خلال ساعات قليلة، ستحسم القضايا الداخلية (اقتصاد - صحة - انفاق حكومي - تقليص دور الحكومة...الخ) نتيجة انتخابات التجديد النصفي للكونجرس بينما تتنحي بشكل كبير قضايا السياسة الخارجية أو حتي تلك المتعلقة بحربي العراق وأفغانستان. الاهتمام بالمشاكل الداخلية هو سمة انتخابات 2010 والذي ترجم في ازدياد شعبية "حزب الشاي" أو Tea Party التي تعد الظاهرة الأبرز لانتخابات هذا العام التي بدأت حملاتها ودعايتها الانتخابية منذ عدة أشهر لكي يتسني للمرشحين الترويج لبرامجهم السياسية، وذلك بالرغم من أن حزب الشاي لا يحمل برنامجا حقيقيا وبالتالي فلا مستقبل له كما قال لي توماس فريدمان الكاتب الصحفي الأمريكي الشهير في حواره مع "روزاليوسف" والذي نشر أمس الأول. حزب الشاي أعضاء حزب الشاي تغلب عليهم خصائص معينة مثل أنهم بيض ينتمون للطبقة الوسطي وهم من المحافظين ومن الجمهوريين أو من الجمهوريين الجانحين للمستقلين وغالبا ما يكونون كبارا وليسوا شبابا، لأن أفكارهم لا تستهوي الشباب الذي يجب أن يكون مقتنعا أولا بالتوجه المحافظ لكي يجد حزب الشاي جذابا. "روزاليوسف" استطلعت آراء بعض المراقبين والصحفيين الذين أبدوا حيرتهم من هذه الظاهرة، جيمس نورمان محرر استطلاعات الرأي في جريدة "يو اس ايه توداي" هو أحد هؤلاء والذين أشرفوا علي 4 استطلاعات حتي الآن حول حزب الشاي وفي كل مرة يختلف عدد المؤيدين للحركة (كان 30% في الاستطلاع الرابع). يقول نورمان: ان أنصار حزب الشاي أنفسهم لا يعرفون ما هي حركتهم، هذا ليس تجريحا في شأنهم لكنه ليس حزبا.. هو حركة. يري نورمان ان المجتمع الأمريكي يعاني من الانهيار، لكن من واقع خبرته في مجال استطلاعات الرأي التي ترجع الي عام 1977، فان الشعب الأمريكي يتجه الي معارضة حكومته في أوقات الأزمات الاقتصادية أيا كانت هذه الحكومة ديمقراطية أو جمهورية وهنا تظهر حركات سياسية جديدة تكتسب شعبية بسرعة هائلة ولهذا يزداد اعجاب الأمريكيين اليوم بحزب الشاي. ويضيف: اليوم هناك مشاعر سلبية تجاه الحزبين الرئيسيين وهذا يحدث عندما تسوء الأوضاع.. تطغي المشاعر السلبية علي كل شيء. "دونا شالالا" رئيسة جامعة ميامي والمعروفة بانتمائها للحزب الديمقراطي قالت ان مشكلة هذه الحركات السياسية أنها لا تملك برنامجا وهي تكتفي بمعاداة الحكومة قائلة "لا" من دون "لا ولكن" لتوفير الحلول البديلة، واعتبرت أن أكبر تأثير سلبي لحزب الشاي سيكون علي الجمهوريين الذين دب الانقسام في صفوفهم وليس الديمقراطيين، فحزب الشاب الذي يعد أنصاره من المحافظين بات هو المنافس الأول للحزب الجمهوري (وهو ما ظهر في تقدم مرشحي حزب الشاي في ولايات كانت معروفة بولائها للجمهوريين). هذا التأثير هو الذي جعل معد أمريكان انتربرايز أحد المعاقل الفكرية للمحافظين الجدد يعتبر أن 2010 يشهد انقراض المعتدلين وهو بالطبع لم يكن ليقول ذلك ان كانت قوة الجمهوريين في تصاعد. النساء قادمات تقول ديبورا بيترسون أستاذ الاتصال السياسي بجامعة سانت توماس في مينسوتا ان عام 2010 هو أيضا عام المرشحات الانجيليات المحافظات البيض مثل سارة بالين ونيكي هالي وميج ويتمان وكارلي فيورينا في كاليفورنيا وشارون أنجيل في نيفادا وكريستين أودونل في ديلاوير وليندا ماكماهون في كونيكتيكت، مشبهة المعركة بين أشرس امرأتين جمهوريتين هما بالين وميشيل باخمان واللتين دخلتا معركة شفهية من قبل وصفت بأنها "معركة قطط" أو Cat Fight وهو مصطلح يطلق علي التنافس أو المعارك الساخنة بين النساء. "نحن في عصر الفتيات الجمهوريات اللؤمات" هكذا وصفت الكاتبة مورين دود في جريدة "نيويورك تايمز" هذا السباق "الناعم"، فهل تأتي انتخابات الرئاسة بعد عامين بأول امرأة في البيت الأبيض لتخلف أول رئيس أسود؟ "كيت سيلي" المحررة السياسية بالجريدة نفسها تنفي ذلك بشدة وتقول انها لا تري أي مرشحة نسائية محتملة لانتخابات 2012. هيلاري كلينتون هي الأنجح حتي الآن فقد خاضت طريقا طويلا لكنها أعلنت أنها لن تترشح مرة أخري، أما سارة بالين فيقال انها ستظل شخصية اعلامية فقط تكتفي بشحذ الشعب كما انها لا تحظي بدعم الجمهوريين فأنصار كريستين أودونل في ديلاوير علي سبيل المثال لا يريدون دعم بالين لمرشحتهم الجمهورية لأنهم يرون أن ذلك سيضرها أكثر مما يخدمها. واستبعدت سيلي أيضا أن تصبح ميشيل باخمان مرشحة رئاسية فبالرغم من أنها تحظي بتغطية اعلامية مكثفة لأنها تحب لفت الأنظار وتثير الجدل، الا أن قاعدتها الشعبية ضيقة للغاية ولا ترقي لأن تكون قاعدة وطنية لكن الاحتمال وارد. وأضافت "الأمريكيون قد لا يكونون راضين عن أداء أوباما لأنه شاب وبلا خبرة لكن لا يمكنك أن تهزم شخصا بدون بديل والمعارضة حتي الآن فضلت في ايجاد هذا البديل لأن ميت رومني ومايك هاكابي وغيرهم من الجمهوريين لديهم أخطاؤهم أيضا". تطرف الجمهوريين ولكن حتي الحزب الجمهوري اختلف كثيرا عما كان سابقا وجنح الي اليمين ليصبح صاحب توجه محافظ متشدد كما يقول ديفيد دورنبرجر عضو مجلس الشيوخ السابق عن الحزب الجمهوري في السبعينيات من القرن الماضي. "ليس هناك فرصة لي اليوم لنيل ترشيح الحزب الجمهوري اذا ما أردت ترشيح نفسي في الانتخابات" هكذا يلخص المسألة. ويعتبر دورنبرجر أن المدافعين عن الحريات في أمريكا أو ما يطلق عليهم Libertarians هم أفضل الجمهوريين الموجودين حاليا، منتقدا تسييس الأفيال لبعض القضايا مثل قضية المركز الاسلامي في نيويورك. كونجرس منقسم وتوقعت كيت سيلي الصحفية الأمريكية أن يخسر الديمقراطيون مجلس النواب لصالح الجمهوريين بينما يحتفظون بأغلبية بسيطة في "الشيوخ" وربما يجد أوباما نفسه مضطرا لاستخدام حق النقض "الفيتو" لعرقلة مشروعات يمررها الكونجرس الجمهوري كما تذهب معظم التحليلات ليكمل أوباما عاميه المتبقيين في ولايته الأولي مع كونجرس منقسم، مشيرة الي أنه اذا صوتت ديلاوير للجمهوريين فان الديمقراطيين قد يخسرون مجلس الشيوخ أيضا. وتساءلت ان كانت تتكرر تجربة بيل كلينتون الذي خسر مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي 1994 بسبب تحويل الأصوات للجمهوريين بعد مضي عامين علي دخوله البيت الأبيض وبالتالي يدخل أوباما نفقا مظلما يتوقع بعض المحللين أن يكون مسدودا حيا لتعنت الجمهوريين واعلانهم أنهم لن يتعاونوا مع أوباما أو الديمقراطيين في حال فوزهم بالكونجرس، وهو ما علق عليه الرئيس الديمقراطي بالقول انه "خطاب انفعالي".. لكنه ربما ليس كذلك..! خلال مناقشات عديدة جمعتني بمواطنين أمريكيين عاديين، شعرت بحالة الاحباط التي يشعرون بها من كلا الحزبين وادراكهم أن أمريكا لن تصبح بلدا أفضل الا عندما يقرر "الحمير" و"الأفيال" أن يتعاونوا سويا من أجل الصالح العام.. وهو حلم بعيد المنال خاصة في ظل حالة استقطاب واسعة يشهدها الاعلام الأمريكي بين الليبراليين والديمقراطيين وبين الجمهوريين والمحافظين. حالة الاستقطاب السياسي التي انتشرت علي قنوات الكابل التليفزيونية أدت الي زيادة جمهور الاعلام المحافظ الذي تمثله قناة "فوكس" بشكل كبير في الفترة الماضية كما يقول بيل كيللر رئيس التحرير التنفيذي ل"نيويورك تايمز" لينتشر بعد ذلك