إنهم يأكلون الرمال

إخوتي.. بالتأكيد أنتم إخوتي وإن لم تربطني بكم صلة دم.. إخوتي في وطني.. إخوتي في الحلم.. وأشقائي في الأمل.. يا من سوف أسمح لنفسي بأن أقول إنني شقيق لكم في الاجتهاد وبذل الجهد.. وإن اختلفت السبل.
يا أولئك الذين لا أعرف أسماءكم.. ولم ألتق بكم.. وربما أفكر عديدا من المرات لكي أزوركم.. فأنتم تعيشون في ظروف مستحيلة.. وتعملون في جحيم بيئي لا يمكن احتماله.. يا هؤلاء الذين نتمني لكم السلامة والنجاح.. بينما ننام في بيوتنا هانئين.
أيها العاملون في شركة جنوب الوادي للبترول.. الذين كلفتم بالمسح الاستكشافي في منطقة الجلف الكبير.. هذه التي لم يكن يعرف أغلبية المصريين أنها تتبع مصر.. إلي أن سمعوا عن اختفاء بعض الأجانب.. الذين تبين فيما بعد أنهم ألمان.. وأنهم مختطفون.. هناك في أقصي جنوب غرب مصر.. حيث تقومون بمهمة عظيمة لن يسمع عنها الكثيرون.. إلا حين تنجح.. ولن يسمع أحد عنها لو لم يحالفها التوفيق.
أشد علي أيديكم.. حيث لن تقرأوا مقالي.. لأنه لن تصلكم صحف من أي نوع.. ولأنه لا توجد كهرباء.. ولأنه بالطبع لا يمكنكم تصفح موقع روزاليوسف علي الإنترنت.. أنتم هناك معزولون.. مكلفون بعمل كبير يحدوه الأمل في أن تعثروا علي النفط في منطقة لم تقبل عليها أي شركات أجنبية.. ولم تحاول أن تتقدم للاستكشاف فيها.. إن مجرد وجودكم هناك ومثابرتكم علي العمل في تلك الظروف القاسية سوف يجعل من هذه المنطقة قبلة جاذبة.. أو علي الأقل سوف يلتفت إليكم ويتابعكم من بعيد المهتمون.
لقد كلفكم وزير البترول سامح فهمي بهذه المهمة الصعبة جداً.. سوف تأكلون الرمل غصبا.. وسوف تلاحقكم ظروف الطقس الصعبة.. قيظ بالنهار.. وبرد بالليل.. لا يمكن أن تعينكم سيارات الدفع الرباعي.. بل أنتم مضطرون إلي استخدام سيارات الدفع السداسي.. وسوف تتعثرون وتجدون معوقات مذهلة.. وأنتم تعرفون ذلك.. لأن الرمال ناعمة.. ومن الصعوبة الشديدة أن تجدوا يسرا في استخدام المعدات الثقيلة.
هناك.. حيث قد تجدون أو لا تجدون نفطا.. وحيث قد يكون هناك حوض للزيت يمتد تحت الأرض إلي السودان.. ويمتد إلي ليبيا.. سوف تحفرون وتبنون بئرين استكشافيين.. ومعكم ثمانية ملايين دولار لعمل مبادر وعظيم في البحث والتنقيب.. خلال ست سنوات.. وحيث قد تستخدمون عمليات المسح الجوي غير العادية.. وحيث سوف تواجهون مصاعب أنه لا توجد طرق.. وأنكم بعيدون تماما عن الماء.. ولا تلوح أمامكم واحة.. وعلي مسافة مئات الأميال منكم أقرب فرصة للحياة.. أنتم هناك تبدأون في خلق حياة أخري.
أعرف أنكم مازلتم في بداية العمل.. وأن المسيرة أمامكم طويلة ومرهقة.. لكنكم تعرفون أنكم تفتحون نافذة إلي المستقبل.. أنتم تستكشفون الوطن.. تبحثون عن ثرواته.. تضيفون إلي رصيد الأجيال القادمة.. وإن لم تعثروا علي شيء.. فلا أقل من أن أيديكم عملت.. ونفوسكم حلمت.. وشركتكم اجتهدت وتصدت.. والوزارة التي تتبعونها حاولت بعد أن بحثت وخططت وقررت.. وكلفتكم بهذه المهمة التي لا يدري عنها الكثيرون في كل أرجاء مصر أي شيء.
قد يقع منكم مريض فلا يجد عونا قريبا.. وقد يبقي بعضكم بعيدا عن أهله بالأسابيع إن لم يكن بالأشهر.. أنتم غرباء وإن كنتم في بلدكم.. ولكن ما سوف تقومون به يستحق منا أن نسجله وأن نتابعه وأن نهتم به.. وأن نثني عليه.. ليس فيكم ترف بكوات الشاشات.. ولا رفاه المتحذلقين في المنتديات.. ولا ترفع المرطرطين بالكلمات من داخل صالونات وثيرة.. وفوق كل هذا أنتم لا تتغنون بما تفعلون.
إخوتي.. لقد بدأت مهمتكم في سبتمبر الماضي.. وقعت العقد معكم وزارة البترول من خلال المهندس سامح فهمي.. وقالت اذهبوا واعملوا.. وسوف تمضي أوقات طويلة وعصيبة.. بل وربما نسيناكم نحن الذين نكتب هذا.. إلي أن تأتي لحظة فننتبه أنكم أنجزتم.. ونصفق لكم.. وقتها أرجو أن نتمتع بحسن التقدير وأن نعرف ما الذي بذلتموه من أجل أن ينجح هذا العمل.
الله معكم.. وندعوه لكم..
الموقع الالكتروني : www.abkamal.net
البريد الالكتروني : abk@abkamal.net