أجل العالم الآن بعد ويكيليكس صار مختلفا. ليس لأهمية ما نشره موقع ويكيليكس حتي الآن، ولكن لأهمية ماسينشره غدا. وويكيليكس wikileaks كلمة انجليزية من كلمتين. الويكي بمعني الحافلة الصغيرة المتنقلة وليكس بمعني تسريبات. فيكون المعني تسريبات من كل مكان وإلي كل مكان.ولقد أنشئ الموقع عام 2007 أنشأه الأسترالي جوليان أسانج ومعه عدد من الناشطين في مجال حقوق الانسان. لاقي الموقع هجوما كبيرا بسبب تسريبات لوثائق مهمة في هذا المجال، وتعرض لهجمات شرسة علي الانترنت لإيقافه واختراقه، وما كان من ذلك كله إلا أن ازداد الموقع تطورا، واتسعت رقعة اهتمامه لتشمل نشاط السفارات الامريكية وغيرها في كل مكان. ألحكومات الكبري التي تتحكم في مصير العالم تحبس أنفاسها. الحكومات الصغري في البلاد المقهورة لن تهتم الآن، لأن ما سينشره هذا الموقع لن يختلف عما يعرفه الناس أو يشعرون به. وأثره سيكون علي المدي البعيد في هذه الدول . كما أن هذه الدول الصغري ليست مستهدفة من هذا الموقع حتي الآن ولا يبدو مهتما كثيرا بها. فوثيقة سرية أمريكية أو فرنسية أو إنجليزية لها وقع اكبر من وثيقة سودانية أو ليبية أو ما تشاء، وبلا شك هذا الموقع يريد أكبر عدد من الزوار إليه. ويريد اكبر مساحة للفضيحة او الأسرار. ويريد اكبر انتصار. الآن صاحب الموقع صار مطلوبا من الانتربول الدولي بفعل حكم سابق في قضية تحرش جنسي في السويد. أو حتي بفعل ما نشره الموقع من رسائل سرية، ويمكن جدا أن يتم القبض عليه في الجزيرة التي يعيش فيها أو في أحد بلاد شمال أوروبا التي تسمح له بالإقامة دون عواقب قانونية. ويمكن جدا أن يتم اختطافه في عملية مخابراتية لدولة مثل أمريكا أو غيرها. كل ذلك يمكن ولكن تبقي المشكلة قائمة. ليس كما قال هو في أن الموقع سيظل ينشر الوثائق فقط. ولكن أيضا لأن هذا الموقع لا بد أن أثار شهية الهواة والمحترفين لعمل موقع آخر ومحاولة الوصول إلي أسرار أخري.وقيمة ما جري ليس في النشر فقط ولكن في سهولة الحصول علي وثائق قيل إنها سرية وكانت بالفعل سرية. أظهر هذا الموقع أن الأمر سهل،وليس من الضروري الانتظار خمسين سنة او حتي خمسة وعشرين كما في بعض الدول لنشر الوثائق. سيجد الموقع من يفعل ذلك احتجاجا أو في نوبة ضمير أو سيدخل الساحة من يفعل ذلك لقاء أجر ومال.وهكذا. لن يصبح العالم بعد ويكيليكس كما كان قبله حتي لو لجأت الدول إلي أقصي أنواع السرية، وسنّت القوانين الرادعة لموظفيها في الدوائر المهمة، دبلوماسية وعسكرية. والعالم الذي اتجه من زمان ليكون قرية صغيرة بسبب ثورة الاتصالات، والذي يتجه إلي ذلك كل يوم بسبب التطور الهائل في تكنولوجيا الاتصالات، لم يعد حتي قرية صغيرة. صار"لاب توب" وليس أكثر. هذا وصف أفضل لأنه من جنس السبب. ويتجه إلي أن يكون مجرد موبايل. وفي هذا يكمن السر كله. فالذي يريد تسريب المعلومات لن يحتاج لمجهود كبير لسرقة الوثائق لكنه يستطيع، وسيستطيع، أن يضعها كلها في موبايل، ويرسلها إلي حيث يشاء، ويخرج من مكانه خاليا. لن يحتاج الأمر إلا أن يكون هذا الشخص من المكان نفسه، وزارة أو رئاسة أو أي مكان يعمل علي الأسرار.أو يستطيع الوصول إلي هذه الأماكن. وطبعا لن يندرذلك مهما تعقدت نظم الحماية، ومهما بلغت الدقة في اختيار القائمين علي ذلك. قد يمر العالم بفترات صمت تطول أو تقصر لو انتهي ويكيليكس، وهذا صعب لأن الموقع الآن لا يرتبط فقط بصاحبه،لكنه حتما سينفجر بموقع آخر ومواقع أخري.إذن سيتم تغيير طرق السياسة التقليدية والحرب التقليدية والمفاوضات التقليدية.بمعني أن ما ستراه الدول غاية في الأهمية الآن وأسرارا عسكرية وسياسية سيكون عرضة للنشر والذيوع، ومن ثم سيكون هناك حرص علي تجنب ماهو مشين في قرارات السياسة أو الحرب، حتي لا تلحق التهم بصاحبها وهو حي أو بعد أن يموت. لن يحدث ذلك في يوم وليلة لكنه سيحدث. إنها حرب من نوع جديد بين الخير والشر. وحتي الآن في السياسة نزعات الشر لها الجانب الأكبر،خاصة في دول لها شكل الامبراطوريات،أو دول تنحو إلي ذلك وتطمع فيه. سيقع ويكيليكس أو غيره في أخطاء،وقد يتم تسريب معلومات خاطئة له حتي تقل الثقة فيه، والاطمئنان اليه، لكن هذه المواقع ستكثر مع الوقت وسيزداد عددها ولن يستطيع الشر مواجهة هذا كله وإلا علي الدنيا السلام. هناك ميزان عدل يتحقق دائما في العالم مهما طال الزمن.وسيشجع هذا الموقع الهواة والمحترفين في الدول الصغيرة كما هو في الكبيرة كما قلت. وستصبح مهمة المعارضة سهلة في أي مكان كما ستصبح مهمة كشف أساليب المعارضة سهلة أيضا، إنها حرب جديدة بدأت تظهر بوادر سحبها وستزداد،ولكن كما قلت أيضا لن يظل العالم كما كان أبدا. الشر الآن يخسر أسلحة كثيرة.