منذ أن حصلت علي درجة الدكتوراة كنت أنشر علي الأقل بحثين أو ثلاثًا في الشهر واستمررت علي هذا المنوال لمدة الخمس سنوات الأولي.. ثم قل المعدل بسبب انشغالي بالأعمال الاستشارية والمشاريع الهندسية الكبري التي رأستها بالإضافة للتدريس والإشراف علي الرسائل العلمية لطلابي. مرت السنون ووصلت إلي درجة الأستاذية وفكرت في التقاعد والتفرغ لهواياتي ولكنني قررت إنشاء مجلة علمية فريدة من نوعها ونجحت في ذلك ولكن رئاسة هذه المجلة كان عبئًا كبيرا وإن كان محببًا إلي نفسي، كنت أنشر بالطبع مثلي مثل عشرات من رؤساء التحرير الآخرين في مجلتي التي أنشأتها وكنت أرسل أبحاثي عن طريق السكرتارية الخاصة لعدد كبير من الزملاء لكي أستفيد من انتقاداتهم وبينما كان البحث يرسل في العادة إلي محكمين كانت أبحاثي ترسل علي الأقل لخمسة أو ستة من المحكمين وإن كان أغلبهم يعرفون علي الأقل اسمي وسمعتي العلمية وإني أنا مؤسس العلم الذي أبحث فيه وكذلك مؤسس ورئيس تحرير المجلة نفسها ولم يكن هناك في ذلك أي سر بل شفافية ووضوح كامل فأنا أستاذ ولا أحتاج لترقية ولا أحتاج لتمويل وأنشر أبحاثًا خارج عملي الأساسي كمهندس فقط كهواية وهي حبي الشديد للمعرفة عامة والعلم خاصة والطبيعة النظرية بالذات هي مصدر سعادة كبيرة لي. إذا الموضوع واضح ولا يمكن بأي شكل من الأشكال القول إن نشري 15 أو 20 بحثًا في أي عام من الأعوام أن يغير ميزان التقييم الأكاديمي لجامعة بكاملها في نفس العام، إذا ما ورد في النيويورك تايمز هو خطأ مخجل لهم، أنا فخور أنه كان لي يد في رفع معدل مستوي جامعة الإسكندرية وأعتقد أني رفعت المستوي بما لا يزيد علي 5% علي أقصي تقدير أما البقية فهي بسبب أعمال أساتذة عظام مثل الأستاذ الدكتور عبدالمنعم سليمان ومن قسم الاقتصاد والعلوم السياسية والذي في نفس الوقت سكرتير مؤسسة فكر التي يرأسها سمو الأمير خالد الفيصل الفنان والمثقف العربي الكبير، كذلك لابد أن اسم الأستاذ الدكتور أحمد زويل وهو خريج كلية العلوم وحائز علي جائزة نوبل في الكيمياء كان له تأثير كبير، أضف إلي ذلك أن جامعة الإسكندرية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بجامعة بيروت العربية التي أهداها الرئيس الخالد جمال عبدالناصر إلي الشعب العربي اللبناني والحقيقة كان لي شرف أن أدعي لإلقاء محاضرة عامة في هذه الجامعة وكنت شديد الاعتزاز بأني ألقيت هذه المحاضرة في قاعة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر في بيروت وفي حضور شقيقة رئيس وزراء لبنان في هذا الوقت «فؤاد السنيورة» بالنيابة عنه، ولكن أهم شيء هم العشرات من الأساتذة المتميزين مثل الدكتور عصمت زين الدين مؤسس قسم الهندسة النووية في جامعة الإسكندرية الذي كان الشهيد الأستاذ الدكتور محمد المشد أحد أعضائها والأستاذ الدكتور آسر علي زكي - أو اللورد آسر زكي كما أسميه - وعدد كبير من علماء ومهندسين عالميين مركزهم الأساسي هو جامعة القاهرة. الحقيقة أزعجتني كلمة وردت في مقاله النيويورك تايمز المذكورة وهي تهكم علي أن جامعة الإسكندرية بأنها ليست أهم جامعة حتي في الإسكندرية، هذا الكلام هو إسفاف وقلة أدب تدعوني أن أرجح أن الموضوع كله له هدف الإساءة إلي مصر عن طريق تسفيه أبنائها العلماء. جامعة الإسكندرية تلي فقط جامعة القاهرة في الحجم والعراقة ولا يوجد في الإسكندرية أو بالقرب منها أي جامعة أخري تنافسها وفي مدينة مبارك وهي مركز أبحاث وليست جامعة وكان مديرها إلي مدة صغيرة صديقًا من كلية العلوم جامعة الإسكندرية وهو الأستاذ الدكتور محمد السعدني، هناك مثل ألماني يقول: «لماذا يهتم القمر عندما تنبح بعض المخلوقات علي الأرض».. أرجو أن تستمر جامعة الإسكندرية مثل «القمر» في السماء وتترك النباح علي الأرض لمن احترفه ولكن أكون صادقا شعرت بأسي أن تنشر «المصري اليوم» هذا الهراء أو هذا النبيح، لقد سمحت لي الظروف أن أذهب لأغلب سواحل البحر الأبيض المتوسط.. من «بورتوفينوا» في إيطاليا إلي «كان» في فرنسا مرورًا «بكوستادل سول» في اسبانيا حتي شواطئ «فلوريدا» في الولاياتالمتحدة بالإضافة إلي «كاليفورنيا».. ولكني لم أر في حياتي جمالاً مثل جمال الإسكندرية ولا جمال أهل الإسكندرية.