أما الآن وقد انتهينا من الانتخابات ونتائجها ومعاركها، وقد اعتلي السادة النواب مقاعد البرلمان وبدأوا أعمالهم النيابية، ألم يحن الوقت لإزالة آثار هذه المرحلة المنتهية؟ أليس هذا الجو الشتوي بما يحمله من أمطار غسلت الشوارع المتربة فرصة لإكمال نظافة الشوارع ببعض الجهد البشري لإزالة آثار الانتخابات من ملصقات وغيرها؟ ألا توجد فرصة في بلدنا ولو لفترة وجيزة للإحساس ببعض الجمال؟ يحمل الشتاء جمالا من نوع خاص في بلدنا.. فبالرغم من برودة الأجواء وصعوبة صرف مياه الأمطار إلا أن الأجواء المطيرة تترك بعد جفاف الشوارع أثرا فريدا في جماله.. بدون عناء بشري، تغسل الأمطار واجهات المباني وسطوحها.. كما تزيل الأتربة من علي أسطح الأطباق اللاقطة التي تنتشر فوق المباني.. وتغسل أوراق الأشجار ورقة ورقة وجذوعها أيضا.. والأرصفة والأعمدة واللافتات والشرفات وكل ما تستطيع مياه الأنهار أن تصل إليه، تزول عنه الأتربة وتظهر الألوان الحقيقية للأشياء فتزدهر صورة المدن وتشرق شوارعها.. أذكر أنني رأيت صورتين مختلفتين للشارع نفسه واحدة منهما بعد هطول الأمطار بعدة ساعات، وكانت تبدو وكأنها قد التقطت في أحد شوارع باريس أو لندن، علي عكس الصورة الأخري.. وتكمل صورة جمال الشتاء في مصر لا في العيون فحسب بل والأنوف أيضا.. فتختفي روائح الصيف وحره وعرقه ودخانه، وتحل محلها رائحة الأمطار المنعشة والرطوبة الباردة المحببة وتنتشر عطور الشتاء التي تزيد الصورة جمالا وتبعث علي بعض التفاؤل من جانب الباحثين عن الجمال.. أما ما تخلفه الانتخابات من تشويه للصورة المأمولة فهو ما يمكن بسهولة تخطيه إذا ما أردنا.. فامتلاء الشوارع بملصقات المرشحين وصورهم الملتصقة علي واجهات العمارات والمحلات وفوق المداخل الرخامية الجميلة أو التي كانت جميلة قبل أن تشوهها الملصقات وعلي أسوار المدارس والأعمدة، كل هذه الملصقات المستعصية، لم تنجح الأمطار العاتية في إزالتها.. بل قامت الرياح بتمزيق أجزاء منها وجاءت الأمطار لتشوه ماتبقي منها فصارت أسوأ شكلا مما كانت.. أضف إليها الإعلانات القماشية التي التفت علي الأعمدة من أثر الرياح وتعلق بعضها بأسلاك الكهرباء وصارت تمثل خطورة بالإضافة إلي التشويه.. أعتقد أن علي كل من استغل الشوارع للإعلان عن نفسه، أن يقوم بتنظيفها الآن وقد انتهت الانتخابات.. وإذا كان من لم يفز يشعر بالأسي علي ما قد أنفقه دون فائدة في هذه الإعلانات، ولن ينفق مالا جديدا علي إزالتها، فعلي من صاروا نوابا عن هذه المناطق وشوارعها ومن يعيشون فيها أن يتكرموا بإزالة هذه الملصقات حتي لو لم تكن تخصهم.. أولا كخدمة لأهل الدائرة الذين يحق لهم الإحساس بالجمال ولو لبعض الوقت.. وثانيا لأن تلك الملصقات ستبقي لتشويه الشوارع ما لم تتم إزالتها وقد تأتي الانتخابات البرلمانية القادمة وما تزال آثار الانتخابات الحالية علي الجدران.. قد يقول البعض إن علي النواب واجبات أهم وأثقل، وأن هذه الكماليات الجمالية لا تأتي ضمن الأولويات، ولكن الحقيقة هي أننا كمواطنين بسطاء نبحث عن الجمال ونشعر به حتي ولو اقتصر علي موسم الشتاء القصير.