في لعبة الشطرنج بين المحترفين مبدأ معروف وهو أن تبادر بالفعل المحدد لرد فعل من تلاعبه.. وإذا اعتبرنا أن الساحة الدولية رقعة شطرنج.. والدول لاعبين.. كل حسب حجمه وقوته وتأثيره.. فيمكن القول إن تسريبات ربع مليون برقية دبلوماسية لموقع ويكيليكس ما هو إلا فعل خاضع لهذا المبدأ المشار إليه، رغم كل الإثارة الأمريكية المدارة باحتراف هوليوودي حول هذا الأمر، وأرادت أمريكا أن تضع الجميع في موقف رد الفعل سواء بالدفاع عن النفس أو حتي الانشغال بالرد والأخطر من ذلك إشعال الساحة الدولية بقدر مهول من المعارك الجانبية تستنزف وتهدر وتعيد ترتيبات لهذا الطرف أو ذاك لمواجهة العنصر الجديد الضاغط علي سياسات الدول الخارجية وتبدو الإدارة الأمريكية في مشهد الرفض والارتباك لهذا الفعل وهنا يكون السؤال إذا كان ويكيليكس سحرا أمريكيا فكيف يمكن أن ينقلب السحر علي الساحر؟ أو بمعني آخر كيف تفاجأ أمريكا بفعل يضعها هي في العبء وتحت الضغط؟ فصل الخطاب في هذا الأمر هو القانون الدولي باعتباره دستور العلاقة بين الدول والذي يعتبر الدول أفرادا وفي مراجع القانون الدولي قاعدة مسلم بها وهي المسئولية الدولية التي بموجبها تتحمل الدولة تبعات الإضرار بالغير.. ومثال ذلك أن تقوم دولة بتجارب نووية فتصيب دولة جارة لها فهنا تتحرك المسئولية الدولية وتحدد العواقب علي الطرف الذي أحدث الضرر، ووثائق ويكيليكس لا تقل خطورة عن هذا المثال فوثيقة واحدة يمكنها أن تشعل حربًا أهلية في لبنان وتحرك صدام بين المغرب والجزائر في قضية الصحراء وأن تعيد أفريقيا عشرات السنين إلي الوراء بإشعال صراعات مسلحة.. وهنا تكون المسئولية واقعة لا محالة علي الدولة الأمريكية والإدارة الأمريكية لأن هذه الوثائق سواء أرسلت أو سربت أو حتي سرقت فإن هذا الأمر لا يعفي من المسئولية ومثلها في ذلك كمن أهمل في تأمين مفاعله النووي فأضر غيره.. ولكن يبقي مربط الفرس في هذه المسألة هي إرادة الدول أو اللاعبين في مجاراة اللاعب الأمريكي بتحريك هذه الوثائق في هذا الاتجاه ليكون «كش» عالميا لأمريكا في لعبة سياسية ممتدة لا يمثل ما ظهر منها سوي قمة جبل جليد كما وصفها وزير الخارجية أحمد أبو الغيط.