أوضاع مصر. - من العيب وغير المقبول أن يردد عماد مجدداً ما يتقول به عن الخروج الآمن.. هذا رئيس وطني.. مجاهد كما سبق أن وصفه عماد الدين أديب، وله شرعيته التاريخية وشرعيته الشعبية وشرعيته الدستورية، لا يتنازع علي الحكم في ساحل العاج، وله في صدورنا مكانة عظيمة، وننتظر منه أن يمضي في تأدية واجبه ومهمته الوطنية.. متمتعا بحب الناس وشعبية لا تضاهي.. ومكانة لا ينافسه فيها أحد. انتهت هذه السلسلة مؤقتا الحلقه الاولى :الخروج الامن لعماد الدين اديب من مهنه الصحافه الحلقه الثانيه : صحافه (سم ..طال عمرك ) ! الحلقه الثالثه : سفراء الخطر - كيف التقى البرادعى وعماد الدين اديب؟