لأنهم بدأوا لتوهم طريق الإبداع والكتابة، بل طريق الحياة أيضا، بوصفهم كتابًا شبابًا، قررنا في "روزاليوسف" أن نفسح لهم مكانا علي مدار عدة أيام، لنلتقي وقراؤنا بهم، نتعرف معهم علي آرائهم وأفكارهم تجاه كتاباتهم، وتجاه حياتهم المعاشة، وعالمهم الأدبي من حولهم، مدفوعون بالرغبة في الاقتراب منهم في عصر ازدحمت فيه الكتابات بشكل قد يجعل من الصعوبة بمكان متابعتها عن قرب، لعل اقترابنا منهم يفتح لهم نافذة تعرفهم علي القارئ وتعرف القارئ بهم، أو يمثل نقطة إضاءة لهم في مشروعهم الإبداعي. ماذا يحدث لو حاول المبصرون أن يجربوا شعور العمي؟ كيف نبصر الأشياء شكلا ولا نبصرها مضمونا؟، وهل نقصد أن نكون عميانا في لحظات حتي لا تصدمنا الحقائق؟، هل العمي خفة أم حمل ثقيل، أسئلة يطرحها الروائي والسيناريست أسامة حبشي في أولي رواية «خفة العمي» الصادرة عن دار «الدار» للنشر والتوزيع، ويبحث لها عن إجابات من خلال محاولة انتقام إحدي بطلاته. بعد روايتك هل وجدت أن للعمي خفة؟ - من الممكن أن يعيش الإنسان مبصرا وأعمي في آن واحد، ومن الممكن أن يولد شخص أعمي، ومع ذلك يبصر ما لايبصره المبصرون، وقد يتبادلون الأدوار في الحياة، العمي للبطل، الرؤية اختيار وليس إجباريا، وتعامل مع العمي بالتعاطف وبالخفة، وليس من جانبه الثقيل، فالبطل في الرواية «تعامي» ليكتشف الحياة من عالم خاص جمع بين النقيضين، الإبصار والعمي، البطل أغمض مشاعرة وإغلق أبصاره قصداً، حتي حين جاءه الحب وحين تعرض للانتقام، الرواية هي محاولة للدخول في المشاعر الإنسانية والبحث في الذات، والإنسان بداخله الحب والخير والانتقام، وفي لحظة يتغلب أحد المشاعر علي الآخر. وصفت الأشياء بالعمي مثل: «العمي الأخير» و«عمي المدينة السعيدة» و«عمي الروح» و«عمي الزهور» فماذا كنت تقصد بهذا؟ - حالة العمي التي أقصدها بصفة عامة هي أننا قد نصاب بعمي بالأشياء رغم أن الأشياء تبصرنا، فمثلا في لقائنا بأحد الأشخاص في الشارع لانبصره، وقد نتحدث مع كثيرين ولا ندرك ما يقصدون لأننا مشوشون فكرياً، وفي حالة غيبية مؤقتة رغم الإبصار، عمي في الوعي واللاوعي، عمي عما بداخلنا، وعمي في تحقيق الذات، وعمي في رؤية حقائق الواقع بدون تزييف مقصود، نعيش حالة تشويش في الأفكار واللامبالاة مع الأحداث التي تمر بنا. هل اشتراك البطل والأب في التأثر بالروايات الأجنبية، له رمز في العمل؟ - البطل أثناء عمله مذيع راديو، استلهم أول برامجه من رواية «مدن لامرئية»، أما الأب الذي كان يعمل ميكانيكي طائرات فلم يقرأ إلإ رواية واحدة لديستويفسكي هي رواية «الأبله» وكتبها علي جدران المنزل، ودائما يناقش ابنه فيها ويختلفون حول الرواية، هنا يرمز للكثير من الدلالات ولها أكثر من تفسير، ومتروك للقارئ ورؤيته لما بين سطور الرواية، وفي النهاية قد يتضح أن كليهما شكل مناطق مرئية في شخصية الآخر، كما شكل مناطق غير مرئية فيما بينهما، وكلما تباعدا عادا لنفس الحوار والمناقشة. ماذا استفدت من حضور بعض الروايات الأجنبية في الرواية؟ - البطل مثقف ويستخدم أسماء الروايات، وتذكرة لبعض مشاهد من الروايات لا يبعد القارئ عن الرواية الأساسية، حتي لو القارئ لا يعرفها ولم يقرأها، قد يقرب القارئ من خلالها من مضمون الرواية ومن الأحداث وتسلسها. وربط مشاهد في الرواية بمشاهد أخري في روايات أجنبية، لا يضعف المضمون أو ينقص القيمة الأدبية، بل يؤكد أن الحياة بمفرداتها غير مرئية، هي في الأصل رواية كتبت أو ما زالت تكتب بأشخاص آخرين، ولا تنتهي الرواية كما لا تنتهي الحياة بنهاية أبطالها، بل تستمر نفس الأحداث والتجارب بأشخاص آخرين. لماذا جعلت البطل ينتقل بين مقاهي وسط البلد «الندوة الثقافية» «الحرية» و«البستان»؟ - أطلقت علي مقاهي منطقة «وسط البلد» في الرواية «كعبة وسط البلد»، لأنها مجموعة مقاهي محدودة، لا يخرج عنها المثقفون علي كل المستويات، هذه الأمكان يتم فيها لقاءات ببشر من نوع مختلف، والبعض منهم يلقي بتجربته الشخصية علي الآخر دون أن يجعل له فرصة التفكر في رفضها أو قبولها، وهؤلاء أشخاص غير مرئيين في المجتمع، ولا في نفوسهم، ولا عند الآخر الذي يتحدثون معه، وأيضا نحن قد نكون غير مرئيين بالنسبة لهم، وكلاهما أعمي بالنسبة للآخر، والبطل كان يتردد علي هذه المقاهي ويجلس بالساعات ويتعرف علي الفتاة التي تهوي التمثيل وترغب في أن تكون بطلة وترفض أحداث الوسط الفني، وهذا النموذج يتكرر كثيرًا علي المقاهي مع شعراء وأدباء ومطربين وحتي فنانين مغمورين. هل تقسيم الرواية إلي مجموعات لقطات، يعكس تأثر في كتابتك بعملك في السينما كسيناريست؟ - هذا التقسيم هو تواصل واتصال بين الأحداث والمواقف، وليس انفصالاً ذهنيا، أي نص أدبي للرواية يتكون من مجموعة مشاهد تقف لتبدأ غيرها، هذه اللقطات تسهل علي القارئ المتابعة والربط بين الأحداث، وهذه اللقطات والمشاهد ليست إلا تمثيل للواقع وأحداثه مع بعض الصياغة في الحوار، لتأكيد لحظة شكلت لحظة أخري.