14 قرناً ونصف القرن من الزمان ومازال نور المصحف الشريف يشع ليملأ قلوبنا بالحياة فبين سطوره تجد كل ما تبحث عنه من تربية وأخلاق ومعاملات وقوانين ودستور للتعامل وتنظيم الحياة، وبين طياته تجد كيف تصبح قوياً تقياً مسالماً ومحارباً حاكماً ومحكوماً في الوقت ذاته. فالمصحف الشريف هو من أكثر الكتب قراءة علي مدار التاريخ إن لم يكن أكثرها علي الإطلاق ومفرداته وكلماته هي أول ما يتعلمه أطفال المسلمين فهو ليس وثيقة دينية محفوظة بل هو الوثيقة المركزية في العقل المسلم والكتاب المقدس. حاولنا الإبحار في قصة المصحف لنتعرف عليه ونعايشه حتي يعيش فينا.. فهنا نحكي قصة المصحف وكيف نزل وجمع ومتي ترجم وكيف فسر لنؤكد أن محاولات حرقه وتدنيسه لن تجعلنا نحيد عنه. نزول القرآن تم في ثلاث مراحل لإعلام أهل السماء والأرض أنه آخر الكتب لخاتم الرسل نزول القرآن بالوحي علي قلب الرسول صلي الله عليه وسلم ليست هي بداية الحكاية، فقد أنزل الله - عز وجل - كتابه الكريم علي مراحل ثلاث أولاها: في اللوح المحفوظ حيث يقول الله - عز وجل -: «بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ»، ويقول المفسرون إن الوجود في هذا اللوح بطريقة ووقت لا يعلمها إلا الله - عز وجل - ويؤكد المفسرون أن نزول القرآن في هذا اللوح المحفوظ كان جملة واحدة، بلا تفريق كما نزل مجزءاً علي الرسول الكريم. وقيل إن هذا اللوح هو سجل جامع لكل ما قضي الله وقدره علي عباده وكل ما كان وسيكون وهو شاهد ناطق ويري العلماء أن الإيمان به يقوي إيمان العبد بربه وخالقه ويبعث الطمأنينة إلي نفسه بصدق كلمات الله - عز وجل -. أما النزول الثاني أو المرحلة الثانية لنزول القرآن الكريم فتتمثل في نزوله إلي «بيت العزة» وهو بيت في السماء الدنيا، وهذا جاء في قوله سبحانه وتعالي: «إنا أنزلناه في ليلة مباركة» و«شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن» و«إنا أنزلناه في ليلة القدر»، وتدل الآيات الثلاث علي أن القرآن نزل كله في ليلة واحدة بينما المعلوم لدينا أنه نزل مجزءاً علي الرسول - صلي الله عليه وسلم - في «23 عاماً» إلا أن المقصود في هذه الآيات، كما يشرح العلماء أنه النزول من اللوح المحفوظ إلي بيت العزة في السماء الدنيا، وفي ذلك يقول ابن عباس: «أنزل القرآن جملة إلي سماء الدنيا ليلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة»، وهذه الرواية أخرجها عدد من العلماء منهم النسائي والحاكم والبيهقي. وعن الحكمة من شكل نزول القرآن في هذه المراحل الثلاث ذكر السيوطي أن المرحلتين الأولي والثانية جاءتا لإعلام سكان السماوات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة علي خاتم الرسل. ويقول السيوطي إن تعدد النزول والأماكن من اللوح المحفوظ إلي بيت العزة ثم إلي قلب النبي - صلي الله عليه وسلم - مبالغة في نفي الشك عن القرآن وزيادة للإيمان به وباعثاً علي الثقة فيه، قائلاً: «لأن الكلام إذا سُجل في سجلات متعددة، وصحت له وجودات كثيرة، كان ذلك أنفي للريب عنه وأدعي إلي تسلم تبوته. ويري السيوطي أن النزول في المرحلتين الأوليين كانت دون حجاب أو وحي بينما النزول الثالث والأخير، جاء بواسطة أمين الوحي جبريل علي قلب الرسول - صلي الله عليه وسلم -، وذلك مصداقاً لقوله - عز وجل - «نزل به الروح الأمين علي قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين».