في نهاية أيام مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون الماضي، وزع العاملون بإدارة المهرجان علي أعضاء لجان التحكيم من المصريين والعرب استمارة استبيان لآراء صفوة المبدعين والإعلاميين العرب حول «الإعلام العربي.. واقعه ومستقبله» كان ذلك قبل عام من الآن، في إطار دورة مهرجان تم تغيير اسمه إلي مهرجان القاهرة للإعلام العربي بدلاً من مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون، وهو ما يعني توسيع أعماله لتضم إلي جانب مسابقات الإذاعة والتليفزيون ما يخص الصحافة الورقية، والإلكترونية، «أليست أيضًا من الإعلام العربي؟»، ولكن هذا لم يحدث بل مضت الأمور كما هي والذي تغير هو الاسم فقط. أقول هذا والمهرجان التالي، السادس عشر، سوف يبدأ رسميا بعد غد بعد تغيير مهم هو تقسيم عملية التحكيم إلي قسمين، الأول يقوم به عضو اللجنة من بيته، بمفرده، وحيث يري علي جهاز الكمبيوتر الخاص به الأعمال المفترض أن يقوم بتحكيمها ويختار من بينها الأفضل، وبعدها يجتمع مع بقية أعضاء اللجنة ليواجه كل منهم الآخر باختياراته، ويتفقون علي النتيجة النهائية، والفكرة لا بأس بها، ولكنها تحتاج إلي وقت أطول مما أعطي لأعضاء اللجان لرؤية الأعمال، خاصة أنها أعمال ناقصة، حلقات مختارة مثلاً من هذا المسلسل أو ذاك، اختارها صناع العمل بالطبع لأنها الأفضل، «أليس هذا نوعًا من التأثير في المحكمين؟». عمومًا التجربة الأولي لها خصوصيتها وها أنا أمضي فيها حتي نهايتها، لكن ما ذكرني بهذا كله هو الاستمارة التي لم يعلن أصحابها بعد عن نتيجتها، وماذا قالت الصفوة من المبدعين والإعلاميين حول الإعلام العربي.. واقعه ومستقبله؟ وأظن أن الأسئلة كانت موجهة بطريقة الأفضلية، أي ما هي أفضل القنوات الفضائية العربية التي تقدم هذه المادة أو تلك، وأفضل برنامج تشاهدونه علي الفضائيات العربية في نوعيته، «أي أفضل برنامج إخباري ورياضي وثقافي إلخ»؟ وأظن أنني - في العام الماضي - توقفت طويلا أمام سؤال حول مدي نجاح الفضائيات العربية في معالجة بعض القضايا التي رأيتها مهمة، وناقصة في الوقت نفسه، ففي الوقت الذي يتساءل واضعو «الاستمارة عن مدي نجاح فضائياتنا في معالجة قضايا المرأة فإنهم يضعون سؤالاً استنكاريا في مسألة العولمة حين يوجهونه لنا علي النحو الآتي: «ما مدي نجاح الفضائيات العربية في حماية الشخصية العربية من سلبيات العولمة؟»، ثم السؤال الأعجب أيضًا عن مدي نجاح هذه الفضائيات في التقريب بين المذاهب الدينية ونبذ التعصب وأيضًا مدي نجاحها في «الإصلاح السياسي عربيا»؟ يا إلهي وكأنه مطلوب من الفضائيات العربية أن تقوم بإصلاح السياسة العربية وإصلاح المجتمعات العربية معًا، وبالمرة تقدم لنا «كورس» لحمايتنا من سلبيات العولمة؟ أليست هذه الفضائيات نفسها جزءًا من ثمار العولمة والانفتاح التكنولوجي الذي أتاح لنا معرفة ما لم نعرفه، من قبل عن أنفسنا وعن غيرنا؟ وأليست هذه الفضائيات جزءًا من منظومة علمية واتصالية جعلتنا نتواصل مع كل جديد في العالم حولنا، وحتي مع القديم من عائلاتنا وأقربائنا الذين هاجروا إلي الخارج. هذه الصياغة تحديدًا هي المشكلة في رأيي، أي صياغة أسئلة موجهة للصفوة حول الإعلام العربي بأسلوب أقرب للأسئلة الموجهة للطلبة في المدارس، فيه من التلقين ما يوضح وجهة نظر معينة يريد واضع السؤال فرضه علي هؤلاء.. الصفوة.. لم يسأل أحد من صناع هذه الاستمارة هؤلاء المبدعين والخبراء في الإعلام عن وجهة نظرهم في الأسلوب الأمثل للفضائيات العربية في مخاطبة مجتمعاتها، ثم في مواجهة المجتمعات الخارجية؟ ولم يسأل أحد عن أولويات الفضائيات المطلوب مناقشتها بالنسبة للفضائيات العربية؟ ولم يتساءل صناع الاستمارة عن المواد والبرامج غير الموجودة علي الشاشات الفضائية العربية برغم أهميتها القصوي؟ ولم يفكر أحد ممن وضعوا هذا الاستبيان في لغة الفضائيات وأسلوب الحوار، لأن الحقيقة هي أن حقوق المشاهد نفسه غير واردة هنا علي الإطلاق، مع أن المشاهد هنا هو هذه الصفوة الموجهة إليها الاستمارة لتجيب عنها، وفقًا لتوجيهات صناع الاستبيان، وخوفًا من أن يجيب أحد إجابة من خارج «المقرر»، فيتحدث عن قضايا المرأة مثلاً بعيدا عن المنظور القومي «وهل هناك من يري قضايا النساء في مصر من منظور غير ما يراه ويعرفه من خبراته في مصر؟» وهل من الممكن أن يجيب أحد من الصفوة عن سؤال عن التقريب بين المذاهب ونبذ التعصب دون التعرض للفتنة الطائفية والعلاقات بين المسلمين والمسيحيين في مصر الآن، ولماذا تطرح هذه الأسئلة التي مجالها أبحاث متخصصة في بحث عام عن الفضائيات العربية يحتاج فقط لوضع خطوط حول لغة الحوار والتخاطب حتي يدرك الجميع بعدها كيف يدخلون إلي القضايا الشائكة بقواعد واضحة للرأي والرأي الآخر، وما حدث بعد وقت قصير من هذا الاستبيان من خلال مباراة مصر والجزائر، وتصاعد حرب إعلامية فضائية عربية بسبب مباريات رياضية يزداد اشتعالاً بفعل «إعلاميين فضائيين» غير مؤهلين، هو أبلغ دليل علي أننا في هذه المنطقة من العالم أضعنا فرصة الحوار الأرضي ولم نستفد من البث الفضائي في وضع قواعد للحوار بيننا وبين أنفسنا قبل أن نتوجه للعالم، واسألوني هل هناك برنامج عربي واحد، علي كل الفضائيات يسعي بصدق وشفافية إلي خلق لغة حوار وتقارب بين المشاهدين العرب في كل مكان ويطرح عليهم صفحات متوازية من الحاضر والماضي والمعرفة بقدراتهم في أسلوب فني سهل وراقٍ وممتع، وبدون انحيازات لأحد علي حساب الآخر. إذا وجدتم هذا أغيثوني.. لأن الكثير مما يقدم الآن علي فضائياتنا العربية أصبح عبئًا.. لا يطاق.