"تسابق العالم لتحقيق الحلم القديم للملوك والأباطرة والغزاة الكبار أمثال الإسكندر، حلم تسخير المعرفة بالجغرافيا للوصول إلي الثروات والسيطرة علي العالم". ظهر نص هذه الرحلة الاستكشافية للمرة الأولي في المجلة الجغرافية الفرنسية في عدد يوليو 1842، وظهرت الترجمة العربية اليتيمة لها عام 1922 من إعداد محمد مسعود المحرر الفني بوزارة الداخلية في عهد الملك فؤاد وبأمر من الأمير يوسف كمال، وهو رحالة جغرافي من أسرة محمد علي باشا. وضمت تلك الرحلة إلي نصوص كتاب "مصر في القرن التاسع عشر" 1921، من تأليف المؤرخ الفرنسي إداور جوان. كما ذكرها رفاعة الطهطاوي في كتابه "مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية" 1330. المثير أن نص الرحلة في الأصل كان عربيا، وترجمه إلي الفرنسية أرتين بك المترجم والكاتم الأول لأسرار محمد علي باشا، وتكونت بعثة هذه الرحلة الأولي من نوعها وقتها من 400 جندي تحت إمرة ضابط مصري (قائد البعثة) وهو سليم قبطان ويعرف أيضا بسليمان حلاوة وكان أحد رجال البحرية المصرية، وكان هؤلاء الجنود من مدينة سنار الواقعة علي النيل الأزرق، وقد استقلت القوة خمس ذهبيات جيء بها إلي مصر، وثلاث أخريات ربضت في سنار، إضافة إلي 15 زورقا حملت بالمؤن وذخائر الحرب التي تكفي لثمانية أشهر. رافق البعثة ونظمها مندوب شخصي عن محمد علي باشا هو سليمان كاشف، وكذلك مسيو تيبو الملقب بإبراهيم أفندي. وقد هدفت هذه الرحلة إلي استكشاف منابع النيل اقتداء بمشاهير قدماء ملوك مصر، ويصفها كثيرون بأنها باكورة ثمار الحضارة التي انبعثت في مصر ، وإن لم تتم نتائجها وتنضج ثمارها. حتي قيام تلك الرحلة عام 1255 ه في شهر رمضان، كان النيل الأبيض لا يزال غير مكتشف بعد، من هنا تأخذ هذه الرحلة أهميتها كرحلة علمية رائدة وقاعدة وفاتحة للاستكشافات الجغرافية والديمجرافية علي طول خط النيل الأبيض، انطلقت الرحلة من الخرطوم واستغرقت 135 يوما، ونتعرف فيها علي بيانات عن مجري النيل الأبيض وروافده، والسكان النازلين بضفتيه، والحاصلات الطبيعية المشهورة فيه. ملحق بالكتاب الذي يحكي قصة تلك الرحلة بعد أن أعادت دار السويدي بأبو ظبي طبعه عن سلسلة "ارتياد الآفاق" من تحرير وتقديم نوري الجراح، نصا عن منابع نهر النيل بقلم نعوم شقير مأخوذ من كتابه "تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته" 1903، يوضح فيها أن الفضل في اكتشاف منابع النيل يعود إلي الحركة العلمية الواسعة التي رافقت النشاط الكولونيالي للإنجليز، بمباركة من خديوي مصر، إلا أن محمد علي باشا يعود إليه السبق في إرسال الحملة الاستكشافية الأولي إلي منابع النيل الأبيض، ليسجل بهذا أول عمل علمي كبير طالما كان حلم الفاتحين. إضافة إلي نص آخر لإدوار جوان حول حملة إسماعيل باشا علي السودان.