لا يمكن تصور قيام ديمقراطية حقيقية بغير وجود أحزاب حقيقية تولد من رحم الشارع وهو أمر يتطلب اعادة النظر في القواعد المنظمة لقيام وتكوين الأحزاب حتي تكون معبرة عن توجهات الكتل الشعبية بشكل حقيقي يقترب من الواقع، وعندها تصبح الخيارات لعضوية المجالس النيابية والشعبية معبرة بصدق عن التيارات السياسية ذات المرجعية الشعبية، وتختفي معها الصورة النمطية لضعف الإقبال علي المشاركة في الانتخابات، ونتخلص بالتبعية من الصور الكريهة التي كادت تفسد الحياة السياسية سواء بالفساد المالي أو البلطجة، ونسد الثغرات التي تقول بتزوير الانتخابات وتسديد خانات الناخبين في غيابهم. وفي نفس المجال لابد من إعادة النظر في نظام الانتخاب الفردي والانتقال الي الانتخاب بالقائمة النسبية حتي نقلل من ضغط الانتماءات العصبية والدينية والطائفية لحساب البرامج الحزبية، ونقلل من سيطرة رأس المال علي توجيه اصوات الناخبين، الأمر الذي يفسح المجال لتواجد شخوص أكثر قدرة علي التمثيل الحقيقي والواعي للناخبين لم تكن الانتخابات الفردية تتيح لهم فرصة التواصل مع القاعدة الانتخابية. ولا يمكن تصور أن هذا يمكن أن يتحقق بقرارات فوقية آمرة، لكنه يحتاج إلي فعل مجتمعي عبر آليات الإعلام والتعليم والثقافة ومنظمات المجتمع المدني التي عليها أن تتوجه لرجل الشارع تعيد ترتيب منظومة قيمه التي اختلت لأسباب متعددة سواء عبر تراكم سياسات الاستبعاد خاصة في حقبة التوجه الشمولي، أو بفعل الاختراق الثقافي والفكري المتصحر والبدوي، أو بفعل موجات الإفساد التي صاحبت التحول الانفتاحي العشوائي، وخضوع آليات تكوين الوجدان والفكر الجمعي إعلام وتعليم وثقافة لضغوط وابتزاز كل هذه الفعاليات المتتالية حتي اصبحت اخطر ادوات شيوع السلبية واللامبالاة بل واللاانتماء. وحتي يمكن ترجمة المواطنة الي فعل يومي وحياتي أري أن يتحمل المجلس القومي لحقوق الإنسان باعتباره يجمع بين الصفة الرسمية والصفة الشعبية ويضم نخبة من علماء الاجتماع والسياسة والاقتصاد فضلاً عن الحقوقيين بالدعوة الي مؤتمر قومي يضم كل الأطياف الفكرية والسياسية والحزبية، فضلاً عن اساتذة الجامعات والباحثين في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والوزارات ذات الصلة التعليم والإعلام والثقافة يضع رؤي علمية عملية بصدد كيفية تفعيل فكر وثقافة المواطنة مجتمعياً، عبر مشروع متدرج ومحدد الخطوات ، ترفع للسيد رئيس الجمهورية وفقاً لصلاحياته الدستورية ليترجمها الي قرارات أو قوانين يحيلها للبرلمان لإقرارها، أو لتعديل ما هو قائم من قرارات وقوانين لتتسق مع ما انتهي اليه مؤتمر المواطنة. وفي سياق التفعيل المجتمعي الثقافي والاجتماعي والسياسي لنسق الدولة المدنية وتكريس ثقافة المواطنة ، جاءت توصيات التيار العلماني في مؤتمره الثالث محددة ومشتبكة مع الواقع المعاش والتي تحددت في: دعوة وزارة الثقافة إلي تعميق الوعي بالثقافة الشعبية في جميع المحافظات ، ودعم الدراسات الإقليمية النوعية بخصائصها الذاتية في هذا الصدد لكل محافظة دعماً لثقافة التنوع داخل منظومة الثقافة الوطنية. دعوة آليات الإعلام إلي وضع ميثاق شرف تلتزم به في فروعها المختلفة ( المرئي والمسموع والمقروء والإنترنت ) يؤكد علي احترام التنوع الديني والثقافي والسياسي خاصة في البرامج الحوارية والدرامية. دعوة النقابات إلي العودة إلي دورها المهني الذي يسعي لحماية حقوق أعضائها وضبط أدائهم لواجباتهم المهنية تجاه المجتمع. دعوة الأحزاب السياسية إلي تفعيل دورها في المشاركة السياسية والتفاعل الموضوعي والإيجابي بشكل فاعل مع طوائف المجتمع ورجل الشارع ، وعلي جانب آخر يوصون برفع القيود عن هذه الممارسة. دعوة آليات تشكيل الوجدان الجمعي «التعليم والإعلام والثقافة والمؤسسة الدينية» إلي إعادة ترتيب أجندتها ودفعها تجاه تفعيل المواطنة الكاملة بعيداً عن دعاوي التخوين والتكفير والمؤامرة. تطعيم المناهج التعليمية بما يدعم نشر فكر الدولة المدنية والمواطنة والديمقراطية الليبرالية خاصة في مرحلة التعليم الأساسي. دعوة المؤسسة الدينية بشقيها إلي تفعيل دورها في مجال دعم قيم المواطنة لدي أجيالها الناشئة ودعم المشاركة المجتمعية علي أرضية التشارك في السعي نحو تحقيق التقدم والتنمية والمساواة، وصولاً إلي مجتمع العدل والرفاهية. دعوة المؤسسة التشريعية إلي مراجعة مواد الدستور لتأكيد مدنيته وتنقيته من التوجه الديني الأحادي اتساقاً مع طبيعة مصر عبر التاريخ باعتبارها دولة محورية في الدوائر الإقليمية والقارية والعالمية. ويبقي في ظل الأحداث المتلاحقة والتي تسعي لتقويض الدولة المدنية لحساب دولة الطوائف والارتداد للنسق القبلي تحت ضغط وفعل القوي الرجعية الراديكالية التي تسعي لاغتصاب الدور الإقليمي لمصر والذي يتطلب تحقيقه تفتيت الدولة المصرية، أري أنه يجب تشكيل مجلس أعلي للمواطنة يتبع مؤسسة الرئاسة ويمنح صلاحيات متابعة التعديات التي تنتقص من نسق المواطنة ومساءلة مرتكبيها وتقديمهم للعدالة بعد تقنين هذا في ظل تفعيل المادة الأولي من الدستور.