ما هو الوحي؟ وما مفهومه؟ وما هي هيئة نزوله علي قلب الرسول؟ وهل نزل كعلم ومرائي ومعان؟؟ أم نزل نصا علي قلب الرسول؟؟. أري من خلال فهمي وقرءي لآيات الكتاب حول هذا الموضوع أن الوحي هو وسيلة التواصل الوحيدة بين الله وبين جميع مخلوقاته سواء من البشر أو غيرهم من المخلوقات. فالله لم يكلم أحدا ولم يكلمه أحد بما نعي ونفهم من ماهية الكلام والخطاب، لا أنبياءه، ولا رسله، ولا الملائكة، وما كان لمخلوق أو نبي أو رسول أو ملاك من الملائكة أن يكلمه الله أو يكلم الله مباشرة أو مواجهة، فالله ليس بمتكلم وليس بأبكم، وبعبارة أخري، إن الله لم يتواصل إطلاقا مع أي من خلقه بشرا كان أو مخلوقا آخر أو ملكا من الملائكة تواصلا لسانيا (لغويا). وإنما إذا أراد الله أن يتواصل ويحدث أمرا ما مع أحد مخلوقاته أوحي إليه بعلمه، إما وحيا إلي الشخص مباشرة إلي قلبه، أو يبعث صوتا من وراء حجاب كما حدث لموسي، أو يوحي إلي رسول من الملائكة فيوحي الرسول الملاك بإذن الله إلي المخلوقين ما يشاء الله، قال تعالي: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يرْسِلَ رَسُولًا فَيوحِي بِإِذْنِهِ مَا يشَاء إِنَّهُ عَلِي حَكِيمٌ). (الشوري- 51). مفهوم الوحي : الوحي ليس كما يظن كثير من الناس أنه الملاك جبريل الذي يهبط علي الأنبياء والرسل بالرسالة الإلهية، فالملاك جبريل هو: رسول من الملائكة بين الله وبين الأنبياء والرسل وليس هو ذات الوحي، أما لفظ الوحي كما جاء معناه في أصل لسان قوم الرسول الذي أرسل الله الرسول به هو: كل علم أو أمر من علم ألقي في خفاء من دون وسيلة تخاطب لسانية (لغوية). هكذا كان القوم قد اصطلحوا علي هيئة الوحي، وكانوا يعدون الوحي كل علم أو أمر من علم يتم الحصول عليه من دون لسان يتكلم أو عين تتلو، أو ما نسميه نحن اليوم (لغة الإشارة) أو ما نسميه (الحدس، الإلهام) إذن معني ومفهوم الوحي الذي ورد في أصل كلام العرب هو: إلقاء علم أو أي شيء من علم إلي شخص آخر بصورة خفية غير لسانية، وقد وجدت هذا المفهوم مطابقا تماما من وجهة نظري لماهية وكيفية الوحي كما وردت في الكتاب الكريم. ومن ثم أري أن الله قد أوحي برسالاته وعلمه إلي خلقه من الأنبياء والرسل عن طريق إلقاء ذلك العلم أو تلك الرسالة في قلوبهم بصورة خفية أي من دون لسان يتكلم ومن دون عين تري وتتلوُ، وبنفس الطريقة أوحي الله القرآن لرسوله محمد وبنفس الطريقة أوحي لكل النبيين قبله، قال تعالي: (إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيكَ كَمَا أَوْحَينَا إِلَي نُوحٍ وَالنَّبِيينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَينَا إِلَي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَي وَأَيوبَ وَيونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيمَانَ وَآتَينَا دَاوُودَ زَبُورًا). (النساء- 163). وقد يكون الوحي عن طريق خلق صوت غير مرئي وغير منظور يخرج من أحد الأشياء كالشجر والجبال، كما حدث لموسي عليه السلام حين ناداه الله من جانب الطور ومن شاطئ الوادي الأيمن من الشجرة، قال تعالي: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يا مُوسَي إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (القصص- 30). وقال تعالي: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَي إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيا* وَنَادَينَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيا). (مريم- 51: 52). أو يكون عن طريق ملاك من الملائكة أو الروح، حيث يوحي الله أيضا إلي نفس الملاك أو الروح بعلم ما فيقوم الملاك أو الروح بإيحاء ما أوحاه الله إليه من علم وبصورة خفية كذلك إلي قلوب الأنبياء والرسل، قال تعالي: (أَوْ يرْسِلَ رَسُولًا فَيوحِي بِإِذْنِهِ مَا يشَاء). (الشوري- 51). وقد يأتي الملاك أو الروح متمثلا في هيئة بشر كما حدث لمريم بنت عمران، قال تعالي: (فَأَرْسَلْنَا إِلَيهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيا). (مريم- 17).