يستنكر كلٌّ منا ويغيظه أن يخدعه أحد، إذ يعتبر ذلك، فضلاً عن عدم أخلاقيته، استهانة بذكائه، وتعدياً علي كرامته، ومساساً بكبريائه.. غير أن الأمر "يعدي" بسهولة، ولا يفكر فيه المرؤ طويلاً إذا ما كان هو نفسه الذي يخدع نفسه، وكثيراً منا يفعل ذلك، وإذا ما كان هو نفسه الذي يستهين بها، ويقلل من فرص نجاحها، ويخلق لها حالة "التوهان" الحياتي.. في هذه اللحظة يفكر المرؤ في الموضوع وكأنها شطارة أو نوع من الفهلوة.. والحقيقة أنها أشد أنواع الخداع، وأقسي عقاب للفرد هو أن يخدع نفسه.. كان السيد المسيح يكرر دائماً "ماذا لو كسبت كل الناس وخسرت نفسك"؟ وهو سؤال استنكاري.. فلا شيء في الدنيا يساوي أن يخسر الإنسان نفسه، وأن ينزلها غير منازلها، وأن يهينها.. أياً كان الدافع، وأياً كانت النتائج. ويتحقق خداع النفس عندما تهمل في عملك، ظناً منك أن لا أحد يراك، ولا أحد يراقب أو يحاسب، والحقيقة أنك تظلم نفسك وتعودها علي ما تكره.. فظنك أنه لا أحد يراك هو ضد الفطرة البشرية التي خلق الله الناس عليها، وضد المعايير الإنسانية. ويتحقق خداع النفس عندما لا تعطي صوتك في الانتخابات مثلاً لمن يستحقه، وتعطيه لمن يدفع أكثر.. فأنت ترخص قيمة صوتك، وترخص قيمة نفسك.. رأيك ليس مطروحاً للبيع، وضميرك ليس شقة للإيجار، وصوتك هو أغلي ما تملكه، وهو أداتك لحماية مستقبل أولادك.. فلا تخدع نفسك.. ويتحقق خداع النفس عندما تضع أمنياتك علي كتف شخص غيرك، وأن تلعن هذا الشخص لأنه لم يحققها .. أحلامك ملك يمينك، فهل تترك محارمك لأحد.. وهل ترضي بمن يساعدك علي حمايتهن وتحقيق حاجاتهن؟ هل ترضي بنفسك بديلاً.. خداع النفس لا ينفع. وقد أمر الله سبحانه وتعالي بالصدق، فقال: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين".. كما جعل صفة الصدق من أجمل الخلال والصفات في أنبيائه، فقال تعالي عن نبي الله إبراهيم: "واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقًا نبيا" وقال عن إسماعيل: "واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيا"، وقال عن يوسف: "يوسف أيها الصديق"، وقال عن إدريس: "واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقًا نبيا". وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - (وفي رواية أخري الإمام علي كرم الله وجهه) إذا سمع من يمدحه يقول: اللهم أنت أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرًا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون. (اللهم أمين).