بغض النظر عن تفسيرات العلماء والجدل حول أسباب وجود الفك المفترس في شواطئ البحر الأحمر فإن أكثر ما يثير مخاوفي وربما تشاؤمي في موضوع أسماك القرش التي بدأت تجد في أجساد السياح وجبات لذيذة. حتي من دون كاتشب أو مايونيز أو رقائق البصل والطماطم، إن الجهة الأكثر مسئولية عن مكافحة أسماك القرش في سواحل البحر الأحمر هي وزارة البيئة.. وما أدراك ما وزارة البيئة. فنحن نعرف جيداً من واقع عشرتنا القديمة مع الوزارة أنها تفضل عادة التعامل مع كل أزمة باعتبارها قدراً لا يمكن التنصل منه، وأن علينا القبول به، وأن أفضل الحلول دائماً هو التعايش مع الأزمة والتعامل معها باعتبارها أمراً واقعاً، وبالتالي أن نكيف أنفسنا في التعايش معها، علي أن تواصل الوزارة جهودها في البحث عن وسائل للتغلب علي المشكلة لسنوات طويلة وليمنحنا الله ويمنح الوزارة "طولة العمر". تلك القاعدة قد تصلح مع بعض الأزمات لكن لا يمكن تطبيقها علي كل الأزمات وبينها معضلة أسماك القرش، فرغم أحاديث الخبراء عن طيبة سمكة القرش ووداعتها ورقتها وكونها لا تهاجم شخصاً إلا إذا هاجمها أو استفزها فإن كل الدراسات لم تُبين حتي الآن التصرفات التي قد تعتبرها سمكة القرش استفزازية حتي لا نرتكبها، وما التصرف السليم الذي يجب اتباعه إذا ما واجه شخص ما سمكة قرش وهو لا يتسلح إلا بالمايوه الذي يستر به نفسه، ولماذا تفقد السمكة أعصابها أحياناً وتتحول الطيبة إلي شراسة والرقة إلي حماقة فتشتهي الأجساد الآدمية؟. كما أن المصريين أصلاً لا يمثلون النسبة الأكبر من زبائن السياحة في شرم الشيخ والغردقة وباقي منتجعاتنا السياحية من البحر الأحمر، والذين يترددون منهم علي تلك المنتجعات لديهم الخلفية الكافية عن نشاط وزارة البيئة وتاريخها والأساليب التي تعتمدها مع مشاكل البيئة وطرق تعاملها مع الأزمات في حين أن السياح الأجانب أتوا من بيئات مختلفة، والوزارات عندهم مهمتها التغلب علي الأزمات وليس "الطرمخة" عليها أو التعايش معها، ولا يعرفون شيئاً عن سحاب أسود أو أطنان قمامة تملأ الشوارع. السياح الأجانب تصعب برمجتهم علي السباحة في مياه تجوبها أسماك القرش ولا يمكن إقناعهم ب"الفسحة" في ظل أي تهديد لحياتهم، وهم ليسوا مثلنا يخاطرون بحياتهم ليعيشوا!! ولا يمكن لوزارة البيئة المصرية أن تقنعهم أن ضمن برامج رحلاتهم السياحية لمصر مواجهة أسماك القرش ومصارعتها. شخصياً كنت أسخر من فقرات التليفزيون التي كانت تُظهر سياحاً يتحدثون عن الأمن والأمان في مصر بعد الحوادث الإرهابية التي استهدفت السياحة في زمن الإرهاب الأسود؛ لأن تلك المشاهد بُثت علي التليفزيون المصري الذي شاهده المصريون في حين كانت تليفزيونات العالم تبث مشاهد عن حوادث الإرهاب اللعين، ونحمد الله علي أن الإرهاب ولّي وندعو ألا يعود. كان مشهد السياح بعد العمليات الإرهابية يثير الضحك وهم يؤكدون أن مصر "هلوة أوي" وأنهم "يهبون مصر كتير أوي أوي"، وأن لديهم إصراراً علي مواصلة برامجهم السياحية رغم الحادثة. السائح ليس فدائياً ولا يأتينا مرتدياً زي الكوماندوز، والسياحة صناعة ترفيهية ولا يوجد سائح يرهن حياته برحلة سياحية، أما المغامرون الأجانب فهم ليسوا سياحاً، وإنما هم دائماً استثناء وأعداهم دائماً قليلة وأفضل لهم المغامرة بالقفز من شلالات نياجرا مثلاً أو تسلق قمة إفرست أو جبال الهيمالايا عن مصارعة سمكة قرش غاضبة لأسباب لا نعلمها. أتحدي أن يكون هناك أي مصري عرف السبب الحقيقي للسحابة السوداء التي تطل علينا في موعد منتظم كل سنة، أو أن يكون قد صدّق كلام وزارة البيئة حول قش الأرز أو عوادم السيارات أو الانبعاث الحراري أو الانبعاج البيئي، ويكفي أن نمر في شوارع العاصمة وباقي المدن المصرية لندرك أن وزارة البيئة أصبحت تتعامل مع قضية "الزبالة" دون أن تري في الأمر مشكلة وإلا كانت سعت إلي حلها، وغالبيتنا صاروا يمرون بجوار أو فوق الزبالة دون أن يدركوا أن الأمر أصبح مصيبة كبري وكأن أطنان الزبالة أصبحت من معالم مصر مثل النيل أو الأهرامات أو أبو الهول، فهل لديكم أمل في أن تقضي وزارة البيئة علي مشكلة أسماك القرش في البحر الأحمر؟. وتبقي ملاحظة تتعلق بمشهد سمكة القرش التي اصطادوها بعد ساعات من الحادثة الأولي وهو الوحيد الذي بثته كل قنوات التليفزيون الرسمي والخاصة عند الحديث عن المشكلة، وأستغرب أن السمكة تخرج من الماء ميتة دون أي مقاومة، علماً بأن أسماك القراميط والبوري والدنيس والوقار والسلطان إبراهيم وحتي البساريا تظل "تلعب" وتقاوم و"تتنطط" بعد صيدها لفترات بحسب نوع كل سمكة. فما بالنا بالقرش العملاق؟. كيف خرجت السمكة ميتة؟ وهل هي أصلاً سمكة قرش حقيقية أم ماكيت؟ وإذا كانت سمكة قرش فكيف ماتت داخل الماء؟