علي عتبات فندق شيراتون بالقاهرة وهو يتهيأ للدخول مشاركا في اجتماع مجلس الدفاع العربي المشترك في الثامن والعشرين من نوفمبر سنة 1971 تم اغتيال السياسي الأردني وصفي التل الذي شغل منصب رئيس الوزراء لعدة دورات وتقلد عديدا من الوظائف الرفيعة التي تعبر عن علاقته الوثيقة مع الملك الأردني الحسين بن طلال. كان اغتيال وصفي التل باكورة سلسلة من الأعمال الإرهابية التي قامت بها منظمة أيلول الأسود بزعامة «أبوإياد» وهي المنظمة التي تستمد اسمها من المذابح التي تعرض لها الفلسطينيون في المملكة الأردنية خلال أيلول سبتمبر سنة 1970 وأقر الجميع فيما بعد أن المسئولية لا يتحملها النظام الأردني وحده. أي ثمار إيجابية يمكن أن تترتب علي الإرهاب واغتيال الأفراد؟ قد يكون وصفي التل متهما بكل الموبقات عند قاتليه لكن الاتهام لا يعني الإدانة فلكل متهم منطقه ودوافعه وتبريراته فضلا عن أن إزاحة شخص بعينه لا تعني القضاء علي سياسة عامة لا يقتصر تنفيذها عليه وحده وليس أدل علي ذلك من أن معاناة الشعب الفلسطيني مع النظام الأردني وغيره لم تنته بغياب وصفي بل إنها تعمقت واستفحلت وقد اغتيل أبوإياد نفسه بعد عدة عقود فكأن اللاعب بالنار لابد وأن يحترق بها! يبرهن التاريخ علي أن الحوار هو الوسيلة المثلي لمواجهة الخلافات والمشاكل ويؤكد التاريخ أيضا أن قضية واحدة لم تحسم عبر الاغتيال وقد عاني الإخوان المسلمون بعد اغتيالهم للنقراشي أضعاف أضعاف ما كابدوه في حياته لكن آفة الإرهابين الكبري أنهم بلا عقل ولا يحكمهم منطق رشيد. الأمر هنا لا يتعلق بالدفاع عن وصفي التل وما كان ينفذه من سياسات فالقضية الجوهرية هي خطورة ثقافة الصوت الواحد الذي يحتكر اليقين المطلق ويمنح نفسه صلاحية التحقيق وإصدار الأحكام وتنفيذها! المقاومة لاستعادة الحقوق الوطنية فعل نبيل والاستشهاد في سبيل الواجب بطولة جديرة بالاحترام لكن المدخل الصحيح لهذا كله هو فهم معني المقاومة وتحديد الأعداء فالبديل لغياب الوعي هو السقوط في دائرة الجلادين!