مساء الخميس الماضي وفي شارع بورسعيد المعروف والمزدحم بالإسكندرية تكررت ممارسة تدعو للاسف.. صراخ وزحام وألعاب نارية، ومسدسات وذخيرة، ورقص بشع، ومكروفونات عملاقة ومركبات من كل صنف: تاكسي ونصف نقل وملاكي، وأصوات قبيحة تطلق أصواتا أكثر قبحا، شاب تبدو عليه مظاهر الادمان يقفز وبيده «مايك» ويردد: العريس، المعلم، رجل الاعمال، باشوات الجمرك، أعيان كامب شيراز، ملوك التجارة، العريس، عائلة حودة، عائلة بيسو وحمّو، عائلة الجعران، الأسطي شحته، الباشمهندز عجلة (هكذا قال). العنب العنب، أحبك ياحمار، يابا يابا يابا، والمرور معطل والكلاكسات تزعق، والسكان علي بعد مئات الأمتار ينعون حظهم العثر، وينحون باللائمة علي الزواج أصلا، ويظهر في الكادر متنطع في حجم سيد قشطة، يهتز بخلاعة مقززه وهو يحيي العريس راقصا، وينافسه آخر يذكرك بالبغل الاسترالي.. يمسك بيده سيفا وأداة تشبه الساطور يتلاعب بهما وكأنه- من فرط الشعور بالتميز والتغني - زويل المصري أو كوري البولندي، هذا وأهل المحروس.. العريس من شدة الحبور يتصايحون مهللين.. مع الزغاريد والرقص الحريمي وسط الشارع، الجميع يشكل صورة مشوهة لمجتمع يعاني نهارا.. ولا يحتاج لمزيد من المعاناة مساء.. وكأننا في غابة تتصارع فيها حيوانات شرسة دون رقيب أو حسيب، مجموعة من ضباع تستمتع بايذاء الغير، والضجيج متصل، والصراخ مستمر، والمرور متوقف، والعريس يضحك ببلاهة هو أهل لها، وتهرب السيارات الضحية إلي شوارع جانبيه.. مما يشكل ارتباكا بدائيا عجيبا.. وطلقات المسدسات تتردد، مع ميكروفون مطرب الزمن الأغبر ومجموعة صبيان معه يغيرون الأزياء الفنية الخاصة بهم داخل ميكروباص، يبدلونها بعد كل فقرة غير فنية.. فراعنة، بدو، فلاحين، نوبة.. إلخ. والطبل والزمر وحريق البيروسول، ونيران الاسلاك والصدور.. والجنون لا يتوقف.. حتي بعد تحول الرعاع إلي حارات فرعية لزوم الرقص والتوهان والأغاني والصخب المعتوه.. والإرهاب الفعلي. هي حالة أو صورة أو حادثة تتكرر كل خميس أو أحد أو ربما يوميا.. عريس ينجح في دفع الناس لكراهية الأيام والظروف والطبقات، وفرح يمثل نموذجا لاهانة الذوق والعرف والأخلاق والبشر، لديهم هنا مريض يعاني أو تلميذ يذاكر، أو موظف يحتاج راحة، كما لا يهم تعطيل السيارات والمارة، وكما لا تهم أخطار تنتج عن المسدس والنار والسنجة، حالة تجسد استهانة بالقانون والبشر، بارواح البشر.. ويتعجب المرء.. عند رؤية سيارات موكب العرس تتمايل وتتلاعب بعرض وطول الشارع وأصدقاء العريس يتمايلون ويتلاعبون، بحجة مجاملة الفرح، وللشارع رب يحميه لا أعرف إلي متي يستمر ذلك الهوان المؤلم هل هذا التهور مع الإزعاج وقلة الذوق وسوء السلوك، وايذاء اسماع وأبصار الناس، والاجهاز علي البقية الباقية من اعصابهم مع اضاعة أوقاتهم، بتلويث متعمد للبيئة والمشاعر.. هل ذلك كله شرط لنجاح الزيجة؟ ثم من يحاسب هؤلاء؟ كم صرخنا .. مطالبين بالتصدي لأمثال هؤلاء.. دون جدوي.. بل إن الأمور تزداد سوءا.. ألا يكفينا ميكروفونات الباعة في كل شوارع المدينة، ناهيك عن ميكروفونات ليالي العزاء، والاعلان عن بضاعة أو وفاة شخص إلخ.. كأنه لا يكفينا «المواتير» والأجهزة وأصوات المعلمين في كل شارع في مصر.. و كأن الناس «ناقصة» تعب أعصاب. ما حدث في شارع بورسعيد هو صورة كربونية لما يحدث كل يوم في كل مكان داخل المحروسة.. ولا جديد!!! حتي بات المرء يكرر: البعض لا يقيم وزنا لمشاعر وحقوق الغير. ولا يرهبه قانون أو عقاب متوقع ويعمل بمبدأ أنا حر أفعل «مايحلو» لي. ليس للآخرين وزن.. الشارع والجو والهدوء كلها ملكي، ولا يهم المرضي «والتلامذة» وغيرهم.. «مش مشكلتي»، هكذا ببساطة.. دون تجريم أو رد فعل رسمي مع أنه لو حدث مرة.. وتم تغريم العريس (مثلا).. ومصادرة أجهزة الازعاج (مثلا)، واستضافة فرق الأحزان التي تغني علي العريس.. استضافتها ليلة في أقرب قسم شرطة (مثلا) لو حدث ذلك مرة.. لما تكرر مهرجان بورسعيد القاتل.. لكن من يقرأ ومن يسمع أراكم في زفة أخري.