علي الانترنت. هذا ما جعل جون بوديستا مدير مركز التقدم الأمريكي ورئيس الفريق الانتقالي لأوباما بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية وقبل توليه مهامه، يصف الحياة السياسية في أمريكا بأنها "مقرفة". بيزنس الكونجرس فريدمان في حواره ل"روزاليوسف" قال ان الكونجرس تحول الي ما يشبه الوعاء للرشاوي القانونية Legal Bribery منتقدا حجم الأموال الضخم الذي ينفق علي الدعاية الانتخابية. والحقيقة أن تحالف السياسة والبيزنس هو محط انتقاد الكثيرين في أمريكا، اذ تفيد مصادر ''سنتر فور ريسبونسيف بوليتيكس'' Center for Responsive Politics الذي يتتبع أمور إنفاق الأموال في الحملات الانتخابية، أن مجموعات خارجية أنفقت نحو 200 مليون دولار علي انتخابات 2010، مقابل 69 مليون دولار قبل أربع سنوات، وهو ما يرجعونه إلي حكم المحكمة العليا المثير للجدل في شهر يناير الماضي الذي يدعي كثير من نشطاء الحملة الانتخابية أنه حوّل المشهد السياسي الأمريكي إلي الغرب المتوحش. ووفق تقرير للمركز نفسه، تبين أن أغلي 10 سباقات انتخابية علي مقاعد "الشيوخ" هي في كونكتيكت ونيفادا وكاليفورنيا وفلوريدا وأريزونا وويسكونسن وبنسلفانيا وواشنطن (الولاية وليست العاصمة) والينوي وميزوري. وبالنظر إلي ولاية كونكتيكت الأغلي في السباق الانتخابي علي مقعد مجلس الشيوخ، نجد أن حجم حملة المرشحة الجمهورية ليندا ماكماهون وصل إلي 48 مليونا ونصف مليون دولار مقارنة بمنافسها الديمقراطي ريتشارد بلومنتال الذي جمع 14 مليونا تقريبا وبعدهما يأتي المستقلون "الفقراء" الذين لا يستطيعون جمع أكثر من ربع مليون وهو يظل رقما كبيرا بالنسبة لهم فعادة تكوت الميزانية المخصصة (التي تشمل الأموال التي تم جمعها أيضا) أقل من 100 ألف. أما بالنسبة للصراع علي مقاعد النواب فأغلي السباقات الانتخابية هي في بعض الأحياء في مينسوتا وفلوريدا وأوهايو ونيويورك وساوث كارولاينا وواشنطن وتكساس، والأغلي فيهم دائرة حي مينسوتا السادس الذي تتنافس فيه الجمهورية ميشيل باخمان بحملة انتخابية تصل قيمتها إلي ما يقرب من 22 مليون دولار مقارنة بمنافسها الديمقراطي تاريل كلارك الذي تصل قيمة حملته إلي 12 مليونا. لهذا لا يستطيع المستقلون المنافسة ولا مكان لحزب ثالث في الحياة السياسية الأمريكية..! إسرائيل تتهرب وكالعادة، استفادت اسرائيل من الظروف السياسية في الولاياتالمتحدة لتعلن أنه لا تقدم في المباحثات مع الفلسطينيين قبل انتهاء انتخابات الكونجرس، واذا ما جاءت الانتخابات بكونجرس منقسم فان أمريكا قد تتجه للتركيز علي مشاكلها الداخلية ويضيع الأمل الذي وعد به أوباما باحراز تقدم في الشرق الأوسط عند ترشحه لرئاسة أمريكا. وأكد استطلاع لحركة "جيه ستريت" الأمريكية اليهودية أن اسرائيل ليست من القضايا الانتخابية بالنسبة للناخبين اليهود الذين يهتمون أكثر للاقتصاد الأمريكي. وفي محاولة الأسبوع الأخير قبل اجراء الانتخابات، ظهر الرئيس الأمريكي في البرنامج الكوميدي "ذا ديلي شو" الذي يقدمه المذيع المعروف جون ستيوارت ليعدل من شعر حملته "نعم نحن قادرون" الي "نعم نحن قادرون ولكن.." مما أضحك المذيع قبل أن يكمل أوباما عبارته "ولكن لن نستطيع التغيير في 18 شهرا"، وذلك أملا في الحفاظ علي تصويت أنصاره للحزب الديمقراطي. المعركة السياسية بين الديمقراطيين والجمهوريين "صعبة في كل أنحاء أمريكا" هكذا عبر أوباما داعيا أنصاره الي تحفيز أصدقائهم وعائلاتهم للتصويت في الانتخابات والا يذهب التقدم الذي أحرزه في العامين الماضيين هباء.