برحيل الدكتور محمد حسين هيكل في الثامن من ديسمبر سنة 1956 فقدت الثقافة المصرية رمزا جليلا شامخا من رواد التنوير والتبشير بالقيم العصرية فالرجل قيمة و قامة عملاقة جديرة بكل الاحترام والتقدير ويمثل مع الأفذاذ من أبناء جيله طه حسين والعقاد والمازني وسلامة موسي ومنصور فهمي وأحمد أمين حملة المشاعل الذين ينتقلون بمصر من عهد إلي عهد. الاختلاف السياسي مطروح بقوة مع الدكتور هيكل الذي ترأس حزب الأحرار الدستوريين وكان أحد مؤسسيه فلم يكن الحزب شعبيا وقاده العداء للوفد وزعمائه التاريخيين إلي ممارسات من فضائل الهيئة العامة لقصور الثقافة في العام 2010 مبادرتها المشكورة بإعادة طباعة كتاب هيكل بالغ الأهمية «مذكرات في السياسية المصرية» بأجزائه الثلاثة فإتاحة هذا الكتاب الفريد للقارئ المعاصر بسعر زهيد فعل إيجابي جدير بالثناء والتقدير والأمل معقود علي نشر كتاباته الأخري التي ظهر بعضها بالفعل في مشروع مكتبة الأسرة وبخاصة «حياة محمد» أما «زينب» فرواية متعددة الطبعات وقد أنتجتها السينما الصامتة والمتكلمة فهي ذات شأن في السينما والأدب معا. يحتاج هؤلاء الرواد الأجلاء إلي احتفال دائم واحتفاء لا يتوقف ذلك أنهم من صنعوا الثقافة المصرية العصرية ودعموا الدولة المدنية وأعلوا من قيم المواطنة والوحدة الوطنية وحرية الفكر والمشترك الأسمي بينهم جميعا هو احترام العقل والأخذ بالمنهج العلمي والانتصار للإنسان. في ذكري رحيل الدكتور هيكل يبدو واجبا أن نتأمل بعض محطات حياته الحافلة بالعطاء والتواصل بكل الإجلال والامتنان مع الجيل الرائع الرائد الذي تفاني في العمل وأحب الوطن بالسلوك العملي دون انشغال بالشعارات الملونة. سلبية وتجاوزات لا تليق لكن المشهد لا ينهض علي السياسة وحدها وهي أمر نسبي بطبيعة الحال فالدكتور لم يكن سياسيا فحسب بل إنه مفكر طليعي وباحث تاريخي وصاحب رؤية متميزة غير تقليدية للتراث الإسلامي وأديب يقترن اسمه بميلاد فن الرواية وصحفي أسهم في صناعة عرش صاحبة الجلالة التي تصنع الوعي وتوجه الرأي العام وتجربته مع جريدة «السياسة» تنهض دليلا علي ذلك.