لم يكن هذا الاسم المعروف عن مصر بأنها «أم الدنيا» من شدة الحماس والانتماء للوطن وعلو نبرة الوطنية لنداء مصر بهذا الوصف «أم الدنيا»!! ولكن التاريخ القديم يقول بل وتثبت الأوراق والمراجع التاريخية بأن مصر كان يطلق عليها «أم الدنيا» من كل متعامل مع ذلك الوطن في الزمن القديم والحديث أيضا. ونعود للاستراتيجية المصرية في قارتها الأفريقية حيث تكشف تلك الرسالة التي بعث بها سلطان «البرنو» في غرب أفريقيا إلي ملك مصر «الظاهر برقوق» عام 784 هجرية الموافق 1391 ميلادية يقول فيها حينما قصد «مصر» في طريقة للحج علي رأس قافلة تعدت الخمسة عشر ألف حاج ابن عم السلطان «التكرودي - المالي» وهي من «المتوكل علي الله تعالي الملك الأجل «سيف الإسلام» وربيع الأنام الملك المقدم القائم بأمر الرحمن «المستنصر بالله» المنصور في كل حين وأوان ودهر وزمان الملك العادل الزاهد «أبي عمرو عثمان» الملك ابن إدريس الحاج «أمير المؤمنين» المرحوم كرم الله ضربه إلي ملك مصر الجليل أرض الله المباركة «أم الدنيا». والقارئ يلاحظ من ديباحة هذه الرسالة أن الراسل قد نسب إلي نفسه ألقاباً كثيرة فخيمة في حين أنه لم ينسب للسلطان «المملوكي الظاهر برقوق» شيئاً مما إضافه لنفسه سوي أنه «ملك مصر الجليل» وأنه ملك علي «أم البلاد» والواقع للرسالة حسبما جاء فيما بعد هو تعمد وإمعان تجار الرقيق في غزو بلاده واختطاف «العباد» رجال ونساء وأطفال والاتجار في بيعهم في «مصر والشام» ويقول في الرسالة: «فإن حكم مصر قد جعله الله «في أيديكم من البحر إلي أسوان!!» فإن الغزاة قد اتخذوا من مصر متجراً نرجو إرسال الرسل إلي جميع أرضكم وأمرائكم ووزرائكم وقضاتكم وحكامكم وعلمائكم وصواحب أسواقكم ينظرون ويبحثون ويكشفون فإذا وجدوهم فليترعوهم من أيديهم!! هذه الرسالة المحمولة إلي ملك مصر - فيها من «الحنق والتوسل» معاً ويبرر «القلقشندي» ذلك الأسلوب في الرسالة بأنه: «جهل من الكاتب بمقاصد صناعة الإنشاء» إذ لا يهتدون إلي حقائقها ويضعف تبرير «القلقشندي» ما جاء في آخر الرسالة: حيث تقول «يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوي فيضلك عن سبيل الله «إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب» صدق الله العظيم والسلام علي من اتبع الهدي. فالآية إنذار عنيف كما أن الرسالة والسلام بتلك العبارة من ملك «أفريقي» مسلم إلي السلطان «المملوكي» فيها إهانة مقصودة إذ إن هذه التحية لا توجه إلا لغير المسلمين ومن هذه المظاهر في العلاقات المصرية الأفريقية في هذا العصر القديم ما يدل علي أن مصر عرفت «سوق الرقيق» قبل أن تعرفها دول أمريكا الشمالية والوسطي في القرن السابع عشر والتاسع عشر، وساهمت «مصر» في القضاء علي تلك التجارة قضاء تام!! للحديث بقية...