في كل مرة يلتقي فيها الملك عبدالله مع الرئيس بشار الأسد تنتعش آمال اللبنانيين في تهدئة ينعمون بها، واستقرار ينشدونه، وانقشاع لخطر صدام طائفي يهددهم.. لكن سرعان ما تتبدد هذه الآمال، ويعود اللبنانيون يعيشون الخطر، بل ربما يزداد إحساسهم بهذا الخطر الذي يلف حياتهم منذ سنوات قبل حتي اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. لقد راهن فريق من اللبنانيين علي علاقة قوية بين المملكة العربية السعودية وسوريا لضمان أن يظفروا باستقرار بلدهم.. راهنوا أن التوافق السعودي - السوري - يمكن أن ينجب توافقاً لبنانياً لبنانيا، أي توافقاً بين قوي لبنان وطوائفه المختلفة والمتعارضة في رؤاها ومصالحها.. ولخص نبيه بري هذا التوافق في المعادلة التي سماها «س. س»، وعندما ظفر لبنان بتشكيل حكومته الحالية برئاسة الحريري الآن فاخر رئيس مجلس النواب اللبناني بصحة نظريته لأن الحريري الآن لم يعلن عن تشكيل حكومته التي اعترضتها صعوبات عديدة وخلافات متنوعة وتحفظات مختلفة إلا بعد أن تحسنت العلاقات السعودية - السورية، وبدأت اللقاءات بين الملك عبدالله والرئيس بشار الأسد تتتابع. لكن يبدو أن نبيه بري سيضطر إلي إجراء مراجعة في نظريته هذه فالتوافق السعودي - السوري لم يخلق توافقا لبنانياً، والعلاقات الطيبة بين الملك عبدالله والرئيس بشار الأسد لم تمنع من حدوث مشاكل كبيرة داخل لبنان، بين قواه وطوائفه المختلفة.. بل إن الأمور تسير في لبنان ليس في اتجاه احتواء الخلافات أو حتي تجميدها وتبريد سخونتها إنما في اتجاه معاكس تماماً، هو اتجاه التصعيد لهذه الخلافات أو اتجاه الصدام. وبعد الإخفاق في التوصل إلي حل بين تجمع 14 آذار، والمعارضة 8 آذار حول ملف شهود الزور وتحديداً حول الجهة القضائية التي يتعين إحالة الملف إليها للتحقيق فيه، ها هو حزب الله يمضي قدماً في خطواته التصعيدية، ويحرض أمينه العام اللبنانيين علي عدم التعاون مع محققي المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري، بما يعني الرفض للمحكمة الدولية من حيث المبدأ حتي قبل أن تصدر أي قرار اتهام يخشي حزب الله أن يتضمن اتهامات لبعض كوادره أو عناصره.. وفي المقابل تصر مجموعة 14 آذار علي المحكمة الدولية وعلي ضرورة التعاون معها، وتدبير التمويل اللازم لها في إطار الموازنة اللبنانية، وهو ما ترفضه المعارضة اللبنانية، إذا كان هذا الوصف مناسباً، وهي تشارك بالفعل في الحكم! وهكذا لم يجنب التوافق السعودي - السوري لبنان الانقسامات والصدامات، ولم يمنحه توافقا يبحث عنه ولا يجده.. والسبب أن السعودية وسوريا ليستا وحدهما اللتين تملكان تأثيراً علي لبنان.. إيران لديها هي الأخري نفوذ داخل لبنان، وهو نفوذ أقوي من النفوذ السعودي واللبناني، فحزب الله الذي يملك أكبر قوة عسكرية داخل لبنان تفوق قوة جيشه يفتخر بأنه جزء من إيران، وولاءه للولي الفقيه في إيران.. وهو الذي يبادر الآن بالتصعيد خطوة وراء أخري. ولذلك.. ربما يتفتق ذهن نبيه بري علي تعديل معادلته لتصبح «أ. س. س» بدلاً من «س.س» فقط.