مع انهيار خيار المفاوضات تسارعت وتيرة التحركات الفلسطينية والعربية والدولية للبحث عن بدائل أو أدوات جديدة للتعامل مع وضع يتجه أكثر فأكثر إلي المواجهة بعد التصادم العلني الأخير بين تيار المفاوضات كخيار استراتيجي، بمكوناته الفلسطينية والعربية، وتيار المفاوضات كأسلوب لكسب الوقت الذي تتبناه القوي الإسرائيلية بمساندة عملية من قبل الحليف الأمريكي، وحول هذا الموضوع تتبادر إلي الذهن مجموعة من الملاحظات نجملها في عجالة كما يلي: تمثل موقف لجنة متابعة مبادرة السلام العربية في اجتماعها الأخير في رهن استئناف المفاوضات بتلقي عرض جاد لإنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي وفقاً لمرجعيات عملية السلام، وقد جاء هذا الموقف نتيجة لقراءة عملية للتطورات التي مرت بها عملية تفاوض افتقرت إلي أدني مقومات النجاح، وكنتاج طبيعي لتلاشي الأساس الذي استند إليه الموقف الداعم لاستئناف المفاوضات لإعطاء فرصة أخيرة للوساطة الأمريكية. إن التلويح بالتوجه لمجلس الأمن بهدف الوصول إلي اعتراف بدولة فلسطينية مستقلة علي الحدود السابقة لحرب يونيو عام 1967 له ما يبرره، فقد أعلن الراعي الأمريكي للمفاوضات عجزه عن التأثير في الموقف الإسرائيلي فيما يتصل بملف الاستيطان في الأراضي المحتلة بما فيها القدسالشرقية، وتزايدت وتيرة المواقف الدولية المعبرة عن الاستياء من المواقف الإسرائيلية، وأعلنت دول في أمريكا اللاتينية اعترافها بالدولة الفلسطينية، في الوقت الذي هدد فيه الاتحاد الأوروبي بأن يسلك نفس الطريق. وعلي الجانب الآخر، خندق الطرف الأمريكي في جبهة معارضة تبحث عن تكتيكات جديدة للالتفاف حول الملفات الشائكة وإعطاء مزيد من الوقت لإسرائيل، ولم يعد هذا التوجه فقط انعكاساً لسياسات الغموض والتردد التي كشفت عنها تحركات الإدارة الحالية، وإنما موقف يستجيب لضغوط داخلية عبرت عن نفسها بشكل صريح في قرار مجلس النواب الأمريكي بمعارضة أي تدابير من جانب واحد لإعلان أو الاعتراف بدولة فلسطينية، واستخدام حق النقض في حال توجه مجلس الأمن لتبني قرار يذهب في هذا الاتجاه. في هذا السياق يصبح لزاماً علي الطرف الفلسطيني والعربي أن يخضع خيار اللجوء إلي مجلس الأمن لدراسة دقيقة، فالموقف الذي عبر عنه رئيس لجنة متابعة مبادرة السلام، رئيس وزراء ووزير خارجية قطر، في كلمته الافتتاحية للاجتماع الأخير للجنة، والمطالب بالتوجه إلي المجلس حتي لو استخدمت الولاياتالمتحدة حق النقض، يستند إلي مفاهيم الشرعية الدولية ويحتكم إلي المبادئ التي قامت عليها منظمة الأممالمتحدة، وإذا كان مثل هذا الموقف منطقياً بل بديهي، فإن المعطيات علي أرض الواقع في ظل سياسة المعايير المزدوجة تطرح تساؤلات ليس فقط حول إمكانية صدور مثل هذا القرار عن مجلس الأمن، وإنما تتصل أساساً بالخطوة التالية لاستخدام واشنطن لحق الاعتراض. تتمثل المعضلة الرئيسية في كيفية التعاطي مع الوضع الجديد الذي يكشف بشكل علني حقيقة الموقف الأمريكي، وينزع عن واشنطن وضعية الوسيط التي حرص الطرف الفلسطيني-العربي علي التركيز عليها بالرغم من عدم قناعته بنزاهة الموقف الأمريكي وحياديته، ويستلزم التعامل مع هذا بلورة ملامح تحرك مستقبلي واضح المعالم قادر علي استثمار معطيات واضحة تصب في خانة تعزيز القوي التي تدفع في اتجاه تكثيف المقاومة المسلحة كبديل وحيد للتصدي للتحركات الرامية إلي تصفية قضية شعب بأكمله ينتمي إلي أمة عربية تم إشراكها في اتخاذ القرارات المصيرية. وفي ضوء التحليل السابق، قد يكون من المنطقي القول بان التوجه بالقضية الفلسطينية أو بالصراع العربي-الإسرائيلي لمجلس الأمن بهدف الحسم، يعني الكشف عن العديد من النقائص ليس فقط في طبيعة النظام الدولي من جانب، وإنما في أسلوب التعاطي الأمريكي مع الصراع، بما يتطلبه ذلك من مواقف علي نفس المستوي من الوضوح. وإذا كانت المعطيات الحالية تشير إلي أن ترجيح خيار المواجهة المسلحة ليس مطروحاً في المدي القصير، فإن البديل الوحيد يكمن في مهارة توظيف الوضعية الجديدة لاتخاذ قرارات جريئة تستند إلي منطق المصالح، بمفهومها الواسع، من خلال تكثيف الضغط الاقتصادي انطلاقاً من مقومات القوة العربية وفي مقدمتها البترول.