اعتراف المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل " بفشل مبدأ "التعددية الثقافية " في ألمانيا - في إشارة إلي الأتراك والعرب - هو محاولة للتهرب من الإجابة عن السؤالين الأكثر ترديدا في أوروبا اليوم: من نحن؟ ومن أنت؟. ففي ظل اتجاه الفرد نحو العولمة والعالمية، بدت "الهويات" وكأنها تستعرض عضلاتها. ولاحظ "فيليب مورو ديفارج" في كتابه "العولمة": "أنه في نهاية القرن العشرين شعر الأفراد والشعوب التي اجتثت جذورها - أو كادت - ولم تعد تجد في الدولة القومية إطارا لا ينازع للأمن والهوية، أنه لم يعد بمقدورها الاستثمار في الأيديولوجيات التي تدعي أنها عالمية، أو الإيمان بأنها مصدر أساسي للتضامن والحماية في مواجهة أمواج العولمة". من هنا فإن تعقيد إشكالية الهوية يأخذ أبعادا حادة عند معالجة أثر العولمة في تفعيل الهجرات من الجنوب إلي الشمال - مثلا - وتكون جاليات أجنبية في أوروبا، وقد لاحظ "جيمس ميتلمان" كيف كانت ردود وانعكاسات اليمين الفرنسي علي صعود نجم لاعب الكرة "زين الدين زيدان" الجزائري الأصل، ضمن صفوف الفريق الوطني الفرنسي، وهي ردود سلبية، حيث اعتبر اليمين الفرنسي أن الفريق الوطني ضم في تشكيله عددا أكبر من اللازم من اللاعبيين (غير مكتملي الفرنسية). في الوقت نفسه كان الجزائريون والعرب عموما يهللون فرحا وتأييدا لزيدان باعتباره بطلا قوميا رغم أنه فرنسي المولد والإقامة. هذا المثال يشير إلي معضلة أعمق تتعلق بالوجود الإسلامي في أوروبا، أكثر من خمسة عشر مليونا، غالبيتهم في ألمانيا وفرنسا. وهنا تبرز مشكلة الهوية في ظل العولمة التي هي في جوهرها وفي أبسط معانيها: حرية تبادل الأفكار والأفراد والسلع، كما يؤكد معظم المنظرين الغربيين للعولمة. لكن يبدو أن المسموح به حتي الآن، وكما لاحظ ميتلمان أيضا هو حرية الأفكار والسلع فقط، وليس الأفراد او البشر! وهناك تزايد لموجات العنصرية ضد الجاليات المسلمة في الغرب، يقابله تزايد لنزعات التطرف الديني في أوساط هذه الجاليات، كرد فعل من جهة وكإعادة اكتشاف للدين علي أنه مستودع للهوية التي أصبحت مهددة من جهة أخري. إن إحدي التحولات الأساسية التي حدثت في المحيط الاجتماعي - السياسي، هو التحول من "الوحدة" إلي "التعدد"، وصار التعدد والاختلاف هو الهدف، أما الوحدة فيعترف بها فقط من خلال النظر إلي الاختلافات أو من خلال وضع التمايزات في الاعتبار. والسبب في هذا التحول إنما يكمن فيما احتلته "الهوية " من أهمية متزايدة ومتنامية. أول من أشار إلي أن الحروب القادمة سوف تكون بين الهويات والديانات هو "هنري كيسنجر" مستشار الأمن القومي ووزير خارجية أمريكا في مرحلة الحرب الباردة ، وذلك في عام 1979، بمناسبة نجاح ثورة الخوميني في إيران وصعود نجم مارجريت تاتشر وحزب المحافظين في إنجلترا وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل. أما "صامويل هنتنجتون" فقد أعاد فقط تأكيد هذه الفكرة عام 1993، وصاغها في نظرية (صدام الحضارات)، التي تعود تاريخيا إلي عام 1924 حين صك "هوراس م. كولين" تعبير (التعددية الثقافية)؟ وللحديث بقية