تؤكد شواهد الواقع ومعطياته أن منظومة القيم تعاني أزمة حقيقية في المجتمع المصري، لعشرات التطورات والتغيرات النابعة من الداخل، وتلك الوافدة من الخارج. نعم عانت هذه المنظومة في الماضي بعض المظاهر والسلوكيات. لكن لم تصل الأزمة إلي ما عليه وضعها الآن. وصحيح أيضًا أن كل المجتمعات - بدرجة أو بأخري - باتت تعاني أزمة أخلاقية، وبالدرجة التي يمكن القول معها: إنها باتت أزمة عالمية - ولكن هذا لا يبرر التسليم بها في مجتمع له ثوابته وأخلاقياته وقيمه المستمدة من طبيعته، وطبعه، وما حظي به من أنه نقطة انطلاق الديانات، والحضارات، وهذا المجتمع هو وليس غيره المجتمع المصري، وبالتالي فإن ما يعانيه من أزمة في قيمه وأخلاقياته يعد فعلاً تحديًا يجب مواجهته بآليات تتناسب وحدة هذه الأزمة. وحتي يتبين لنا مدي عمق وخطورة هذه الأزمة نشير إلي المفهوم الواسع لمنظومة القيم والذي ينتظمها النسق القيمي السائد في المجتمع، وهذا المفهوم لا يقتصر علي القيم الأخلاقية وإنما تتعدد أنواعه فهناك القيم: الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والعلمية، وغيرها من المجالات التي باتت تعاني بالفعل أزمة حقيقية، وعلي سبيل المثال لا الحصر تعاني منظومة: - القيم الدينية من خلل واضح في التعامل معها؛ حيث تحولت لدي كثير من المؤمنين إلي ممارسات تفقد هذه القيمة معانيها ومثلها العليا، ومقاصد الأديان السامية، بل وبات استغلال الدين استغلالاً يسيء إ لي قيمه وأخلاقياته، وأصبح التركيز علي الشكليات والبعد عن جوهر الدين وما يحث عليه من عدل ورحمة، والحفاظ علي كرامة الإنسان، وتوظيف القيم الدينية فيما ينفع الناس في دنياهم وآخرتهم. - القيم الاجتماعية التي من المفروض أن تعمق التراحم والصلات الحميمة والأخوة، ومراعاة المشاعر والحفاظ علي قيم وأخلاقيات الأسرة المصرية. فهذه القيم باتت تعاني الآن من اختلال وفساد، وعلي كل المستويات، خاصة داخل الأسرة، وبين الآباء والأبناء والأخوة والأخوات، وما تفرضه العلاقات الإنسانية مع الآخرين. - القيم الثقافية التي تفرض الالتزام فكرًا وإبداعًا، وتعمل علي تكريس الحق والخير والجمال، والحفاظ علي ثوابت الأمة وموروثها الثقافي، وتوظيفه الثقافة في بناء الإنسان، وتكوين وعيه تكوينا صحيحًا لا زائفًا. نقول: إن هذه القيم تعاني في الوقت الحاضر من عشرات السلوكيات والممارسات والمفاهيم ما يفرغها من قيمها ومضمونها، بل ويفقد الثقافة رسالتها الإنسانية السامية، ويفقد المجتمع تماسكه ووحدته. - ونصل إلي القيم الاقتصادية، والتي تحولت إلي عملية نهب وسلب واستغلال، وفساد، وأصبح هناك من يستهدف المزيد من الغني والثراء، علي حساب الفقراء. وعن هذا وغيره يطول الحديث، وما عليك إلا مطالعة ومراجعة ما يحدث من نهب وسلب لممتلكات البلد والسيطرة عليها، وبيعها بأرخص الأسعار، بل وإعطاء الفرصة للأجانب لامتلاكها وإقامة القضايا التي يحصلون من ورائها علي تعويضات قليلة. - أما القيم السياسية فقد لا تكون بحاجة إلي الإطالة حولها، وما عليك إلا ملاحظة ما يحدث بين من يطلق عليهم زورا وبهتانا بالنخب السياسية، وما يقولون به من خداع وتدليس وتزييف وتصفية حسابات، والتقلب في المواقف من أقصي اليسار إلي أقصي اليمين، والعكس صحيح تمامًا، بل وعقد الصفقات مع المختلفين معهم أيديولوجيا، لا لشيء إلا لتحقيق المصالح والمنافع البعيدة تمامًا عن المصالح العليا للوطن. - أما القيم العلمية، وما يتعلق بها من أخلاقيات البحث العلمي، فهذا يحتاج لمقال خاص، ويكفي فقط أن نشير إلي السرقات العلمية، وعدم تحري الدقة والموضوعية في القيام بالبحوث العلمية، واستخلاص النتائج والحقائق. عشرات المظاهر التي تكشف عن أن منظومة القيم في المجتمع المصري تعاني أزمة حقيقية تفرض ضرورة مواجهتها والكشف عن الظروف المرتبطة بها، والتغلب عليها. والله من وراء القصد