كان الرئيس مبارك يجلس سعيداً يملؤه الشعور بالفخار والمجد.. وهو يستمع إلي صوت الرئيس أنور السادات الذي كان يشيد بإنجاز البحرية المصرية.. وكان بدوره - رحمه الله - يتحدث عن مجدٍ تم في عصر الرئيس عبدالناصر.. لوهلة انتبهت إلي أن النصر بني جسراً بين الرؤساء الثلاثة.. بخلاف جسور أخري عديدة. لقد علقت الهزيمة في عنق الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.. لكن حرب الاستنزاف التي بدأها كانت قد بدأت تسجل في صفحاته بعض التصحيح.. وكانت البداية هي معركة رأس العش.. ثم كانت السابقة التاريخية التي صنعتها العسكرية البحرية المصرية في 21 أكتوبر 1967، حين دمرت القطعة البحرية الإسرائيلية الأكبر إيلات.. بصاروخ.. سطح - سطح انطلق من زورق بحري.. فغيَّر التاريخ. جاء صوت السادات من عمق التاريخ: لقد أدت هذه العملية إلي تغيير مسار العمليات العسكرية البحرية في العالم كله.. وبعد أن كانت جيوش العالم تعتمد علي القطع البحرية الكبيرة، فإنها بدأت تعتمد علي القطع البحرية الأصغر. وقتها، كنت في قاعة الاحتفالات في قيادة القوات البحرية في رأس التين.. وإلي جانبي أحد قادة القواعد البحرية المصرية العظيمة وطرحت عليه السؤال الذي أعترف بأنني لم أكتف بإجابته وعدت أطرحه مجدداً علي الفريق مهاب قائد القوات البحرية: قلت: ألم تكن هناك عمليات من هذا النوع قد تمت من قبل في الحرب العالمية الثانية؟ والإجابة هي: لا.. لم تحدث.. تدمير مصر المدمرة إيلات بصاروخ من زورق بحري هو الأول من نوعه في التاريخ.. وفيما قبل ذلك كانت الأسلحة البحرية تستخدم المدفعية من فوق القطع البحرية في تدمير الخصوم. عديد من مذكرات القادة المصريين تتحدث عن هذه العملية المجيدة.. وتذكر كيف أن البحرية المصرية لم تسكت عن عمليات التحرش التي قامت بها المدمرة إيلات أمام سواحل مصر عند بورسعيد.. وقد قال المشير الجمسي - رحمه الله - إن مصر وافقت علي الاستجابة لاستغاثات إسرائيل الدولية كي تسمح لها بأن تلتقط الجرحي الذين أوشكوا علي الغرق في مياه مصر.. بعد أن غرق آخرون غيرهم بالفعل.. وبمنتهي الترفع - رغم كوننا كنا مهزومين - سمحنا لهم بذلك. قبل أيام كنا في احتفال مهيب آخر.. بعيد القوات الجوية.. حيث كان نسور مصر.. بقيادة البطل الحاضر حسني مبارك.. قد صنعوا تاريخًا آخر.. ففي 14 أكتوبر 1973.. وفي خضم الحرب المجيدة التي كتبت الشرف والتحرير لمصر.. كان أن حاول الإسرائيليون بمائة وعشرين طائرة أن يضربوا خطوط مصر الخلفية.. وأن يدمروا صواريخ الدفاع الجوي.. فردت عليهم مصر بقيادة الفريق حسني مبارك باشتباك قوامه 60 طائرة.. في المجال الجوي للمنصورة.. حيث دارت واحدة من أشرس معارك الجو في التاريخ لمدة 58 دقيقة.. أسفرت عن سقوط 17 طائرة إسرائيلية.. وفشل ذريع للهجوم. النصر له طعم خاص.. لكنه حين يكون فريدا وغير مسبوق يكون له مذاق إضافي وأكثر روعة.. خصوصًا حين يسجل باسم أبطال مجيدين.. لم يركنوا إلي إنجاز التاريخ.. وإنما أضافوا إليه.. وعلي رأس هؤلاء مبارك.. الذي حين أصبح رئيسًا صار يطور في البحرية التي تخطت آفاق ما كانت عليه في 1967 بمراحل متضاعفة.. وطوَّر في القوات الجوية وحدَّثها بحيث إنها تجاوزت الوضعية التاريخية التي كانت عليها في 1973 وقت النصر المجيد بمراحل أبعد بكثير. نحن الآن نحتفل بترديد الأهازيج والأغاني والأناشيد الوطنية في قاعات تتبع الأسلحة العظيمة المنتمية إلي جيش محترف موثوق فيه.. نحن هنا هانئون لأن آخرين سبقونا وبذلوا الجهد ودوَّنوا التاريخ العظيم.. ولأنه ليس بيننا مغامرون يمكن أن يضحوا بهذا كله في أي شيء غير الدفاع عن البلد.. إن حماية الاستقرار في حد ذاته هي عملية تاريخية أخري.. لكن لا يمكن الاحتفال بها.. وإن كنا نستمتع بها. الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]